شرق سورية ليس شارعاً في اسطنبول!.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

شرق سورية ليس شارعاً في اسطنبول!.. بقلم: د. وفيق إبراهيم

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٨

يعلن الرئيس التركي رجب أردوغان بثقة مطلقة أن قوات بلاده تتهيّأ لغزو شرق الفرات السوري فور رحيل الأميركيين عنه في مدة أقصاها ثلاثة أشهر.
ولا يُخفي هدفه بدفن «المشروع الكردي» في خنادق «المقاتلين الإرهابيين» العاملين في سبيله على حدّ وصفه.
فيبدو وكأنه يتكلم عن استعداد الجيش التركي لمهاجمة عصابات تعبث في شوارع مدينة تركية وليس في منطقة سورية مساحتها خمسون ألف كيلومتر مربع تقريباً وفيها عشرات آلاف المسلحين الكرد الى جانب المنتمين الى عشرات الجنسيات في إطار تنظيمات متطرفة معظمها من صناعة مخابرات بلاده.
وينسى الرجب أيضاً وجود قواعد جوية فرنسية وأخرى انجليزية تحتوي ايضاً على كتائب من مغاوير البلدين، هذا إذا افترضنا انسحاب الأميركيين من 13 نقطة عسكرية لهم شرق الفرات بينها قواعد جوية وقوات نخبة من ثلاث محطات مركزية.
هذا عن الجانب الموجود على أراضي شرق الفرات ومعه بضعة آلاف من قوات عشائر عربية تموّلها السعودية والإمارات.
ماذا الآن عن أصحاب البلاد وحلفائهم؟
ينسى الرئيس التركي أنّ شرق الفرات مناطق تتبع دولة سورية تعترف بها الامم المتحدة.
وتضع خططاً تدريجية لتحرير مناطقها المحتلة، وهي ليست بوارد التنازل عن أي جزء من بلادها تحت أي نوع من الضغوط، والبرهان موجود في تحريرها نصف أراضيها التي كانت محتلة من قبل منظمات متطرفة اجتاحتها من الحدود التركية والأردنية والعراقية بتغطية كاملة من المخابرات الأميركية والتركية والاردنية الشديدة التنسيق، فكيف يمكن لقيادة دمشق التي بذلت الغالي والرخيص من إمكاناتها العسكرية والاقتصادية والسياسية في سبيل التصدي للمحتلين على مستوى الدول والمنظمات. فكيف يمكن لها أن تتخلى عن إدلب والشمال والشرق؟
هناك اذاً دولة سورية المتوثبة لاستكمال تحرير مناطقها، بدليل أنها حركت قوات لها الى مناطق مواجهة لدير الزور ونقاط إضافية تقابل بعض القواعد الأميركية ولا تحمل إلا قراراً واحداً وهو منع الأتراك من التوغل شرقاً والدفاع عن السكان العرب والكرد من تلك المخططات الخبيثة.
الإيرانيون بدورهم بصفتهم حلفاء اساسيين للدولة لم ينتظروا الانسحاب الأميركي، فأسرع رئيسهم الشيخ روحاني الى انقرة لمقابلة أردوغان ناقلاً له رسالة وحيدة فحواها أن سورية ترفض هجوماً تركياً ولن تتأخر في مجابهته، الأمر الذي يفرض على حلفاء سورية الإيرانيين والروس الوقوف الى جانبها.
لجهة الروس فهم محترفون في فهم التحركات الأميركية الجديدة في سورية والعراق واليمن.
ويعرفون أسباب كل هجوم او تراجع أميركي ويعزونه فوراً الى الميدان والاقتصاد، ففي كل مرة يستشعر الأميركيون تراجعات عسكرية واقتصادية في مراكز قوتهم ينكمشون لإعادة بناء آليات جديدة، فهم في نهاية المطاف لا يتنازلون عن إمبراطوريتهم التي أسسوها على جثث الملايين من سكان العالم، قضت عليهم قواتهم الأميركية المهاجمة التي بنت لهم هيمنة اقتصادية غير مسبوقة في مختلف القارات.
لذلك يعتقد الاستراتيجيون الروس أن الأميركيين وصلوا الى حائط مسدود في شرق الفرات وشمال سورية ولم يعد بإمكانهم تحقيق تغيير نوعي يفرض على الدولة السورية وإيران وروسيا القبول بمخططاتهم التفتيتية، ما دفعهم الى قراءة الانسداد الذي أصابهم بضرورة إعادة جذب «السياسة التركية في سورية حصراً» الى معسكرهم.
