بين صواريخ «إسرائيل» وصواريخ الإرهابيين.. لعنة الحرب بالوكالة

بين صواريخ «إسرائيل» وصواريخ الإرهابيين.. لعنة الحرب بالوكالة

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ مايو ٢٠١٩

الرئيس الأميركي دونالد ترامب أَخبرَ وزيرَ دفاعهِ بالوكالةِ إنه لا يريدُ الحربَ مع إيران، وهل كانَ يظُننا صدقناهُ بأنه سيحارب؟
حتى الآن يبدو الحديث عن تبريدِ الرؤوس الحامية في هذا العالمِ المتشابك والمتصارع على ساحاتِ هذا الشرق البائِس سابقاً لأوانهِ، ولعل خيرَ من استطاعَ توصيفَ الحالة بدقةٍ هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أكدَ بأن الروس قد لا يستطيعون فعلَ شيء إن وصلوا متأخرين، مؤكداً ولو ضمنياً ما قلناه في الأسبوع الماضي بأن تهديد إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي خطأ، لأن الاتفاق ليس مع الولايات المتحدة فحسب لكنهُ مع المنظومة الدولية وإلغاؤه يكون عبر قرار من مجلس الأمن لا أكثر.
كلام بوتين جاءَ كمن يحذر من الإفراطِ في الزغاريد لتجنب الصدمة من اكتشافِ الحمل الكاذب، لكن المرحلة وإن كان حملها كاذباً بالكثير من التوقعات إلا بجنينٍ واحد، وإن كان هذا الجنين مسخاً لكنه يملك بطاقةَ تعريف: الحرب بالوكالة.
القضية ليست فقط بالتفجيرات الغامضة التي طالت ناقلاتٍ للنفط على السواحل الإماراتية، ماذا عن استهداف خط إمداد النفط في العمق السعودي؟ هل حقاً أن من تحاربهم السعودية في اليمن تمكنوا من هذا الاستهداف؟ هل حقاً أن «إسرائيل» ستزول في نصف ساعة فيما العرب يخشونها منذ ما يقارب القرن! هل حقاً أن السعودية ستمحو إيران بساعاتٍ فيما هي تحارب أطفال اليمن وتقتلهم منذ أربع سنوات!؟ تصريحات تجعلك تقدِّس من يظنونَ أنهم يمتلكون زر الانفجار في هذا الشرق البائس، ليس لصراخِهم العالي لكن لروعةِ تقديسهم للوقت، طوبى لكم فالانتصارات باتت لديكم تُقاس بالساعات ولا ندري ربما في الأسبوع القادم تصبح الانتصارات تُعايَر بميزان الدقائق، وحتى يحين موعد تلك «الدقائقَ والساعات» فإننا كسوريين المعنيين بحقيقة الألم نعود إلى الأرض السورية التي عادت من جديدٍ لتكون المنطقة الأكثرَ قابلية لتبادل الرسائل في سياقِ حروب الوكالة فما الجديد؟
في الوقتِ الذي كان فيهِ مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري يُلقي بصواريخهِ الدبلوماسية في اجتماعِ مجلس الأمن لمناقشةِ الوضع في إدلب، كان هناك من يُجَهّز ساحةَ صواريخٍ جديدة تستهدف سورية لتحصدَ أرواح المدنيين في ريف اللاذقية، فيبصمَ العدو الصهيوني على أمسياتِ الصواريخ كما جرت العادة باستهدافه لنقاطٍ وأهداف في ريفي دمشق والقنيطرة.
لم يعد تزامن العدوان بين الصواريخ الإسرائيلية وصواريخَ العصابات الإرهابية حدثاً عابراً، بل إن تكراره عملياً يطرح الكثير من التساؤلات جوهرها الأساس ما الهدف؟
لم تَشذ التبريرات الإسرائيلية لهذه الاعتداءات عن فرضيةِ استهدافِ مواقعَ للقواتِ الإيرانية أو لما يسمونهُ «الميليشيا التابعة لها»، هذه الذريعة باتت مكررة، هي وإن كانت تلقى صدى إعلامياً حتى في الصحف الناطقة بالعربية لتضعها كمانشيت عريض يُظهر للرأي العام حجمَ الخدمات التي يقدمها الإسرائيلي للشعوب العربية في وقف المد الإيراني، لكنها بذاتِ الوقت أشبهَ بمن يكذب الكذبة ويصدقها، فلا حجم وعدد الصواريخ قادر أن يدمِّر مركزاً كما يدَّعون ولا القدرات التكنولوجية للصواريخ استطاعت حتى الآن تجاوز الدفاعات الجوية السورية إلا ما قد ندر، من هنا تبدو هذه الاستهدافات كنوعٍ من الحرب الإعلامية يستفيد منها الصهيوني باتجاهين:
