سورية و"صفقة القرن".. بقلم: د.خلود أديب

سورية و"صفقة القرن".. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٤ مايو ٢٠١٩

استبعد مستشرق وخبير اسرائيلي بارز، إيال زيسر، وهو أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب، إمكانية تحقيق "صفقة القرن" التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في حين رأى أن هناك صفقة أخرى تتعلق بسوريا وروسيا وإيران، قابلةً للتحقق ويمكن لواشنطن أن تعمل عليها وقد تساهم بتسوية صغرى بين الفلسطينيين والاسرائيليين في مقال له بعنوان "صفقة القرن… بيضة لم تفقس" كان قد نشر بصحيفة "إسرائيل اليوم" في آب الماضي. 
حيث رأى أن الصفقة البديلة التي تتعلق بالمحاور الثلاثة أعلاه "يجدر بالأمريكيين أن ينشغلوا بها وهي صفقة يمكنهم أن يعملوا عليها بسهولة أكبر وهي كفيلة بأن تساهم في الاستقرار الإقليمي، وأيضا تحقيق تسوية أو على الأقل تسوية صغرى بين إسرائيل والفلسطينيين". 
وبحسب زيسر فهي صفقة قرن يمكن أن "تضمن الاعتراف الأمريكي بالمصالح السورية الخاصة في سورية وتمنح شرعية ومساعدة للرئيس الأسد و في الوقت ذاته تدحر الإيرانيين من سورية". 
بينما رأت في وقت سابق مصادر عربية (حزيران ٢٠١٨) أن هذه الصفقة تتضمن عرضاً أمريكيا للروس لتطوير التفاهم في سوريا مقابل إطلاق يد المحور الأمريكي -  الخليجي - الاسرائيلي في فلسطين وقيام الروس بتحجيم الوجود الإيراني في سورية ومن ثم تسهيلهم لـ "صفقة ترامب". 
وتجدر الإشارة إلى أن رؤية ترامب الانتخابية لم تعتبر منذ البدء سورية ساحة مواجهة مع روسيا وإنما ساحة ممكنة من ساحات احتواء إيران، بالتعاون مع روسيا والقيادة السورية. 
والحق يقال أنه ولا في أي مرحلة، خلال إدارتَي ترامب وباراك أوباما، أدرج الشأن السوري بين الخلافات الاستراتيجية مع روسيا، قبل تدخلها المباشر وبعده. الفارق الوحيد بين الإدارتَين أكّده أخيراً مستشار الأمن القومي جون بولتون بأن الخلاف "الاستراتيجي" ليس على الرئيس الأسد بل على إيران. سلط الضوء في إدارة أوباما على "مصير الأسد" بغية تغطية التغاضي الأميركي عن التدخّل الإيراني في سورية كواحد من الحوافز التي حظيت بها طهران مقابل توقيعها على الاتفاق النووي، وقد تعاملت الإدارة الأمريكية حينها ببراغماتية خالصة مع التدخّل الروسي في سورية باعتبار أن التدخّل الأميركي المباشر لم يكن وارداً في أي وقت.
وبالعودة إلى الساحة السورية في الآونة الأخيرة، نرى طرفين نقيضين يتصارعان فيما يتبادلان التأثر والتأثير. طرفُ يوظف كل طاقاته السياسة والاقتصادية وتحالفاته المشبوهة لدعم ًصفقة ترامب" أو ما اصطلح عليها لاحقاً بـ"صفقة القرن" بشكلها المسرب والمبهم يتزعمه الخليج وعلى رأسه السعودية (المفترض بهذا الطرف أنه عربيٌ)، وفي المقابل تستمر سورية  في سعيها جاهدةً، شبه وحيدةٍ، لإحباط المخططات الأمريكية في المنطقة. وليس أدل على ذلك الصراع الثنائي من دعوة واشنطن في اليومين الفائتين إلى عقد مؤتمر دولي في البحرين لتشجيع الاستثمار بالأراضي الفلسطينية ضمن ما يبدو أنه أول ملامح صفقة القرن التي تعد واشنطن عدتها لإعلانها مباشرة بعد شهر رمضان.
