فنزويلا تعكس استبداد الولايات المتحدة الأميركية.. بقلم: د.أحمد الزين

فنزويلا تعكس استبداد الولايات المتحدة الأميركية.. بقلم: د.أحمد الزين

تحليل وآراء

السبت، ٢٦ يناير ٢٠١٩

«صوتُكم سيقرّر، إما أوراق الاقتراع أو الرصاص.. إما بلدكم أو الاستعمار. إما السلام أو العنف. إما الاستقلال أو التبعية».
هكذا حفّز نيكولاس مادورو شعبه على الاقتراع لصالحه في الانتخابات النيابية أواخر العام المنصرم، والتي أسفرت عن فوزه بولاية ثانية بنسبة 67 . فهل كان يومها عارفاً بما تحمله الأيام الآتية لبلاده من اضطرابات اعتبر مسبقاً أنّ الاستعمار سيكون هو المسبّب لها؟
قبل إعلان النتائج صرّح نائب وزير الخارجية الأميركي جون سوليفان أنّ بلاده لن تعترف بنتائج الانتحابات الرئاسية التي جرت في فنزويلا، وكذلك طعن منافس مادورو، هنري فالكون، في النتائج متّهماً الرئيس بالتزوير وداعياً في الوقت نفسه إلى إجراء انتخابات جديدة.
لكن ذلك لم يحصل، بل إنّ مادورو أدّى اليمين الدستورية بصفته رئيساً للبلاد، في العاشر من الشهر الحالي متخطياً مقاطعة غالبية قوى المعارضة، وعدم اعتراف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية ودول الجوار بالانتخابات التي أعادت إيصاله إلى السلطة بزعم أنها كانت انتخابات مزيّفة!
في المقابل ترأس البرلمانَ ذا الأغلبية المعارضة لمادورو بنسبة 65 غوايدو الذي أعلن فور تسلّمه سدة البرلمان عن استعداده لشغل منصب رئيس البلاد بدلاً من مادورو. هكذا وبعد أيام قليلة من تنصيب مادورو، لم يكن مفاجئاً أبداً أن يعلن غوايدو نفسه رئيساً للبلاد، وأن يؤدّي اليمين وسط مؤيديه في شوارع العاصمة كراكاس في خطوة هزلية لم يشهدها التاريخ قبلاً.
المشهد حالياً في فنزويلا: برلمان معارض للرئيس دخل في حال صدامية معه منذ سيطرة المعارضة عليه في العام 2015 وسعى إلى إسقاطه. ورئيس منتخب من قبل الشعب بنسبة 67 ، ورئيس برلمان مدعوم من قوى عالمية يعلن نفسه رئيساً للبلاد، ووسط كلّ ذلك شعب يئنّ تحت وطأة مشاكل اجتماعية واقتصادية لا حصر لها. فما الذي أوصل فنزويلا، بلاد النفط واحتياط 300 مليار برميل بالإضافة الى المعادن الثمينة، إلى الوقوف أمام فتحة هذا النفق المظلم؟ وهل ستدخله أم ستتجاوز المحنة لتبقى شعلة ثورة لا تنطفئ ولو انطفأ جسد مطلقها هوغو تشافيز؟
لطالما عبّر مادورو عن رؤيته القائلة إنّ بلاده ضحية حرب اقتصادية تشنّها المعارضة الخارجية الساعية للإطاحة به وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
والحقيقة أنّ فنزويلا، تعاني منذ العام 2014 من هذه الحرب الاقتصادية عليها، فقد انهارت أسهم النفط، وقفز معدل التضخم فيها إلى 141 في تشرين الأول 2015 فتراجع الطلب على النفط وانخفضت أسعاره، ولا يخفى على أحد مدى تأثير ذلك في بلد يعتمد اقتصاده على العائدات النفطية بنسبة 90 .
هكذا انهارت العملة المحلية «البوليفار» مقابل الدولار حتى باتت الدولة الفنزويلية شبه عاجزة عن استيراد المواد الغذائية اللازمة لكلّ بيت كالبيض والأرز، والسكر نظراً لكونها باتت باهظة الثمن بعد أن تعدّت قيمة الدولار 865 بوليفاراً. أضف إلى ذلك أزمة الديون التي سيستحق منها مبلغ عشرة مليارات دولار بحلول تشرين الثاني من العام الحالي. إنّ مثل هذه الأوضاع الاقتصادية المتردّية ستكون لها، حكماً، انعكاسات سياسية واجتماعية تفتح الباب واسعاً أمام التدخلات الأجنبية، الرافضة منها لحكم مادورو على وجه التحديد، هذا الحكم ذو التوجه المعادي للسياسة الأميركية في أميركا اللاتينية وفي العالم. وكلنا يعلم مواقف كلّ من تشافيز ومادورو المؤيدة للقضية الفلسطينية، والرافضة للسياستين الأميركية و»الإسرائيلية» في شرقنا الأوسط.
هكذا وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، فكيف توزّعت المواقف بشأنها؟
