لكأنه سقوط الهيكل الثالث.. بقلم: نبيه البرجي

لكأنه سقوط الهيكل الثالث.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الخميس، ٧ مارس ٢٠١٩

أجل، أن تخلع أنياب الذئب!
حين يوحي مئير داغان بأن «سقوطنا في سورية لكأنه سقوط الهيكل الثالث». هذا بعدما كان بنيامين نتنياهو يتبادل كؤوس الشامبانيا مع الملياردير النيويوركي شلدون ادلسون لأن دباباته ستختال غداً، أو بعد غد، على ضفاف بردى.
نتنياهو الذي أسند ظهره إلى النص التوراتي، وامتطى ظهر ذلك الطراز من العرب، عرب تورا بورا، الذين فعلوا في سورية ما لا تفعله قبائل يأجوج ومأجوج. ولقد قرأتم الكثير عن ثقافة العباءة والخنجر.
يفترض أن نستعيد، المرة تلو المرة، وسورية تعود إلى تألقها، إن الذي حدث على الأرض السورية أكثر بكثير مما حدث في أي مكان آخر من العالم. هيروشيما كانت تتدحرج من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، ومن منزل إلى منزل.
الآن، اياه، يشكو في موسكو من أي عاصفة تهب من سورية. لكم استوحى هذا الرجل، في سياساته، ما ذكرته الميثولوجيا العبرية حول الاله «يهوه» الذي كان، من كهفه، يرشق السابلة بالحجارة.
الخطة كانت أمامه على الطاولة. مهرجان الميركافا في دمشق. لا أحد قال له إن أزهار الياسمين في المدينة تتحول، في لحظة ما، إلى إعصار. دمشقي عتيق قال لي «قاماتنا قامات الجبال».
قهقهات نتنياهو، وهي قهقهات الغراب، لطالما أطربت أولئك العرب المكدسين في سوق النخاسة، أولئك المعارضين الذين قلنا، وقلنا إنهم كما أكياس القمامة على أرصفة اسطنبول. هو من رأى أن الشرق الأوسط الآخر إنما يبدأ من دمشق. فاته أن الزمن يبدأ من دمشق.
تلك اللقاءات الشكسبيرية الطويلة. ملوك ورؤساء. جنرالات وحاخامات. دبلوماسيون يتحدرون من سراويل القناصل في القرن التاسع عشر ورجال استخبارات بوجوه القبور، وأدمغة القبور.
كم من الساعات، وكم من الأيام، بذلت من أجل إعادة هندسة التاريخ، وإعادة هندسة الجغرافيا، بل إعادة هندسة القضاء والقدر، لتكون سورية المدخل إلى صفقة القرن؟ كارثة القرن.
لا أحد من هؤلاء كان يتصور أن سورية ستبقى. السيناريوهات التي وضعتها الأصابع الغليظة راحت تتداعى، الواحد تلو الآخر. يا للمهزلة حين يصف صحفي مقرب من نتنياهو رجب طيب اردوغان بلاعب السيرك الذي تنشب في ثيابه النيران!
اللامعقول حين يتعدى اللامعقول. الكل مع الكل، والكل ضد الكل. يحق لناحوم بارنيع أن يكتب عن «ليلة الخناجر الطويلة» في سورية. كتبنا سابقاً، ليلة الكؤوس المحطمة.
حتى إن دونالد ترامب، بقبعة كاليغولا، أغوته فكرة جاريد كوشنر، حصان طروادة الذي زرعه اللوبي اليهودي في رأس الرئيس، حول صفقة القرن التي تتوّجه «نبي الأنبياء في الشرق الأوسط».
ترامب استشعر، وهو على الأرض السورية، أن ثمة من يستدرجه إلى الحريق الأبدي. من البعيد قال جيمس بيكر «إياك وسورية، لن تعود من هناك إلا بالموتى».
من لا يدرك أن مآل السلطان العثماني سيكون إياه مآل بنيامين نتنياهو على أرض سورية. اللعب ما تحت الزمن.
لنقل: إنه اللعب بين أقدام المستحيل. هذا ما حصل، وهذا ما يحصل. أفواجاً أفواجاً يتساقط البرابرة. متى يدرك الراقص الأخير أن قدميه في الهواء. كله في الهواء.