لا حرب عسكرية.. فما الذي سيفعله ترامب؟.. بقلم: سماهر الخطيب

لا حرب عسكرية.. فما الذي سيفعله ترامب؟.. بقلم: سماهر الخطيب

تحليل وآراء

الجمعة، ٢١ يونيو ٢٠١٩

تأتي تلميحات الرئيس الرئيس الأميركي دونالد ترامب بردٍّ قريب على إسقاط إيران للطائرة المسيرة الأميركية ضمن الخيارات المطروحة على الطاولة فهو ليس مخوّلاً باتخاذ إجراء منفرد عن فريقه الذي يطرح كل منهم خياراً يتم تداوله في دائرة اتخاذ القرار ريثما يتم الانتهاء إلى القرار الأقرب للمصلحة الأميركية.
إلا أنّ إسقاط الطائرة الأميركيّة المسيّرة غلوبال هاوك والتي تعد من أحدث طائرات التجسس في العالم، وتقدّر قيمتها بأكثر من 200 مليون دولار. يُعتبر تطوراً جديداً كما وصفه ترامب، قائلاً إن «إيران ارتكبت خطأ كبيراً»، مشيراً إلى أنه «لو تم إسقاط طائرة على متنها طيار لكان الأمر مختلفاً تماماً». وحينها لكانت التبريرات موجودة لشن ضربة عسكرية عقب الاستفزاز الأميركي المعتاد لإيجاد ذريعة تعلق عليها انتهاكاتها.
إلا أنّ الذريعة لا تزال موجودة، ولو اختلف الرّد، والذريعة هي أنّ «الطائرة المسيرة الأميركية كانت في أجواء دولية، وتمّ إسقاطها بصاروخ أرض جو إيراني فوق مضيق هرمز، ولم تكن هناك أي طائرة أميركية تعمل فوق المجال الجوي الإيراني. وأن هذا الأمر موثق لدى الولايات المتحدة»، بحسب ترامب والجيش الأميركي.
في حين أنّ إيران وصفت تحليق طائرة التجسس الأميركية غلوبال هاوك المسيّرة التي تمّ إسقاطها في إقليم هرمزغان انتهاكاً لمجالها الجوي، محذّرة من عواقب مثل هذه الإجراءات «الاستفزازية».
وبالتالي، يأتي إسقاط طائرة التجسس الأميركية كرسالة إيرانية صريحة وواضحة، بالرغم من تكرار التصريحات الإيرانية بأنّ «لا نية لإيران بالحرب مع أي بلد ولكنها جاهزة لها».
وفي خضم هذا التطور الجديد تتضح جلياً رغبة ترامب في الاستفادة من هذا «الانتهاك الإيراني» والذي لا يُخفى على أحد بأنه أسلوب أميركي تتخفّى وراءه سياساتها المصلحية والفائدة تعود لبسط السيادة الأميركية على مضيق هرمز حتى لو كان يقع في اختصاصه وسيادته لإيران باعتبارها إحدى الدول الساحلية التي تشرف عليه، وبالتالي يعتبر قانوناً ضمن إقليمها أو ما يسمّى النظام القانوني للبحر الإقليمي..
وبما أنّ مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم نظراً للحجم الهائل من صادرات النفط التي تعبره يومياً، وكذلك الواردات الضخمة لدول الخليج، فإن ترامب سيسعى جاهداً للسيطرة عليه وإضعاف طهران وزيادة الضغط عليها.
وبالتالي هناك خياران بعد أن استنفد الخيار الاقتصادي وفرض العقوبات الاقتصادية ضدّ إيران حتى باتت إرهاباً اقتصادياً يمارس ضدّ الشعب الإيراني قبل القيادة.. ورفع سقف المواجهة مع إيران، من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض العقوبات أو عبر قراره بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية. هذه التصرفات الأميركية أدّت إلى ارتفاع وتيرة التهديدات آخرها لم يصرّح به بعد..
أما الخيار الأول، فهو توجيه ضربة عسكرية محدودة ضدّ إيران وليس شنّ حرب عسكرية واسعة النطاق، لإنّ إدارة ترامب تميّزت عن أسلافها من الإدارات الأميركية، بزيادة وتيرة الحروب الاقتصادية والتجارية، كبديل عن الحروب العسكرية ضدّ الدول المناوئة لسياستها التي تتسم بالاستئثار. وبالتالي ليست في وارد شنّ حرب عسكرية لكونها خطة بعيدة عن عقلية ترامب الاقتصادية، إنما البديل في عقليته هو شنّ ضربة محدودة موجّهة ليرضخ الخصم لما يريد. وهو إجراء مستبعد في الوقت الراهن لما يشكله الرد الإيراني من خطورة على القواعد الأميركية في المنطقة.. وكذلك ما سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار النفط وإيقاف الإمدادات النفطية العالمية. وهذا الضرر ليس فقط أميركياً إنما عالمي.. سيجد حلفاءه قبل أعدائه يقفون ضدّ هذا الإجراء..
في حين أنّ الخيار الثاني، وضع مضيق هرمز تحت الحماية الدولية. وبالتالي تحت الهيمنة الأميركية وما إرسالها لحاملة الطائرات «يو أس أس أبراهام لينكولن» وقاذفات «بي 52» التابعة لسلاح الجو الأميركي وما تبعها من قرار إرسال ألف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط ضمن ما قال إنها «أغراض دفاعية»، ضدّ ما وصفه وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان بـ»الهجمات الإيرانية الأخيرة التي تهدّد أفراد الجيش الأميركي والمصالح الأميركية في المنطقة».. إلا خطوة استباقية تقول فيها أميركا بضرورة تأمين الملاحة العالمية وبسط هيمنتها بذريعة تأمين خط الإمدادات النفطية.. وهذا ما يعتبر انتهاكاً صارخاً للاتفاقية الدولية لقانون البحار.. فأميركا ليس لها حدود قريبة من مضيق هرمز ولا سيادة لها عليه، بل إنّها مثلها مثل أي دولة تسمح لها إيران بالمرور العابر..
أما إيران التي حذّرت من انتهاك أجوائها عقب إسقاط الطائرة الأميركية بالأمس، وكذلك هدّدت بإغلاق مضيق هرمز الذي يبلغ عرضه 33 كيلومتراً عند أضيق نقطة له، في حال تمّ تصفير صادراتها النفطية. وهذا أمرٌ ممكن لها من الناحية العسكرية، في حال وجدت ضرورة لذلك، لكونها تعدُّ الدولة الساحلية التي يقع المضيق في مياهها الإقليمية، حيث تشرف على المضيق كل من دولتي عُمان وإيران.
وبحسب اتفاقية 1982 لقانون البحار حددت امتداد مياهها الإقليمية بـ12 ميلاً بحرياً، ومن ثم تلتقي مياهها الإقليمية في منطقة المضيق لمسافة 15 ميلاً بحرياً حيث تختفي المياه الدولية. وهي بالتالي تمتلك الردّ وفق القانون الدولي. في حال استخدم ترامب خياره الثاني «حماية الملاحة الدولية»، فإنها قانوناً تحمي مياهها الإقليمية وفق النظام القانوني للبحر الإقليمي.. وهذه الخطوة الإيرانية في حال اتخذت فإنها لا تعارض القانون الدولي على عكس ما تقوم به الإدارة الأميركية، وتكون طهران التزمت بذلك بقانون البحار بعكس أميركا التي تخرق هذا القانون..
كما تمتلك إيران منظومات متكاملة من الأسلحة المتطورة من السفن الحربية والغواصات والزوارق السريعة والصواريخ والطوربيدات البحرية والألغام البحرية وسلاح الطيران التابع للقوات البحرية، والتي تمكنها من إغلاق المضيق في أي وقت، والردّ على أي ضربة عسكرية غير مدروسة النتائج..