قراءة في تاريخ التدخل الأمريكي في الصراع العربي الاسرائيلي (2).. بقلم: د.خلود أديب

قراءة في تاريخ التدخل الأمريكي في الصراع العربي الاسرائيلي (2).. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ أبريل ٢٠١٩

استمر الدعم الأمريكي لإسرائيل على مدى سنوات مختلفة ومنذ انشائها عام 1948. وبالمجمل يمكن القول أن الادارة الأمريكية اتسمت في عهد الجمهوريين في إدارتي بوش الأب وبوش الابن بالتدخل العسكري بينما اتسمت بالتدخل الدبلوماسي في عهد الديمقراطيين في إدارتي كلينتون وأوباما. 
إبان حرب تشرين 1973، دخلت الولايات المتحدة الأمريكية كطرف أساسي في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل كراعٍ للسلام في المنطقة. إلا أن الصراعات العراقية - الأمريكية في جزء منها كانت بسبب الرغبة الأمريكية في الحفاظ على التفوق الإسرائيلي على جميع الدول العربية وللمحافظة على إمدادات وأسعار نفط مستقرة  من منطقة الخليج العربي.   
وأيد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إسرائيل بقوةٍ وقدم لها جسراً جوياً إثر حرب تشرين التي قامت بها سورية ومصر لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل، فقامت الدول العربية برفض بيع النفط الخام إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ مما أدى إلى أزمة النفط عام 1973، وهو ما تسبب بنقص في البنزين وتقنين في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عام 1973، وانتهت في نهاية المطاف الدول المنتجة للنفط بتصديره للولايات المتحدة مع شرط استمرار السلام في الشرق الأوسط. كما  زار نيكسون إسرائيل في شهر حزيران 1974 وأعاد العلاقات الدبلوماسية مع مصر .وعلى الرغم من أنه أنقذ اسرائيل من الانهيار في حرب تشرين إلا أن مراسلي جريدة واشنطن بوست اليهودية: روبرت وودود وكارل برنشتاين ومصادرهم في البيت الأبيض قاما بذبح نيسكون (بإجباره على الاستقالة) لمنعه من فرض تسوية شرق أوسطية تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وذلك عبر تضخيم تداعيات فضيحة ووترغيت. وعندما أدرك نيكسون أن سقوطه مرتبط باليهود أو الموظفين المؤيدين لهم الذين يسعون لتعطيل خططه للسلام في الشرق الأوسط، طلب من كيسنجر - وزير خارجيته حينئذ – في آخر أمر له قبل الاستقالة بالعمل على وقف المساعدات تماماً عن اسرائيل (كما يقول كيسنجر في مذكراته). 
وعندما أعلن السادات عن استعداده لتحقيق السلام على أساس قرار مجلس الأمن رقم 242، ورفض المتشددون الاسرائيليون ذلك، دعا الرئيس جيرالد فورد في عام 1975 الكونغرس إلى اتخاذ قرار بتجميد المعونات المالية لإسرائيل توطئةً لتقييم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وادعى دبلوماسي اسرائيلي بأن خسارة الرئيس فورد في انتخابات الرئاسة سنة 1976 تعود إلى محاولته إعادة التقييم تلك وأضاف: "فعندما ضغط (علينا) لإعطاء تنازلات للعرب لم يغفر اليهود (في أمريكا) له ذلك.
ارتبطت فترة ولاية الرئيس الأربعون للولايات المتحدة الأمريكية, رونالد ريغان بالعديد من المتغيرات فى الصراع العربى الإسرائيلى حيث وضع إستراتيجيته منذ اليوم الأول لتوليه السلطة عام 1981، لدعم اسرائيل بلا حدود. حيث اعتبر منظمة التحرير اللبنانية منظمة إرهابيه وعمل على إخراجها من بيروت. وأوقف مشروع قرار لفرنسا تطالب به إسرائيل بالخروج من لبنان فى مجلس الأمن .
