تركيا: الانتخابات والتحولات.. بقلم: محمد عبيد

تركيا: الانتخابات والتحولات.. بقلم: محمد عبيد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٣ أبريل ٢٠١٩

يبدو أن الانتخابات البلدية في تركيا التي يتوالى إعلان نتائجها قد ترسم مساراً جديداً لمستقبل حزب «العدالة والتنمية» أو ما اصطلح على تسميته مؤخراً حزب أردوغان، وخصوصاً بعدما تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من فرض نفسه بالترهيب والإقصاء رئيساً مطلق الصلاحيات والنفوذ داخل هذا الحزب ومن خلاله حاكماً ليس له معارض ولا منازع في السلطة.
كان يأمل أردوغان أن تمنحه هذه الانتخابات فرصة زمنية جديدة بحيث يتمكن من استكمال تنفيذ مشاريعه السلطوية الداخلية والإقليمية، وفي مقدمها:
أولاً: الإطباق النهائي على «التيار الانقلابي» الذي استهدفه شخصياً ومن خلفه حزبه من خلال إنجاز حملات التطهير السياسي التي طالت قطاعات العاملين في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية والإعلامية والاجتماعية، إلى ما هنالك من تجمعات وأفراد وهيئات ومنظمات أهلية وخاصة، حيث لم يسلم حتى اليوم من هذه الحملات أي مشكوك بأمر إظهاره للغبطة والسرور بمجرد سماعه خبر حصول الانقلاب.
ولكي تكتمل صورة المؤامرة التي رسمها أردوغان لتبرير حملات التطهير هذه كان لا بد من ابتداع عدو راغب باقتلاعه من الحزب والحكم، فاتفق الرأي على تسمية أستاذه ومعلمه «فتح اللـه غولن» كقائد ومدبر لهذا الانقلاب، وكان يهدف من وراء ذلك إلى إلباس هذا الانقلاب صبغة سياسية دولية وأميركية تحديداً لإدخاله في بازار ابتزاز واشنطن في ملفات عالقة بينه وبينها، تبدأ بسعيه لاسترداد غولن من الولايات المتحدة الأميركية، ولا تنتهي بمحاولاته الحصول على اعتراف الإدارة الأميركية به شريكاً- نداً في الوقائع الإقليمية.
ثانياً: كان يأمل أردوغان أن يتم تنصيبه سلطاناً «إسلاموياً» على الدول التي اختطفها أو حاول ذلك تنظيم ما يسمى «الإخوان المسلمين» في حمأة الربيع العربي المزعوم.
وكان يعتبر أن امتداد سلطان نفوذه معنوياً وسياسياً بغطاء ديني إلى غير بلد عربي غزاه هذا الربيع سيؤدي حكماً إلى تكريس نفسه حاجة ضرورية وإستراتيجية للغرب الأميركي والأوروبي، بحيث يصير ممراً إلزامياً لصياغة التوازنات الإقليمية المفترضة، كذلك مساحات النفوذ للاعبين في المنطقة. وهو أمر لا يمكن تحقيقه إذا لم يكن أردوغان واثقاً من ثبات حكمه ومطمئناً إلى حيثيته الشعبية الداخلية التي تسمح له بأخذ تركيا وسلطانه الافتراضي إلى الخيارات التي يريدها.
ثالثاً: أتقن أردوغان خلال سنوات الأزمة في سورية اللعب على التناقضات الدولية مستفيداً من رغبة الشريك الروسي بتحييده وإذا أمكن توظيفه في مسار إخراج سورية من هذه الأزمة، كذلك راهن على إمكانية تعبئة الفراغ الميداني والسياسي الذي كان من المفروض أن يخلفه انسحاب قوات الاحتلال الأميركية لبعض الأراضي السورية، كما اعتقد أن توسعة مساحة احتلاله ليصل إلى منطقة شرق الفرات مع ما يعني ذلك من توطئة لإنهاء الحالة الانفصالية الكردية والقوى المنضوية تحتها والتي يصنفها «إرهابية»، أن هذه الخطوة ستؤدي حكماً إلى ترسيخه بطلاً شعبياً قومياً في الداخل التركي، وبالتالي فإن ذلك كله كان يجب أن يشكل رافعة له ولحزبه في الانتخابات التي جرت.
بات من المؤكد أن حسابات أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية لم تأخذ بعين الاعتبار التبدلات في المزاج الشعبي العام التركي، هذه التبدلات التي راكمتها الضغوطات الأمنية والسياسية الداخلية، إضافة إلى بدء تبلور انعكاسات تورط النظام التركي في الداخل السوري على المستوى الاقتصادي وخصوصاً على قيمة النقد، كذلك على المستوى السياسي من خلال تكاثر عديد أعداء أنقرة وخصومها في المنطقة والعالم، وعلى المستوى الديموغرافي بعدما غدت المناطق التركية المحاذية للحدود السورية بؤرة للمرتزقة والإرهابيين الذين استقدمهم نظام أردوغان للعدوان على دمشق.
يمكن القول: إن نتائج الانتخابات البلدية هذه يمكن أن تشكل نصف هزيمة لأردوغان وحزبه، لكنها تؤسس لمرحلة ستضع معها نظامه على خط التراجع التدريجي شعبياً وسياسياً، حيث سيكون مضطراً من الآن وصاعداً للصراع من أجل البقاء.