المعركة مع «دواعش» الداخل أصعب.. بقلم: د. محمد سيد أحمد

المعركة مع «دواعش» الداخل أصعب.. بقلم: د. محمد سيد أحمد

تحليل وآراء

الأحد، ٢٧ يناير ٢٠١٩

بعد أن أوشك «الربيع العربي» المزعوم على الأفول مع مطلع الـ 2019 ومع الانتصارات المدوية التي حققها الجيش العربي السوري على التنظيمات الإرهابية التي جاءت من كل أصقاع الأرض لتنتشر على الجغرافيا السورية, وفي مقدمتها ذلك التنظيم الإرهابي المعروف إعلامياً بـ«داعش»، وهو التنظيم الذي ولد من رحم هذا «الربيع» منذ انطلاقته عام 2011, والمصطلح في أصله يشير إلى ذلك التنظيم الإرهابي الذي يعرف بما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الذي حل في السنوات الأخيرة محل تنظيم «القاعدة» الذي كان يتصدر المشهد الإرهابي العالمي قبل بداية انطلاق موجة «الربيع» المزعوم الذي جاءت نتائجه كلها في مصلحة العدو الصهيوني الذي يعبث بمقدساتنا الإسلامية والمسيحية ويدمر التراث الذي يعد تراثاً للإنسانية جمعاء.
ورغم وجود العديد من التنظيمات الإرهابية التي اكتسبت شهرة كبيرة بين سكان كوكب الأرض إلا أن تنظيم «داعش» هو الأكثر شراسة ووحشية ودموية على مدار تاريخ البشرية، فالعمليات الإرهابية التي أقدم عليها قلّ نظيره خاصة القتل والتمثيل بجثث الأطفال والنساء والشيوخ، وعلانية وأمام الكاميرات, في عالم تطورت فيه وسائل الإعلام بشكل مذهل حيث أصبح كل مواطن إعلامياً يحمل وسيلته الإعلامية وهي هاتفه المحمول المتصل بشبكة الإنترنت التي تمكّنه من التواصل والتفاعل مع الأحداث في كل بقاع المعمورة، وعبر مواقع تبث عليها ملايين الأخبار والصور والفيديوهات في الدقيقة الواحدة مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» وغيرها.
لذلك أصبح مصطلح «داعش» يُستخدم للإشارة إلى كل ما هو غير إنساني ومضاد للإنسانية, فتداول المصطلح من خلال الحياة اليومية للمواطنين يشير إلى السلوكيات الإنسانية السلبية, لذلك لا عجب في أن يصف مواطن سلوك مواطن آخر قام باستغلاله أو ظلمه أو قهره بأنه «داعشي», ولم يعد استخدام المصطلح يدعو للغرابة عند استخدامه في حياتنا اليومية كمؤشر على الشراسة والوحشية في معاملاتنا اليومية مع بعضنا.
وبالطبع الجميع يعلم دور الولايات المتحدة في رعاية التنظيمات الإرهابية حول العالم على أقل تقدير في نصف القرن الأخير, ذلك لأن هذه التنظيمات تلعب دوراً وظيفياً لتحقيق المصالح الأمريكية سواء في منطقتنا العربية أو حول العالم, وعندما ظهر تنظيم «داعش» في السنوات الأخيرة تحت رعاية العدو الأمريكي في العراق ثم انتقل إلى سورية، وبعدها بدأ يتمدد ليشكل خطراً داهماً على مصر حيث تسلل عبر الحدود الشرقية المتاخمة لفلسطين المحتلة بمساعدة العدو الصهيوني، وبدأ الجيش المصري معركته مع «الدواعش» في سيناء وهي المعركة المستمرة منذ ما يزيد على خمس سنوات حتى الآن, ثم تسلله إلى ليبيا وهو ما شكل خطراً على الحدود الغربية لمصر ما دفع الجيش المصري للقيام بعدة عمليات هجومية داخل الأراضي الليبية بالتنسيق مع الجيش الليبي الوطني لإيقاف تمدد «داعش» حتى لا يصل للأراضي المصرية.
وإذا كنا قد أدركنا حجم الخطر الذي يشكله تنظيم «داعش» لكونه تنظيماً خارجياً تحركه أمريكا يمتلك أفكاراً معادية للإنسانية, فإن الأفكار الداعشية نفسها ينفذها العديد من القوى الاجتماعية الموجودة داخل مجتمعاتنا العربية, وهي وإن لم تدخل فعلياً ضمن هذا التنظيم الإرهابي لكنها تنفذ ضد مواطنيها أفكاره وممارساته, فبعض التجار والسماسرة الذين يتلاعبون بقوت الشعب ويسرقون وينهبون ثرواته أليسوا «دواعش» وأكثر شراسة ووحشية ودموية مع الفقراء والكادحين والمهمشين داخل مجتمعاتنا العربية؟.. والموظفون الفاسدون والمرتشون والمزورون الذين يضربون بالقانون عرض الحائط ولا يطبقونه إلا على «الغلابة» أليسوا «دواعش»؟.. والخلايا الإرهابية النائمة التي تعمل على تدمير المؤسسات من الداخل وتقوم من حين لآخر ببعض التفجيرات الإرهابية أليسوا «دواعش».. والمسؤولون العاجزون عن حماية المواطنين من شراسة ووحشية ودموية السماسرة والموظفين الفاسدين أليسوا «دواعش»؟
فعلى الرغم من نجاح الجيش المصري بتجفيف منابع الإرهاب على الأرض منذ الإطاحة بجماعة «الإخوان» الإرهابية من سدة الحكم قبل خمس سنوات من الآن, لكننا لم نتمكن من العودة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من المصريين إلى ما كانت عليه قبل موجة «الربيع العربي» المزعوم، رغم أنها لم تكن مرضية، منذ كان الدافع الأول للمشاركة الشعبية في 25 كانون الثاني تحسين هذه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية البائسة, وما وصلنا إليه الآن هو أكثر بؤسا بكل تأكيد ويرجع السبب إلى أننا ورغم هزيمتنا المشروع الأمريكي -الصهيوني الذي يمثل «دواعش» الخارج، لم نتمكن حتى الآن من تحقيق أي انتصار على «دواعش» الداخل.
إن المعركة مع «دواعش» الداخل قد بدأت بالفعل وهي معركة أكثر شراسة، وقد تتطلب وقتاً وجهداً أكبر, وعلى الرغم من صعوبة هذه المعركة إلا أنه لابد من دخولها سريعاً حتى نتمكن من إعادة بناء الوطن, فالأوطان لا يمكن أن تبنى في ظل وجود «دواعش» الداخل.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
تشرين