ورغم أن هذه الدعوة قوبلت برفض فلسطيني فوري، بل واعتبار من قد يحضر من الفلسطينيين إلى المؤتمر متعاوناً مع الولايات المتحدة وإسرائيل، تبدو أن واشنطن ومن خلفها حلفاءها مهتمون أكثر بإقامة هذا المؤتمر بمن حضر، حتى لو غاب عنه الطرف الأهم في القضية الفلسطينية والذي يفترض به أنه صاحب القرار الفصل في قبول الاستثمارات من عدمه.  
فهل هذه الخطوة تمهد - كخطوة أولى-  لخطوات متتابعة من صفقة القرن؟ أم أن إدارة ترامب استبدلت فكرة السلام النهائي والدائم (على فرض أنه يصب في صالحها إنهاء الصراع بدايةً) في الشرق الأوسط وخاصة على المسار الفلسطيني بصفقة اقتصادية في تغييرٍ لبنود الصفقة قبل أن تعلنها رسمياً تماشياً مع الرفض المحتمل من دول الغرب بشكل عام والرفض الأكيد من الجانب الفلسطيني والسوري بشكل خاص.
فعلى الرغم من اندلاع الحرب عليها في مطلع ٢٠١١، لم تفتأ سورية تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزيةً في صراعها مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ومبدأً ثابتاً في توجهها العروبيَ. ولم تتنازل عن فلسطين في أية مرحلة من المراحل؛ مكتفية باستعادة الجولان المحتل (كما فعلت مصر مع سيناء)؛ رافضةً كافة العروض التي بدأت بمؤتمر مدريد؛ تلك التي تخرق مبدأ ربط المسارات السورية بالفلسطينية واللبنانية. هذه العروض استمرت حتى إطلاق مؤامرة "الربيع العربي" والتي استهدفت بكليتها، منذ البدء، الموقع الاستراتيجي والجيوسياسي لسورية في المنطقة بعد القضاء على بعد العراق العروبيَ بغرض إعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر تفتيته إلى دويلات طائفية بل مذهبية تبرر يهودية إسرائيل وتجعل لإسرائيل اليد العليا في النفوذ والسيطرة عليه، في تتطابق مع وصية بن غوريون التي تقول ما معناه أن لا ديمومة لإسرائيل في المنطقة إلا وسط محيط من الدويلات الطائفية والعرقية. وهو الهدف الرئيسي للكيان الصهيوني اليوم ، خصوصاً في سوريا بما تمثله من موقع سياسي وجغرافي وعقائدي.
وفي حين أن واشنطن قد لا تدعم قيام دولة كردية في نهاية المطاف - لمعارضتها قيام دويلات ذات طابع قومي في المبدأ - إلا أنها تستمر في دعم سيطرة الأكراد الانفصاليين على شرق الفرات وتقدم الدعم غير المباشر للاحتلال التركي لشمال غرب سورية فيما استمرت في الاحتلال الأمريكي لقاعدة التنف ومخيم الركبان في جنوب سورية. ومن ثم سارعت مؤخراً لاستكمال الكماشة الضاغطة والخانقة والبديلة لإسقاط "النظام السوري" بتصعيد الحصار الاقتصادي على سورية مدّعماً بحصار إقليمي يشمل إيران والعراق وحتى لبنان بغية وقف مد أية يد للمساعدة من الدول المجاورة، مع الإشارة إلى أن الأردن لا يمكن أن يكون سنداً لسورية بأي شكل من الأشكال في وضعه الاقتصادي والسياسي الحالي حتى في افلاته النسبي من الحصار، حيث يعد طرفاً منفذاً لصفقة القرن ولا يملك القدرة على مقاومتها - وإن شاء - لضآلة موارده واعتماده شبه الكلي على المساعدات الخارجية الأمريكية والخليجية. 
ولا تزال سورية تقف حجر عثرةٍ في وجه المخططات الأمريكية الاسرائيلية رغم إنهاكها عسكرياً في حرب تزيد عن ثمان سنوات لتاريخه، ناهيك عن الحرب السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية عليها ورغم تشديد الحصار عليها.