فأردوغان المستاء من تعاون الأميركيين مع الكرد، هذا التعاون الذي يهدد وحدة دولته لما للكرد السوريين من علاقات نسب وجوار مباشر مع الكرد الترك، فلا يمكن تأسيس كانتونات كردية شمال سورية والشرق من دون حدوث تداعيات جيوسياسية خطيرة في الجانب التركي المتصل به عبر الحدود لا سيما أن انقرة تعتقد ان القيادة الكردية واحدة موحدة بتخطيط من حزب العمال الكردستاني التركي الموجود برأيها في جبال قنديل العراقية وشرق تركيا وشرق سورية.
وهكذا تتضح ملامح الخطة الأميركية التي تبدأ بسحب قواتها من سورية الى العراق وفي قواعد موجودة قريبة من حدود البلدين الى جانب تعزيز وجود الحلف الأطلسي بقوات نخبة من فرنسا وبريطانيا مدعومة بقواعد جوية معزّزة وقد تنضم المانيا الى الاوركسترا.
هذا إلى جانب السماح لتركيا بالتقدم في شمال سورية بحدود الأربعين كيلومتراً عمقاً في الأراضي السورية المقابلة للشرق.
فيصبح هناك كانتون تحت السيطرة التركية تعيد أنقرة إليه عشرات الآلاف من النازحين السوريين عندها، ما يؤدي الى اكتمال ملامح خطة التفتيت الأميركية بالوسيلة التركية مع سحب مخاوف انقرة من المشروع الكردي:
بالتفاصيل يؤدي هذا المشروع الى سحب تركيا من الصداقة الروسية الإيرانية مع احتمال نشوب حرب سورية تركية مباشرة تزيد من تعقيد علاقات أنقرة مع حليفتيها الضامنتين روسيا وإيران.
وليس مرجحاً بمفهوم المصالح أن ترتضي موسكو بالدور التركي المفترض ولديها وسائلها المضادة في هذا الصدد، أما طهران فتكون موجودة الى جانب الدولة السورية على أسس سياسية وجيواستراتيجية.
على المستوى الأوروبي تظهر دوله في مسألة شرق الفرات كالباحث عن فتات من موارد الطاقة واسواق الاستهلاك يرميها لها الأميركي المكتنز للثروات والا كيف يمكن استيعاب هذه الأدوار الفرنسية الانجليزية في شرق سورية وشمالها بشعارات زائفة عن الحرية والديمقراطية في وقت يبدو فيه الرئيس الفرنسي ماكرون كالباحث عن تغطية اقتصادية يسرقها من آبار النفط والغاز شرق سورية ليغطي بها مطالب الكادحين من أصحاب السترات الصفراء في بلاده؟
وكذلك حال بريطانيا الحائرة والمنقبة عن ثروات اقتصادية تغطي بها انسحابها من الاتحاد الأوروبي؟
فهل يتحوّل شرق الفرات ساحة نزاع مفتوح بين كثير من الدول أم يخترقه أردوغان وكأنه شارع في ميادين اسطنبول؟
يتبقى الخيار الفعلي الأساسي وهو أن مناطق سورية في الشرق والشمال وادلب هي جزء من الدولة السورية التي تواصل تنفيذ خطتها التدريجية بتحرير كامل مناطقها مهما تزايدت الضغوط.
هناك عامل داعم لمسيرة الدولة التحريرية.
ويتعلق بتشكل تيارات كردية رافضة لنهج منظمة قسد الكردية التي راهنت على الاميركيين وتحوّلت بناء على ذلك أداة في يدهم في الشرق والشمال.
وتواصل «قسد» ارتكاب الأخطاء نفسها فها هي اليوم تراهن على الفرنسيين لتأمين حماية جوية لها الى جانب همسات عن وعود إسرائيلية لها بتوفير شيء من الدعم العسكري والحماية الجوية، ما يدفع الى حثّ التيارات الكردية المناهضة لها على الإسراع في التنسيق مع دولتها السورية لإنقاذ الكرد من هذه الوضعية التاريخية الانتحارية.
سورية إلى أين؟ الشام محرّرة تحت لواء الدولة التاريخية العريقة القادرة بمفردها على بناء نظام إقليمي يثير خوف النفوذ الأميركي وحلفائه الترك ومعهم مشيخات الخليج والكيان الإسرائيلي ومعظم الرجعيات العربية.