قدسية الرسالة الإعلامية...بقلم: سامر يحيى

قدسية الرسالة الإعلامية...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ٨ مايو ٢٠١٩

في العام 1938 نقلت إذاعةCBS  الأمريكية مقتطفات من مسرحية مقتبسة عن رواية "حرب العوالم" لهربرت جورج ويلز، تتحدّث فيها عن غزو مركّبة فضائية لجزءٍ من منطقة أمريكية، لكن المفاجأة أن مليون من أصل ستة مليون شخص قد تأثروا بالخبر على أنّه حقيقة، وبدأوا بالبحث عن التدابير للنجاة من هذه الكارثة.
ذلك يدعو للتفكير ملياً والدراسة الجديّة لإيلاء وسائل الإعلام الأهمية القصوى بعيداً عن القرارات الارتجالية التي ظاهرها "ضغط النفقات ومنع الهدر والتحديث....."  وغيرها من الحجج المدمّرة بمبرّرات معسولة، وبذل كل الإمكانيات والقدرات ومضاعفة الجهود من أجل تقديم رسالةٍ ومادّة إعلامية فاعلة، لأنّها وسيلة وغاية بآنٍ معاً، وسلاح فعّال سواء بتشويه صورة أو تلميعها، بإثارة العنف والغرائز والطائفية والحقد والكراهية، أو تعزيز الولاء والانتماء واستنهاض الجهود، توسيع الفجوة بين المواطن ومؤسساته، أو جعل المواطن عوناً وسنداً لمؤسساته طالما الكل في خدمة الوطن والوطن لخدمة أبنائه، والتنبّه لسوء استخدام الرسالة الإعلامية التي للأسف حتى من يدعي الثقافة والاطلاع يقع في فخّ تضليل وسائل الإعلام أو خبرٍ ما ينقله شخصٌ قد يثق به، لا سيّما مع انتشار وتعدد وسائل نقل المعلومة التي يبثّها شخصٌ ويتناولها الكثير على أنّها حقيقة وصادرة عن جهةٍ معينّة، دون أدنى تفكيرٍ بمصدرها أو جديّتها، وساعد على ذلك وجود جزء من هذه الشائعة أو الخبر على أرض الواقع، فيصبح جزء الجزء معمّماً على الكل، ونحصد ثماراً سلبية مهما كان أداء المؤسسة إيجابي، فالدور المنوط الآن بالقائمين بالعمل المؤسساتي دون استثناء، التفاعل والتعاون مع المسؤولة عن بناء الإنسان، الاهتمام بالوسائل الإعلامية المتاحة بهدف العمل على توضيح الصورة الحقيقية الجدية، وإعمال التفكير المجتمعي، ولدينا الكثير من المنابر ذات التأثير المهم والفعّال، فإلى جانب وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة والالكترونية، يجب ألا نتجاهل أن كل موظّف هو صوت إعلامي لمؤسسته، كما أن المدارس والجامعات لديها رسالة إعلامية توعوية، وخطب الجمعة وعظات الأحد، ولا نبخس دور المسلسلات والأفلام الوثائقية والمنوّعة، وهذا يتطلّب تفعيل فريق عملٍ يكون كل فردٍ من أركانه جزءاً أساسياً لا يتجزأ عن الفريق، ولا تقلّ أهمية شخصٍ عن آخر فيه، بعيداً عن العمل الفردي والشخصانية، لأنّه الطريق الأسلم لتعزيز التنشئة السليمة وبث الوعي لدى أبناء المجتمع، فالحرية والتحرّر والتخلّص من الرقيب، لا تعني أبداً التخلّي عن اللغة العربية كلغةٍ رسمية يجب النطق بها، لأّنها تخاطب كافةّ أبناء الوطن وعلى امتداد الكرة الأرضية، ولا تعني مخاطبة الجمهور والتقرّب ببرامج ترفيهية أياً كانت مسابقات أو ابتسامة أو ما شابه بلا مغزى ولا رسالة هادفة، ولا تعني الرقابة والمتابعة الجدية وضع القيود وحجز الحريّة، على العكس تماماً، الحرية الوطنية هي العمل بكل الوسائل الممكنة لاستقطاب الجمهور وتعزيز الولاء الوطني والانتماء المؤسساتي، وبث المعارف والمعلومة الحقيقية المبنية على المصداقية، بهدف خلقٍ جيلٍ وبيئةٍ واعيةٍ مثقّفةٍ بعيداً عن النمطية والقسرية أو اللا هوية.
