المواجهة الأمريكية ـ الايرانية إلى أين؟.. بقلم: سركيس أبوزيد

المواجهة الأمريكية ـ الايرانية إلى أين؟.. بقلم: سركيس أبوزيد

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ مايو ٢٠١٩

وصلت سياسة التضييق الأميركي على إيران الآن الى نقطة الذروة ولم يعد الأمر مجرد عقوبات مالية، وإنما وصلت الى محاولة خنق الاقتصاد الإيراني، مع الدخول في عملية “تصفير” صادرات إيران النفطية.
واضح أن واشنطن ماضية قدما في محاصرة إيران وشد الخناق عليھا، وبعد تصنيف الحرس الثوري منظمة إرھابية يأتي وقف صادرات النفط، وواضح أيضاً أن ترامب بات مقتنعا أن سياسته الھجومية الضاغطة والحرب الاقتصادية على إيران بدأت تؤتي ثمارھا وستدفع بھا يوما للعودة الى طاولة التفاوض على إتفاق جديد. وما يفعله ترامب ھو محاولة إخضاع إيران لإجبارھا على القبول بحوار جديد وإتفاق جديد تطبق فيه الشروط الـ 12 التي أعلنھا وزير الخارجية مايك بومبيو. كما أن إدارة ترامب لجأت الى محاصرة الحرس الثوري الإيراني ماليا لسببين أساسيين:
ـ الأول: يتصل بالحرب الاقتصادية التي تشنھا واشنطن على طھران كبديل عن الحرب العسكرية، وتريدھا حربا شاملة، لذلك فرضت عقوبات مالية على الحرس الثوري الذي يشكل “قوة اقتصادية” ھائلة في إيران، عن طريق العديد من المؤسسات والصناديق الخيرية والشركات التي تعمل في مختلف المجالات. إضافة الى قوته الأمنية والعسكرية.
ـ الثاني: يتصل بالخطة الإسرائيلية الأميركية الھادفة الى إضعاف إيران إقليميا ووقف تمددھا في كل أرجاء المنطقة لأنھا تشكل العقبة الرئيسية والكبرى في وجه المشاريع الأميركية، بما في ذلك مشروع ما سُمّي “صفقة القرن”.
إيران تشعر بغضب شديد ترجمته في رفع درجة ومستوى تھديداتھا. فالحرس الثوري أوصى ترامب بإبعاد سفنه الحربية عن الزوارق الإيرانية، والرئيس روحاني لوّح بإعادة إنتاج أجھزة طرد مركزي متطورة، والمتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية يوضح أن تصنيف إيران للقوات الأميركية في المنطقة بأنھا إرھابية يعني أن مواجھة إيران مع الإرھابيين تشمل ھذه القوات، في نفس الوقت زاد وزير الخارجية محمد جواد ظريف من إشاراته الإنتقادية بشأن الإجراءات الأوروبية التي اعتبرھا غير كافية ولا تعكس إستعدادا لدفع ثمن في مجال استراتيجي (الإتفاق النووي)، مشيرا إلى تراجع السياسة الخارجية مع الدول الأوروبية وتوجه االرئيس روحاني لوضع أساس مستقبل الخارجية الإيرانية في اتجاه إقامة علاقات مع شركاء بلاده القدماء مثل روسيا والصين وتركيا والعراق، أي التوجه نحو الشرق بدلا من التقارب من الدول الأوروبية، وذلك بھدف ضمان علاقات استراتيجية تمنح إيران دعما في مواجھة الولايات المتحدة في مجلس الأمن باعتبار العضوية الدائمة لكل من الصين وروسيا.
في الواقع، لائحة الرد الإيراني على الحصار الأميركي تتضمن خيارات واحتمالات عدة، وهي تواصل التلويح باستخدام أوراق في يدھا للرد على العقوبات الأميركية، وقد صدرت مواقف من طھران رافضة للإنصياع للشروط الأميركية، وللتفاوض في ظل الضغوط والظروف الراھنة لأنه سيكون بمثابة “إستسلام”، وارتفعت أصوات التھديد بضرورة الرد الاستراتيجي على القرار الأميركي بإغلاق مضيق ھرمز وضرب المصالح الأميركية في الخليج والقوات الأميركية في العراق . الرد الأمريكي جاء سريعا بتعزيز قواتھا العسكرية في البحر المتوسط ونشر حاملة طائرات وقاذفات قنابل في بحر الخليج، ونشر قطع بحرية أميركية لحماية الملاحة في مضيق ھرمز وباب المندب. وأرادت واشنطن من كل ذلك إرسال رسالة سياسية عسكرية الى طھران أن الھجوم على مصالح الولايات المتحدة أو على مصالح حلفائھا سيُقابل بقوة.
