المريض الأوروبي.. بقلم: مها سلطان

المريض الأوروبي.. بقلم: مها سلطان

تحليل وآراء

الخميس، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨

وزير خارجية بولندا ياتسيك تشابوتوفيتش نعت فرنسا بـ «رجل أوروبا المريض» الذي يقود الجميع – أي الأوروبيين- إلى الهاوية.
لا نعتقد أن في النعت مبالغة سواء: 1- لناحية أن تشابوتوفيتش استدعاه من تاريخ بعيد انفردت به الإمبراطورية العثمانية.. علماً أن النعت حينها كان أوروبياً أيضاً، وأوروبا نفسها كانت أكثر المستفيدين الذي سطوا على إرث الإمبراطورية العثمانية. 2- لناحية المقارنة بين إمبراطورية امتدت شرقاً وغرباً، ودولة مثل فرنسا تعيش حالة انفصال عن الواقع، أسيرة ماضيها الاستعماري.
وعليه نتفق مع أغلب المحللين الذين يرون أن جزءاً من أزمة فرنسا ليس رؤساء ضعفاء فقط، بل رؤساء غير مناسبين على الإطلاق، رؤساء بخلفيات رأسمالية مناهضة للشعوب، لا تستطيع أن تفهم معاناة المواطنين الذين يرزحون تحت ثقل «البرامج الإصلاحية».. ضرائب، تأمينات، قروض، أجور منخفضة… والقائمة تطول، بل أكثر من ذلك، فإن المواطنين في فرنسا (وغيرها) لا يتحملون فقط وزر ما تعانيه بلادهم، بل ما يعانيه الاتحاد الأوروبي ككل من ضعف اقتصادي يتفاقم، بينما لا حلول ناجعة حتى الآن.. وحليفتهم أمريكا لا تسهل عليهم المهمة على الإطلاق.
لا نعتقد أن مرد ما قاله تشابوتوفيتش- وهو قاس جداً- يعود لفتور العلاقات بين فرنسا وبولندا منذ عام 2015 بعد وصول المحافظين إلى السلطة، علماً أن بولندا نفسها- وهي الأفقر في أوروبا- لديها الأزمات نفسها، وتنفذ البرامج الإصلاحية ذاتها التي ينفذها ماكرون، وأغلب الدول الأوروبية، في محاولات مستميتة لتفادي مرحلة الانهيار الاقتصادي.
ولكن إذا ما اتفقنا مع تشابوتوفيتش على صحة ما قاله، فإننا نسأل في المقابل:
1- هل فرنسا وحدها هي «الرجل المريض» في أوروبا؟.. باعتقادنا أوروبا كلها مريضة.
2- ماذا عن بريطانيا وانسحابها من الاتحاد الأوروبي.. ألا يمكننا القول: إن مسيرة جرّ أوروبا إلى الهاوية بدأت مع هذا الانسحاب؟
3- ماذا يمكن لماكرون أن يفعل وهو في الأساس ورث اقتصاداً على حافة الانهيار وسط ضعف اقتصادي على مستوى أوروبا؟
4- ماذا عن الحليفة أمريكا، هي أيضاً لها نصيبها من دفع أوروبا إلى الهاوية؟
هذا ليس دفاعاً عن ماكرون أو فرنسا (أو أوروبا بالعموم) بل هو محاولة لرسم كامل خطوط الصورة لأوروبيين وقعوا في شر سياساتهم، ليواجهوا وحدهم اليوم مصيراً سوداوياً قد لا تقوم لهم قائمة من بعده.
تشرين