الكل يدرك بلا استثناء الحصار المفروض على سوريتنا من كل النواحي، وغالبيتنا يدرك أن الكيان الصهيوني عبارةٍ عن فيروسٍ زرع في الجسد العربي لتفتيته وتدميره ومنع أسباب قوّته ومنها خَلْق أعداء لنا من أنفسنا، وبث سموماً فكرية، كتهرّب الشخص وعدم القيام بمسؤولياته وواجباته وتحميلها للآخر، واعتبار كل من الوطن والمواطن والمؤسسات الوطنية، جزء تتناقض مصالحه مع الآخر، وهذا يرتّب مسؤولية كبيرة على المؤسسات الوطنية، بالقيام بالإدارة السلمية لموارد الوطن، واستثمار العنصر البشري باعتباره الحجر الأساس، وكرامة الوطن من كرامة المواطن وكرامة المواطن من كرامة الوطن، مما يتطلّب استثماراً متخصّصاً لينهض بقوّة وحنكة، كل حسب دوره وإمكانياته ومكان تواجده، للوصول للتنشئة السليمة والوعي الوطني ومضاعفة الجهود لزيادة عملية الإنتاج التي ستنعكس تلقائياً لصالح المواطن، فزيادة الرواتب يتم صرفها من الوفر الذي تحققه المؤسسات، فعندما يتوفّر هذا الوفر لدى المؤسسات تلقائياً ستزداد المرتّبات وتنعكس على كافّة أبناء المجتمع، وبالتالي يجب أن يشعر العامل أنّ اتقان عمله والقيام بواجباته جزءٌ أساسٌ في زيادة عجلة الإنتاج وبالتالي تحقيق الوفر الذي يؤدي لزيادة الرواتب ونيله حقّه وتحسين كافّة مناحي الحياة.
كل سوريٍ لديه ثقة وإيمان بأنّنا نملك من القدرات والإمكانيات للوقوف بوجه أعتى محاولات التمزيق والتفتيت والحصار والإرهاب، وقد أثبتت السنوات لا سيّما الأخيرة ذلك، ونلحظ ذلك عندما يزور مسؤول ما مؤسسةٍ أو قريةٍ أو منطقةٍ نراها تحوّلت لجنّة عدنٍ، وهذا يؤكد أن لدينا القدرة، ولكن نحتاج للتفاعل واستثمار الجهود واستنهاض الضمير الوطني، لدى جميع أبناء الوطن، لاستمرارية العطاء الذي يؤدي لاستدامة العملية الإنتاجية والعائدية البنّاءة.
وبدلاً من رمي التهم على الموظّف استنهاض همّته ليقوم بدوره، وبدلاً من اتهامنا بالتقصير بملفٍ ما أن يبدأ كل منا بالعمل ضمن إمكانياته لتفعيل ذلك الملف، وبدلاً من نقاشات وحوارات خلافية ومنشورات تلوم المجتمع على تقصيره بموضوع ما مثلاً "القراءة" نضع ملخّصاً لكتابٍ قرأه مع عنوانه ما يبدأ كل منا بنفسه ويشجع الآخرين على الاستزادة وتشجيع القراءة باللاوعي، إلى ما هنالك كلٌ ضمن تخصصّه وقدرته ورؤيته، وبالتالي تتفرّغ المؤسسات المتخصصة بالمتابعة بما يؤدي للتقييم والتقويم السليم، وبالتالي نسلك جميعاً الطريق القويم، ونصحح المفاهيم الخاطئة، ونزرع الأمل الحقيقي المبني على العمل بقليل من الحكمة والحنكة ونعزّز الانتماء الوطني بإدراكٍ وإيمانٍ لا شكّ فيه أن المؤسسة والوطن والمواطن كلاً متكاملاً لا يمكن لأحدٍ زعزعة الثقة بالآخر أو تشويهه.
 
إن السياسة الخارجية السورية، وقوى الجيش العربي السوري أثبتت صوابية مواقفها وقدرتها على الوقوف بوجه أعتى أدوات الإرهاب العالمية المادية والإعلامية، لأنّها تنطلق من قاعدةٍ شعبية صامدةٍ متينة ومتماسكة، مما يتطلب من المؤسسات الوطنية الأخرى استنهاض جهودها للمشاركة في عملية التنشئة والوعي والعمل بكل المجالات ليكون الكل يداً واحدةً في تشخيص الداء وتناول الدواء والبدء بالإنتاج والعطاء، استناداً لتوجيهات قائد الوطن، ووفاءً لدماء شهدائه وعرق عمّاله.