مقاومة فلسطين ونعاج ترامب..بقلم: عدنان منصور

مقاومة فلسطين ونعاج ترامب..بقلم: عدنان منصور

تحليل وآراء

السبت، ٢٩ يونيو ٢٠١٩

تصوّر الرئيس الأميركي ترامب، وهو رجل الأعمال والصفقات وصهره كوشنر سمسار بعض «العرب» أنه بهم يستطيع طيّ صفحة القضية الفلسطينية للأبد، وفتح صفحة جديدة من تاريخ قبيح تسطّره «إسرائيل اليهودية» على كامل التراب الفلسديني، بعد أن تزيح عن كاهلها قضية شعب مقاوم رافض للاحتلال بكلّ أشكاله. ظنّت الصهيونية الأميركية والصهيونية الإسرائيلية والصهيونية العربية المتمثلة ببعض المرتدّين العرب، أنّ حفنة من المال تستطيع أن تقضي على قضية شعب بتاريخه ووجوده وثقافته وتجذره بالأرض. بعض العرب الذين كانوا مثالاً حياً، ونموذجاً واضحاً للخنوع والرضوخ والذين ما تعوّدوا إلا أن يكونوا مطية لسياسات الولايات المتحدة، تأمرهم فيطيعون، تبتزهم ويدفعون، تحميهم وينوخون، يُصفَعون ويرضون، يُذلّون وهم فرحون. ظنّ الثعلب الأميركي أنه بهذه الزمرة من الأعراب يستطيع أن يروّض شعب فلسطين ويروّض شعوب الأمة كلها. لقد توهّم أنّ الشعب الفلسطيني هو على شاكلة من تعامل معهم على مدى عقود من الزمن، حيث رأى فيهم أنهم على استعداد للتنازل عن كلّ شيء، عن شرفهم، وأوطانهم وكراماتهم حفاظاً على المناصب والمكاسب والعروش والكروش. لم يعرف السيد الأميركي وسمساره وعبيده أنّ معدن فلسطين وشعب فلسطين يختلف بالشكل والأساس عن معدن المرتدّين والخونة في هذه الأمة. لم يعرف ترامب أنّ حبة من تراب فلسطين في غزة أغلى من كلّ مليارات مؤتمر «المحمية». وأنّ شجرة زيتون في أيّ بقعة من بقاع فلسطين تجري في وجدان الفلسطينيين مجرى الدم في العروق. يريد ترامب وزمرته شراء وطن، وتشريد شعب بأكمله والقضاء على وجوده ونزعه من تاريخه بحفنة من المال بذريعة إنماء المناطق الفلسطينية.
أين كان العربان عندما كان يجوع الشعب الفلسطيني ولا تُمدّ له اليد من هؤلاء إلا بالقليل القليل ليشعروه بالذلّ وبحاجته الدائمة إليهم؟! أين كان هؤلاء قبل المؤتمر الذي عُقد في المحمية، ليقدّموا الدعم المتواصل ويرفعوا الحصار عن الفلسطينيين، وهم يشاهدون العدو الصهيوني يحاصر غزة ويقتل شعبها ويتفرّجون، يمنع الكهرباء والمياه عنها وهم كدرون، يحاصرون شواطئها وهواءها وأرضها وهم محنّطون؟! ما الذي فعله أعراب الأمة في تطبيق العقوبات ومقاطعة «إسرائيل»؟! أين مبادراتهم؟ أين وعودهم؟ أين تشدّقهم وتصريحاتهم المملة الكاذبة بالعمل على قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس؟! لماذا تتدفق أموالهم اليوم على ترامب وكوشنر، وما الذي دفعهم إلى ذلك؟! وإذا كانوا هم على استعداد أن يبيعوا كراماتهم وأرضهم وثرواتهم، فشعب فلسطين المعذب الذي يئن ليلاً ونهاراً، لا يبيع شرفه ولا يبيع أرضه ووجوده. وأما ترامب فلا نعوّل عليه شيئاً، والولايات المتحدة و»إسرائيل» ما كانتا يوماً إلا وجهان لعملة واحدة.
إنّ الإيجابية الوحيدة في مؤتمر المحمية، هي أنها أسقطت النقاب عن الوجوه الغادرة بفلسطين وشعبها، والغادرة بأمتها وتاريخها. كنا في الماضي لا نصدّق ما كانوا يقولونه عن فلسطين وعن حرصهم على شعب فلسطين وعلى قضيته المركزية. كنا نشكّ بمواقفهم وسياساتهم وانتماءاتهم وتصريحاتهم، لكننا اليوم على يقين، أنّ هؤلاء كانوا يكذبون على شعب فلسطين وكانوا يتحيّنون الفرصة للانقضاض عليها واجتثاثها من جذورها. فكيف يحافظون عروشهم وكروشهم ومناصبهم إذا لم يطيعوا سيدهم في البيت الأبيض وهو القائل لهم بكلّ استعلاء وعنجهية وتكبّر: لا تستطيعون البقاء أسبوعين في حكمكم دون حمايتنا لكم؟ لذلك كان عليهم طاعة سيد البيت الأبيض ليدخلوا معه بالصفقة المذلة على حساب شعب فلسطين.
على الفلسطينيين اليوم قبل الغد أن يتخلّوا عن خلافاتهم، فلسطين تضيع أمام أعينهم، والقضية يبيعها بعض العرب. لا نريد أن نسمع غداً بأسماء تنظيمات فلسطينية، نريد أن نسمع بجبهة فلسطينية واحدة موحدة لها هدف واحد وصف واحد ضدّ كارثة صفقة القرن لإجهاضها في مهدها. كفى خلافات ونزاعات واجتهادات وسجالات واتهامات واشتباكات لا تؤدّي إلا لضياع القضية. آن للإخوة الفلسطينيين أن يأخذوا العبرة من الذي يحصل. ففلسطين فوق كلّ اعتبار، فوق الأحزاب والتنظيمات والعقائد والطروحات التي لا تفيد. فعندما تضيع فلسطين وتضيع القضية لن يبقى بعد ذلك تنظيم ولا حركة ولا منظمة ولا سلطة ولا زعيم. فهل يعي الأخوة الفلسطينيون والعرب الأحرار هذا الواقع قبل فوات الأوان؟ إنّ الفلسطينيين اليوم هم على المحك، وكلّ الأحرار في هذه الأمة تنتظر منهم قراراً شجاعاً يرتقي فعلاً لا قولاً إلى مستوى المسؤولية القومية. فهل يفعلها القادة الفلسطينيون؟!
عندما دعت الجامعة العربية إلى اجتماع استثنائي عاجل لوزراء الخارجية العرب يتعلق بفلسطين، والذي عقد يوم 17/11/2012 إثر العدوان الإسرائيلي على غزة، قلناها وبصدق «إنّ الشعب الفلسطيني ليس بحاجة منّا إلى التنديد والشجب والإدانة، ولا الشكاوى ولا التصريحات التي ملّ منها، وملّ معه العالم وشعوبنا العربية على مدى 64 عاماً… ما يريده شعب فلسطين وتريده شعوبنا العربية اليوم وقفة شجاعة مشرّفة تليق بمقاومته وتضحياته وكرامته وقيمه ووجوده وتاريخه، ترتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية والقومية، وتعبّر عن مكنونات وطاقات وإمكانات أمتنا العربية، ولا تعبّر عما يريد أن يمليه علينا الآخرون من قرارات مجحفة.. في الوقت الذي يكافئون فيه «إسرائيل» التي تأسّست على أشلاء الفلسطينيين ويغدقون عليها سلات لا حدود لها من الحوافز والمساعدات والدعم الاقتصادي والمالي والعسكري المتواصل.. متجاهلين ومستخفين بكرامة أمة تملك من وسائل القوة الكثير الكثير، لم تستطع وللأسف حتى الآن بسط إرادتها وقرارها المؤدّي إلى إخراج شعب فلسطين من نكبته والظلم اللاحق به منذ عام 1948… إنّ السلام لا يُستجدى، وإنّ الأرض لا تُستجدى، وإنّ الدولة الفلسطينية والحق الفلسطيني والعربي لا يُستجدى… تبقى فلسطين بوصلة العرب، بها يُقيّم العمل العربي المشترك ودونها يضمر هذا العمل ويضمحلّ، فلا تتركوا فلسطين بين أنياب الذئاب وهي التي تنتظر فكّ أسرها منذ 64 عاماً ولا تزال تنتظر…»
جاء الردّ سريعاً من حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية السابق قائلاً: هم ليسوا بذئاب فالبعض منا نعاج».
بعد سبع سنوات، يطلّ الأميركي وسمساره مع نعاجه يريدون أن يسطّروا تاريخاً جديداً لمنطقتنا، تزول فيه فلسطين ويذوب معها شعبها. لكن هيهات… فالنعاج معروف نهايتها والشعوب والأرض باقية وإنْ عاكسها لفترة طغاة العالم ونعاجهم.