إيران التي تقلل من شأن التھديدات الأميركية أو لا تأخذھا على مجمل الجد، بالقول إن إرسال حاملة طائرات وقاذفات أمر إستعراضي ويأتي في إطار حرب نفسية، وقد تحولت إيران الآن الى مستوى آخر من الرد، المستوى السياسي، مع إعلان وزارة الخارجية فيھا أنھا ستوقف جزءا من الإلتزامات في الإتفاق النووي، وأن الرئيس روحاني بعث رسالة الى الأطراف المتبقية في الإتفاق، حيث كتب رسائل الى الدول الموقّعة على الإتفاق النووي لإبلاغھا بأن طھران ستبدأ التراجع عن بعض إلتزاماتھا وذلك بالتوقف عن بيع اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة لدول أخرى، وأنھا ستستأنف في غضون 60 يوما تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية إذا لم تفِ الدول المتبقية في الإتفاق بتعھداتھا بحماية القطاعين النفطي والمصرفي في إيران من العقوبات الأميركية.
يشكل ھذا الموقف الإيراني أول رد عملي على الھجوم الأميركي المتواصل منذ الإنسحاب من الإتفاق النووي، فإيران نجحت عبر ھذا الموقف في إحداث بلبلة دولية وحالة إرتباك في المواقف وردود الفعل: “إسرائيل” ھددت بأنھا لن تسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية والحصول عليھا، الصين دعت كل الأطراف الى ضبط النفس والتزام تطبيق الإتفاق النووي، روسيا تجنبت إدانة الحكومة الإيرانية وفضّلت تحميل واشنطن المسؤولية عن تصرفات طھران بسبب “القرار الأميركي المتھوّر بالإنسحاب من الإتفاق قبل عام. ودعت الأوروبيين الى القيام بخطوات ملموسة من خلال مواجھة العقوبات الأميركية. أما الأوروبيون، فإنھم انتقدوا الخطوة الإيرانية غير المرحب بھا، وأظھروا قلقھم من قرار إيران تجميد أجزاء من الإتفاق النووي، ولوّحوا بإعادة العقوبات.
يعتبر محللون سياسيون أن الإيرانيين امام خيارين: إما المواجھة، وإما الجلوس على طاولة المفاوضات، و خيار ثالث ھو “الإنتظار الى حين رحيل ترامب” أو “الرھان على تناقضات أميركية داخلية”، فالأنظار تتجه الآن الى رد فعل إيران، وكيف ستتصرف؟ خصوصا وأن الرئيس ترامب لا يفسح في المجال عبر قراراته المتشددة والمتلاحقة، أمام إيران في أن تطبق إستراتيجية الإنتظار، أي انتظار رحيله عن البيت الأبيض، فهذه الاستراتيجية لم تعد متاحة كما في السابق لسببين على الأقل:
أولا، الحصار الأميركي المشدد على إيران لا يتيح لھا إنتظارا لعامين في ظل الوضع الاقتصادي “المأزوم”.
وثانيا، فرص ترامب بالفوز والبقاء في البيت الأبيض مرتفعة.
القرارات الأميركية المتسرعة تفتح الباب أمام الكثير من الإحتمالات، بما فيھا إحتمال التصعيد العسكري، وإن كانت التقديرات ترجح استبعاد مواجھة عسكرية مباشرة بين القوات الإيرانية والأميركية، وأن تأخذ ھذه المواجھة أشكالا أخرى أمنية واقتصادية. والمرحلة القادمة تحمل الكثير من الترقب. وايران جاهزة لكل الاحتمالات.
العهد