الولايات المتحدة رحّبت بغوايدو واعتبرته الرئيس الشرعي لفنزويلا، داعية على لسان مستشارها جون بولتون إلى قطع الإيرادات المالية عن مادورو، وحذا الاتحاد الأوروبي في الترحيب بغوايدو حذو الولايات المتحدة، وكذلك فعلت كلّ من البرازيل والباراغواي، وكندا، ومنظمة الدول الأميركية، اما لندن فأعلنت انّ غوايدو هو الشخص المناسب لتولي رئاسة فنزويلا.
تركيا من جهتها رفضت الانقلاب حيث صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع رئيسة مالطا، ماري لويز كوليرو بريكا، في أنقرة، «ينبغي احترام الرئيس المنتخب وإنْ لم تحترموه فهذا لن يسمّى ديمقراطية». وأضاف «ينبغي على الذين يدافعون عن الديمقراطية أن يقفوا في صفّ من يكافح لأجلها والرؤساء المنتخبين». وأوضح «أنّ نيكولاس مادورو هو الرئيس المنتخب لفنزويلا، ولكن هناك من لا يتقبّله وعلى رأسهم دول مجموعة ليما».
وكذلك أدانت روسيا محاولات الإطاحة برئيس فنزويلا واعتبرتها أمراً غير قانوني وقالت الرئاسية الروسية الكرملين فى تصريحات بثتها وكالة أنباء سبوتنيك الروسية إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعرب عن دعمه للسلطات الشرعية فى فنزويلا فى سياق الأزمة السياسية الداخلية المستفزة من الخارج. وشدّد بوتين على أنّ التدخل الخارجى غير البنّاء ينتهك القواعد الأساسية للقانون الدولى، داعيا إلى إيجاد حلّ فى إطار الدستور والتغلب على الخلافات في المجتمع الفنزويلى من خلال الحوار السلمي. وجاء أيضاً على لسان رئيس لجنة الشؤون الدولية لمجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كاساتشوف أنّ ما يحدث في فنزويلا شأن داخلي، وأنه ينبغي «دعم الشعب الفنزويلي من خلال تطوير التعاون مع هذا البلد، والمساعدة على حلّ المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة فيه وليس من خلال حصاره». واضاف «إنّ كلّ السياسات الأميركية تجاه فنزويلا بما في ذلك التصريحات الأخيرة للرئيس دونالد ترامب، تعتبر تدخلاً سافراً وفظاً في شؤونها الداخلية».
اما داخلياً، فقد أعلن وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير باردينو أنّ جيش بلاده لن يعترف بإعلان رئيس البرلمان المعارض نفسه رئيساً للبلاد، قائلاً عبر حسابه على «تويتر» إنّ «جنود الوطن لا يقبلون برئيس مفروض في ظلّ مصالح غامضة». وهذا ما قد يلعب دوراً حاسماً في مستقبل فنزويلا.
من جهته أعلن مادورو قطع بلاده للعلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة واستدعى سفيره من واشنطن، وأمهل الدبلوماسيين الأميركيين في بلاده مدة 72 ساعة لمغادرة فنزويلا.
وبعد كلّ ذلك يبقى السؤال الأهمّ: ما هي السيناريوات المتوقعة في بلاد بات من الواضح أنها قد دخلت فعلاً في دائرة الأطماع الدولية مع ما يعنيه ذلك من تبعات عليها؟
هل يفرض الجيش سيطرته على البلاد تحت حكم مادورو، فيقمع الاحتجاجات معتبراً المعارضين منقلبين على السلطة؟
هل يتمّ طرح انتخابات مبكرة جديدة، أو استفتاء يحقن الدماء؟
هل يتعزز الانقسام في ظلّ دعم الإدارة الأميركية للمعارضة فتنفتح البلاد على هوة المجهول؟
هل يلجم موقف روسيا الحازم وثبات كراكاس الاندفاعة الأميركية ويعيد ضبط فنزويلا على إيقاع مادورو؟
هل تنزلق الأمور إلى تدخل عسكري أميركي مباشر؟
سيناريوات كثيرة، وأسئلة مشروعة لعلّ الآتي من الأيام يجيب عنها، ولعلّ الشعب الفنزويلي ينظر بموضوعية إلى تجارب الدول الأخرى مع الديمقراطية الأميركية مستقياً العبر مما آلت إليه الحال في ليبيا والعراق وسورية فيصطف خلف رئيسه ويدعمه ليشكل سداً منيعاً في وجه التدخلات الخارجية. ومن يدري فقد تنجو فنزويلا من دخول النفق المظلم بحكمة رئيسها ودعم شعبها وبعض القوى العالمية التي لا زالت تؤمن بحرية الشعوب في اختيار مصائرها.