غطت السياسة الخارجية فى عهد بوش الأب العمليات العسكرية في الخليج العربي. فأمر في عام 1990 بحشد القوات في السعودية بعد حدوث الأزمة بين الكويت والعراق التى أدت إلى غزو الكويت من قبل العراق وقام بشن عمليات عسكرية على الجيش العراقي في الكويت وذلك لرغبته فى : منع العراق من أن تكون قوة اقليمية والرغبة في التواجد العسكري في الشرق الأوسط  وللسيطرة على النفط في المنطقة العربية وتدفقه بأسعارٍ معقولةٍ ومحدودةٍ.
 لذلك، كانت سياسة بوش الأب بمثابة نقطة التحول فى منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع والتى خلفت العديد من الكوارث فى الدول العربية, فقد أرسى دعائم حرب العراق, ثم أكملها بعد ذلك بوش الإبن ولا ننسى خطابه أمام الكونجرس حينما قال أن "الأزمة المشتعلة فى الخليج الفارسى تلوح لنا بأن نبدأ فى نظامنا العالمى الجديد".
يعد الرئيس بيل كلينتون أكثر الرؤساء الأمريكيين الذين أعطوا جهداً واهتماماً واضحاً لعملية التسوية السلمية في منطقة الشرق الأوسط وإذا كان هناك تحيز من جانبه لإسرائيل وهذا امتداد طبيعي للسياسة الخارجية الأمريكية, إلا أن هذا لا يمنع من أن فترة ولايته تضمنت بعض الايجابيات ومنها  اعتراف اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن كانت ترفض الاعتراف بوجود فلسطين بالأساس. أيضاً يمكن الإشارة إلى ما حدث في كامب ديفيد الثانية من مناقشة لموضوعات القدس واللاجئين ورغم فشل القمة فإنها كانت المرة الأولى التي تعترف فيها اسرائيل بقضية القدس وحق العودة بالنسبة للاجئين. وكما أن هناك نقاطاً ايجابيةً فيما يتعلق بعملية التسوية من جانب الرئيس كلينتون هناك كذلك جوانب سلبية تفوق الايجابية أهميةً وتسترعي الانتباه  مثل استمرار الموقف الأمريكي الخاص بدعم التفوق الاستراتيجي الاسرائيلي في المنطقة, وإصرار الادارة الأمريكية في عهده على فرض عقوبات الحصار على عدد من الدول العربية مثل العراق والسودان. كما كان  الرئيس الأمريكي الأول الذي حشد في إدارته  أكبر عدد من اليهود الصهاينة وقام بدور المحامي العنيد لإسرائيل - لا الوسيط النزيه - في مفاوضات كامب ديفيد حيث قاد حملة إعلامية شرسة لتقريع ياسر عرفات لرفضه :العرض الخرافي والسخي" غير المكتوب والذي قدمه باراك حينها. 
أما بالنسبة إلى دوره في المفاوضات على الجبهة السورية، اصطدم كلينتون بتمسك الرئيس حافظ الأسد بالانسحاب الكامل من الجولان حتى خط الرابع من حزيران مقابل السلام مع اسرائيل. ثم باءت جهوده الأخيرة بالفشل الذريع في 26 آذار 2000 في جنيف عندما فشل في إقناع الرئيس الأسد بقبول الخريطة التي وضع عليها تعديلات لحدود 1967 الذي فضل الانتظار لاستعادة الجولان (كتابه "حياتي"). 
 ودعا جورج بوش الابن الكونجرس ومجلس الأمن للاهتمام بقضية العراق باعتبارها سبب لوجود الإرهاب فى العالم  وأنها متحالفة مع العديد من الإرهابيين ولامتلاكها لأسلحة الدمار الشامل. ودعا الأمم المتحدة ومجلس الأمن للوقوف بجانبه وانضمت اليه معظم الدول الكبرى وعلى رأسها المملكة المتحدة. بدأت الحرب فى 20 مارس 2003 بحجة تخليص العراق من اسلحة الدمار الشامل والتى ثبت بطلانها من قبل مجموعة التفتيش التى أرسلتها الأمم المتحدة .
