في حضرة البهلوان.. بقلم: نبيه البرجي

في حضرة البهلوان.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الجمعة، ١١ يناير ٢٠١٩

لم يكن، ولن يكون، الوحيد الذي يقول «لم نعد من سورية إلا بالغبار». كان على مستشار الأمن القومي السابق بن رودس أن يعلق «هذا أفضل بكثير من أن تعود… بالدم».
الكثيرون الآن في حالة اجترار الصدمة. قلنا اللاعبون بين خيوط العنكبوت الذين كانوا يراهنون على صفقة ما، على سيناريو ما، مع دونالد ترامب فوق الأرض السورية. لو تكلم الرئيس الأميركي، دون مواربة، لقال، كما قال الجنرال نورستاد، ذات يوم، في فيتنام، «حتى الهواء هناك يقول لنا… ارحلوا»!
«الأصابع المحترقة»، «الوجوه المحترقة». المصطلحات التي باتت شائعة في الصحف العالمية أو في معاهد البحث. للمرة الأولى بدا جون بولتون متهدلاً كما شاربيه. قال لبنيامين نتنياهو ما معناه «فعلنا كل ما نستطيع. لن ندع الوحول تأكل جنودنا».
رئيس الوزراء الإسرائيلي وضع ورقة الجولان على الطاولة. الجولان السوري، الباقي سورية إلى الأبد. الباحث البارز روبرت ساتلوف اعتبر أن إثارة نتنياهو لهذه المسألة تعني أن الدور الإسرائيلي انتهى على الأرض السورية. هو من تحدث عن «بكاء حائط المبكى».
أهل اليمين في إسرائيل يشتكون إما من هشاشة الحلفاء في المنطقة، أو من ضياعهم، أو من تشتتهم. «إنهم يأخذوننا حيث هم».
لم يعد هناك من سبيل إلى صفقة القرن. ناحوم بارنيع يسخر من الذين راهنوا على إدارة الشرق الأوسط برؤوس الأصابع. اليمين ارتطم أيديولوجياً، وإستراتيجياً، بالحائط «كما لو أن ألفرد هيتشكوك، مخرج فيلم «الدوامة» يمسك بأذني بنيامين نتنياهو». حين يسقط البهلوان.
هل هو البهلوان الوحيد الذي يسقط في نهاية اللعبة؟ ضغوط هائلة بذلت لإبطاء الانسحاب الأميركي. المسألة سيكولوجية بالدرجة الأولى. اللاعبون في الزوايا، إياهم اللاعبون في الأقبية، ساخطون على دونالد ترامب.
كل الذين لعبوا بالدم السوري، بالتراب السوري، حائرون في حضرة البهلوان. لا خطط، لا تصورات، حول اليوم التالي. التركي جنكيز تشاندار يقول من منفاه البعيد «منذ البداية كتبت: إنها لعبة الأواني الفارغة. في النهاية، إنها لعبة الأواني الفارغة».
هذا لا يعني أن المحاولات توقفت. الذين بذلوا جهوداً هائلة لإعادة برمجة الانسحاب، هم أنفسهم الذين يواصلون ضغوطهم من أجل عرقلة العودة إلى دمشق.
ما تناهى إلينا أكثر من أن يكون مخجلاً. أكثر من أن يكون معيباً. الذين احترفوا هز البطن، وهز الرأس، يأخذون الآن بديبلوماسية قطاع الطرق. إلى أين؟
هم الذين يعترفون الآن، دون الحاجة إلى الأقنعة، بأن الأزمة السورية، وحيث لا حدود للأيدي القذرة، «عرّت حتى عظامنا». هذا ما سمعه وزير خارجية خليجي في دولة متاخمة. تعليقه الفوري «انتظروا، دونالد ترامب سيقلب المشهد رأساً على عقب».
هكذا اكفهرت وجوههم حين أعلن الرئيس الأميركي قرار الانسحاب. بن رودس إياه قال: «لكأن دورنا في سورية حراسة الرمال». وقال: «لم يصغوا إلى أي نصيحة بأن اللعب على الأرض السورية يعني الدخول السيزيفي في كرنفال الحرائق».
الكل الآن يدون وقد لامست الحرائق أنوفهم المسننة. هل يدري هؤلاء ما كان رد حاكم عربي على حاكم آخر تمنى عليه التريث في العودة (الديبلوماسية) إلى دمشق؟ «يا صاحب… إن شعبية بشار الأسد في بلدي وبلدك أكثر من شعبيتي وشعبيتك معاً».
سألناهم، ذات يوم، لماذا الإصرار على البقاء في… غرفة العدم؟!