الاتجاه الأول هو تعويم فرضيةَ الوجود الإيراني في سورية وما يعنيهِ من صدى في هذا الوقت تحديداً مع ارتفاع درجةِ غليان المنطقة، هذه الذريعة بالمناسبة لن تزولَ ليس فقط بانسحابِ المستشارين العسكريين الإيرانيين من سورية، لكنها لن تزول حتى لو تم قطع العلاقات بين سورية وإيران، ربما هذا التوضيح يبدو مفيداً لبعض الأصوات التي تتساءل: لماذا لا نقوم بسحبِ الذريعة من «إسرائيل»! ويتجاهل مطلقو هذه التحليلات أنهم يعطون لإسرائيل وبطريقةٍ غير مباشرة مشروعية لما تقوم به.
الاتجاه الثاني هو تثبيت فرضية إنه يحق لإسرائيل مالا يحق لغيرها لا أكثر ولا أقل وبمعنى آخر:
عسكرياً لا معنى بمفهوم الانتصار لكل ما تقوم بهِ «إسرائيل»، أما الحديث عن السيادة وغيرها فهذا الكلام مرتبط بعقلية من يحلل ليجيب عن سؤال جوهري: هل نحن في حالةِ حرب أم في حالةِ خلافٍ حدودي؟!
في سياقٍ آخر يبدو إصرار الجماعاتِ الإرهابية على استخدامِ سلاح الطائرات من دونِ طيار لاستهدافِ قاعدة حميم حدَثاً خارجاً عن قدراتهم، وبمعنى آخر: في كلِّ مرةٍ يتمُّ فيها هذا الاستهداف ويفشل أو بالحد الأدنى يخطئ الهدف ويصيب منازل المدنيين والآمنين كما حدث صباح الأمس في ريف جبلة، يكون التساؤل المنطقي عن قدرةِ تلك الجماعات وحيدةً على شنِّ تلك الهجمات، القضية هنا لا تتعلق فقط بآلية وصول هذه التقنيات والتحكم بها، القضية هنا تتعلق أساساً بقرار الهجمات والمستفيد الحقيقي منها والذي قد يطرح أمامنا أكثر من افتراض:
هل إن لإسرائيل مصلحةً بهكذا استهدافٍ؟ القضية قد تكون طُعماً جوياً يُجبر الجانب الروسي في حال الخطورةِ المفاجئة على استعمالِ ما يملكه من أنظمةٍ مضادة وهو ما تبحث عنه إسرائيل بإصرار؟ احتمالٌ وارد لكنهُ يبقى أضعف إن ما فكرنا بالاحتمال الآخر وهو المبني على فرضيةِ أن النظام التركي اعتادَ على فكرةِ الانقلاب يميناً ويساراً، ومع ارتفاع حدة المعارك في ريفي إدلب وحماه فإنه وكما جرت العادة مع كل حدثٍ موازٍ فإن الهدف هو استهداف قاعدة حميميم الجوية، فهل من عاقلٍ يظن أن هذا الاستهداف من بناتِ أفكار الإرهابيين؟
كذبةٌ حانَ الوقت لتعريتها، بل حانَ الوقت ليفهمها من يَظنونَ أن خنجرَ الغدر العثماني قادر على الطعنِ بسورية فحسب، فالنظام التركي لا يمكن لهُ أن يرفع رايةَ الاستسلام بهذهِ السهولة، هو لا يريد فقط توجيهَ رسالةٍ لمن يريد بأنه صاحب اليد الطولى في مصيرِ الجماعات الإرهابية في إدلب، لكنه بذات الوقت يريد أن يضعَ الحلف الآخر أمامَ معادلةٍ جديدة:
فكروا بقدراتِ تلك الجماعات المسلحة عندما لا يكون هناكَ من يستطيع أن يمون عليها، فماذا ينتظرنا؟
عاد الحديث عن الهدنة المحتملة في سورية، لكن حتى ساعة كتابة هذا المقال لم يكن هناكَ بعد إقرار فعلي بشكلِ هذه الهدنة وما يترتب عليها، هل هي فعلياً فرصة لالتقاط الأنفاس أم تجسيداً لتفاهماتٍ تفضي بتعميق سياسة قضم المناطق بالتدريج قبل العودة لتفاهم المناطق الآمنة؟
ربما كل الاحتمالات لا تزال قائمة، لكن تصريحات قادة المجموعات الإرهابية تشي بغير ذلك، تحديداً عند حديثهم عن رفضِ الهدنة ما لم تنسحب قوات الجيش العربي السوري من المناطق التي حرروها، ربما هو أسلوبٌ جديد يشبه أسلوب الطائرات من دون طيار، فهل سينجح التركي في فرضهِ أم إنه عملياً يعي أن لا مفر من تطبيق الالتزامات؟
ربما هي كذلك فمن ينتظر حرباً إيرانية- أميركية ليبني عليها حساباتهِ الجديدة يبدو إنه سينتظر كثيراً، ومن لا يصدق لير مصير ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» التي تحصد الاغتيالات والتفجيرات المنتسبين إليها بالجملة، واهم من لا يتعظ ويفهم بأنه ليس لاعباً، بل مجردَ ورقة سيتم التخلص منها عندما ينزل الجميع عن الشجرة، إنها لعنة الحرب بالوكالة.