لقد دمر بوش العراق من أجل إسرائيل ومن أجل نظامها المعادي لإسرائيل.
 حدد الرئيس باراك أوباما سياسته الجديدة في الشرق الأوسط  في 2013 المتمثلة بالعناوين التالية: التفاوض مع ايران بشأن برنامجها النووي، والعمل على وقف الصراع في سوريا، وضمان إمدادات النفط، واتفاق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. أظهرت سياسته تلك بأن أمريكا تخلت عن عقيدتها التي تقوم على أساس"من ليس معنا فهو ضدنا"، وتتّجه للعب دور "المايسترو" المنسّق بين القوى المختلفة في الشرق الأوسط، 
وعد الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بالتعاون مع روسيا في حل القضايا الدولية ومحاربة الارهاب في سوريا. وما كانت مثل هذه المراجعة في الإستراتيجية لتتم، لولا حصول قناعة داخل صناع القرار في الإدارة الأمريكية أن عصر الهيمنة الأحادية ودور شرطي العالم قد انتهى، وأن على أمريكا إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وضعها السياسي والإقتصادي المتأزم من خلال الشراكة مع الروسي والتركيز على المصالح بدل الإديولوجيا. وهو ما أكده  بريجنسكي بإعلانه: أن “حقبة هيمنة أمريكا على العالم قد انتهت". 
إلا  أن ذلك لم يمنعه لاحقاً من محاولة إحياء الهيمنة الأمريكية على العالم الذي بدأت تفقد استقرارها في عهد باراك أوباما. وهكذا أصبحت تصريحاته هباءً منثوراً ما أن استلم مفاتيح البيت الأبيض. فسارع إلى اظهار دعمه غير المشروط لإسرائيل واستهل ذلك بإعلانه نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس وألحقه بإعلانه سيادة اسرائيل على الجولان السوري. 
من الواضح أن ترامب - وحتى هذه الساعة - ينطلق من استراتيجية تتعهد بحماية الكيان الصهيوني ودعمه بما يحقق أمن اسرائيل وإضعاف دول المواجهة وعلى رأسها سورية.
استناداً إلى قراءة المكونات أعلاه، وتتبع تجليات السلوك الأمريكي في  المنطقة  على مدى عقود في سياق الحماية الأمريكية، والتزامها المطلق والثابت بمنع ما يوصف بـ "التهديد لأمن إسرائيل" تحرص الولايات المتحدة على مجابهة أي طرف يعلن العداء للدولة "الإسرائيلية" أو يقاوم عدوانها.  ويلخص مالكوم كير جملة مبادىء تشكل الثقافة السياسية الأمريكية تجاه إسرائيل (فضلاً عن البعد الثقافي/الديني)، وهي: - إن إسرائيل ليست هدفاً لتعهد أمريكي قائم بذاته، بل هي أيضاً مصدر قوةٍ ونفعٍ لأمريكا في المجالات العسكرية والسياسية والخلقية، – إن موضوع التطلعات الوطنية الفلسطينية يجب أن يوضع جانباً عند صوغ أية تسوية للمشكلة العربية- الإسرائيلية، لأن هذه التطلعات تغذى بصورة مصطنعة وخبيثة، - إن الموضوع الرئيسي هو الرفض العربي لقبول وجود إسرائيل، ويعود ذلك إلى تعقيدات نفسية خاصة بالعرب وحدهم، – ليس الحل أمراً أساسياً على أي حال، لأنه ينقص العرب الاهتمام والقدرة والإرادة على فعل الكثير من أجل التسوية.  
في الحقيقة إن استعراض السرد التاريخي للتدخل الأمريكي في المنطقة يبين أن هذه الثقافة تميز السياسة الأمريكية بشكل عام مهما تباينت - بهامشٍ يضيق حتى الاضمحلال في كثير من الأحيان - بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي.