نتنياهو بعد الانتخابات ليس كما قبلها.. بقلم: رفعت إبراهيم البدوي

نتنياهو بعد الانتخابات ليس كما قبلها.. بقلم: رفعت إبراهيم البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٨ أبريل ٢٠١٩

لم يعد مفاجئاً فوز رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو بولاية جديدة تخوله ترؤس حكومة العدو الإسرائيلي المقبلة، كيف لا والهدايا الانتخابية تنهال عليه من أميركا وروسيا.
في كشف حساب أولي لتلك الهدايا نستنتج بأن تلك الهدايا المقدمة لنتنياهو دفع ثمنها مسبقاً ليس من الحساب الأميركي أو الروسي، إنما دفع ثمنها من حساب الأرض العربية ومن حساب كرامة الشعبين الفلسطيني والسوري.
وإذا ما تمعنا بما حصل عليه نتنياهو من هدايا انتخابية وغير انتخابية لوجدنا أنه حصل على ما كان محرماً على أي من رؤساء وزراء العدو السابقين منذ نشأة الكيان الصهيوني حتى اليوم.
وفي تعدٍ واضح على الحقوق الفلسطينية والعربية، فاض سخاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين تجرأ وقدم لنتنياهو الهدية الأميركية الثمينة بإعلانه قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، معلناً أنها عاصمة للكيان الصهيوني، ضارباً عرض الحائط بمشاعر وكرامة العرب نظراً لما تمثله مدينة القدس من رمزية للمقدسات الدينية عند المسلمين والمسيحيين في هذا المشرق العربي.
ولم يكد نتنياهو الانتهاء من مراسم الاحتفال بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني حتى عاجله ترامب بهدية قيمة أخرى، لكنها هدية من حساب سورية، حيث أعلن ترامب من البيت الأبيض وبوجود نتنياهو نفسه الاعتراف بسيادة العدو الإسرائيلي على هضبة الجولان العربي السوري، غير آبه بالقوانين الشرعية الدولية ولا بقراري الأمم المتحدة 242 و338.
لم يكتف نتنياهو بالهدايا الأميركية، فولى وجهه شطر موسكو طالباً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هدايا روسية من حساب تضحيات الجيش العربي السوري والشعب السوري هذه المرة، حيث إن بوتين لم يتأخر عن تلبية طلب نتنياهو وقدم له ثلاث هدايا متتالية بدلاً من واحدة، الأولى ساعة الجاسوس الإسرائيلي في سورية إيلي كوهين، والهدية الثانية دبابة إسرائيلية كانت قوات الجيش العربي السوري غنمتها أثناء الملحمة البطولية التي خاضتها بمنطقة السلطان يعقوب اللبنانية، ملحقة بالقوة الإسرائيلية الهزيمة إبان اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان عام 1982.
أما الهدية الروسية الثالثة فهي تسليم بوتين رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل لنتنياهو، الذي قتل في أثناء تصدي الجيش العربي السوري للقوة الإسرائيلية المهاجمة في منطقة السلطان يعقوب خلال اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، والجدير ذكره أن الهدية الروسية الثالثة جاءت بلحظة فارقة، وخصوصاً بعد إسقاط إسرائيل الطائرة الروسية اليوشن20 عمداً فوق اللاذقية والنتيجة مقتل 15 ضابطاً من خيرة الضباط الروس، وأيضاً بعد الاعتراف بسيادة العدو الإسرائيلي على الجولان العربي السوري.
إذاً، بعد السخاء الأميركي جاء الكرم الروسي الفاقع بتقديم الهدايا والعطايا من حساب كرامة السوريين والفلسطينيين وذلك بغرض تعويم نتنياهو انتخابياً وإنقاذه من مأزقه الداخلي بعد اتهامه بالفساد.
السؤال: لماذا هذا التسابق الأميركي الروسي على تقديم الهدايا إلى نتنياهو وما الغرض من هذا التسابق؟
صحيح أن الاختلاف بين إستراتيجية الولايات المتحدة وإستراتيجية روسيا في المنطقة هو اختلاف جذري واضح، لكن من غير الواضح هو الاتفاق الأميركي الروسي على دعم وإنقاذ نتنياهو.
إن هدف ترامب من تقديم الدعم والهدايا لنتنياهو بات واضحاً وجلياً وهو قائم على قاعدة «كما تراني أراك».
بمعنى أن ترامب المتهم والمأزوم داخلياً وخصوصاً بعد خسارته الانتخابات النصفية لمصلحة الديمقراطيين، وهو المدرك أنه لن يكون رئيساً للولايات المتحدة الأميركية لفترة رئاسية ثانية من غير دعم اللوبي اليهودي في أميركا، وجد أنه لا بد من استرضاء نتنياهو الآن ليرد له الجميل في انتخابات أميركا الرئاسية القادمة.
أما بوتين الذي أغدق بالهدايا على نتنياهو على قاعدة «سلف ودين» مع احتساب الفائدة المركّبة، فهو الذي استطاع الحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الفرقاء المتصارعين في المنطقة من إسرائيليين وفلسطينيين وسوريين وأتراك وإيرانيين، وهو الطامح لأن يكون بمنزلة الوسيط النزيه الذي يخوله لعب دور محوري في حل أزمات المنطقة العربية وعلى وجه الخصوص الأزمة السورية، على حين نجد روسيا تعاني اقتصادياً جراء العقوبات الأميركية على شركات وشخصيات روسية إضافة إلى وجود لوبي اقتصادي يهودي وازن في روسيا وإلى الصداقة المتينة التي تربط بوتين بـنتنياهو، ولا ننسى الاتهامات البريطانية الموجهة لروسيا بتسميم بعض العملاء خارج روسيا، كلها أمور تحتم على بوتين تقديم المساعدة إلى نتنياهو طمعاً في تخفيف إجراءات العقوبات الأميركية على روسيا، كما أن اعتقاد بوتين نفسه بإمكانية التفاهم مع نتنياهو لجهة تأمين المصالح الروسية، أهون بكثير من التفاهم مع أي شخصية إسرائيلية أخرى، وربما تكون أكثر تشدداً من نتنياهو.
إذاً، الهدايا الأميركية والروسية هي عبارة عن سلفة مسبقة لدعم وإنقاذ نتنياهو طمعاً برد الجميل لكل من ترامب وبوتين مع الفوائد المترتبة، وبذلك يستطيع نتنياهو إعلان فوزه بالانتخابات قبل حصولها.
لكن ماذا عن محور المقاومة؟
رغم الاحتجاجات ها هي صفقة القرن تطل برأسها من بوابة القدس الفلسطينية والجولان العربي السوري، ليجد نتنياهو الظروف أضحت ملائمة لاستكمال تطبيق صفقة القرن في خطوتها الثالثة بإعلان نيته في ضم أرض الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية والحفاظ على المستوطنات الإسرائيلية، وبذلك لم يتبق من إكمال صفقة القرن إلا قطاع غزة وتهجير سكان القطاع إلى أطراف سيناء.
الإستراتيجية الأميركية الجديدة بالاشتراك مع عرب الخليج في المنطقة أضحت واضحة، وهي إما تضييق الخناق على قوى محور المقاومة في المنطقة تمهيداً للقبول بصفقة القرن، وإما العقوبات الاقتصادية القاسية التي ستطال رؤساء ووزراء ونواب يؤيدون محور المقاومة ولم يسبق أن طالتهم العقوبات الأميركية من قبل.
وإذا كانت الإستراتيجية الأميركية باتت واضحة، فما إستراتيجية روسيا في المنطقة بعد تقديم الهدايا القيمة لنتنياهو؟
لسنا هنا في وارد الدخول في حفلة العتب على روسيا الحليفة على تقديم هداياها لنتنياهو، مع أنها كانت بالنسبة لنا بطعم العلقم، لكن من السذاجة احتساب روسيا في عداد محور المقاومة، لأن روسيا دولة محورية حليفة موثوقة وداعمة لسورية في حربها الضروس على الإرهاب، ولا ننكر الجميل الروسي في مجلس الأمن الداعم لسورية وتقديمها الدعم السياسي والعسكري للجمهورية العربية السورية وأن روسيا لم تزل الداعمة للحق الفلسطيني، لكن روسيا أيضاً دولة تبحث عن مصالحها في النظام الإقليمي الجديد.
العارفون بالعقل الروسي يؤكدون أن روسيا ليست جمعية خيرية، وهي لم تهدِ نتنياهو من دون مقابل، وعند سؤالنا عن المقابل المنتظر من نتنياهو جاء الجواب انتظروا بعد الانتخابات الإسرائيلية لأن نتنياهو بعد الانتخابات ليس كما قبلها.
وبانتظار نتنياهو في نسخته الجديدة بعد الانتخابات تبقى الأنظار شاخصة تترقب تفعيل إستراتيجية محور المقاومة.