ما يسمى «اللجنة الدستورية».. بقلم: محمد عبيد

ما يسمى «اللجنة الدستورية».. بقلم: محمد عبيد

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٤ يوليو ٢٠١٩

إذا تم تشكيل ما يسمى «اللجنة الدستورية»، فهل سيؤدي ذلك إلى حل الأزمة في سورية وتحريرها مما تبقى من المجموعات الإرهابية، أم إنه سيدفع الإدارة الأميركية والنظام التركي إلى سحب قواتهما المحتلة لبعض الأراضي السورية، أو سيمنع الممالك والمشيخات في السعودية وقطر من تمويل هذه المجموعات؟ وهل ستُقنِع الانفصاليين الأكراد بوحدة سورية أرضاً وشعباً وبعدم إمكانية إنشاء بؤر حكم ذاتي أو إدارة مستقلة؟
تساؤلات لابد من إثارتها حول الأهداف الكامنة وراء المسعى الدولي الحثيث لإنشاء اللجنة الدستورية، والأهم الجدوى من تسليف المجتمع الدولي على اختلاف توجهاته وتضاربها رصيداً سياسياً لتسييله في سلة الحل السياسي المفترض.
منذ بداية العدوان على سورية وانطلاقاً من الوصفة التي سعت بعض القوى الدولية والإقليمية إلى تعميمها على دول عربية تحت اسم «الربيع العربي»، يجري البحث عن منفذٍ للولوج إلى الداخل السيادي السوري، فكانت لقاءات جنيف ومؤتمرات «أصدقاء سورية» التي جُمِع فيها أعداؤها إلى جلسات مطولة لمجلس الأمن الدولي لاستصدار أحكام عرفية تُسقِط شرعية الدولة السورية، إلى ما هنالك من إقصاء لدور سورية المؤسس والتاريخي والفاعل في جامعة الدول العربية، كل ذلك حصل مقروناً بعقوبات مالية واقتصادية ودبلوماسية كتكملة لدور الإرهابيين في الميدان.
لكن هذا البحث كان يصطدم دائماً بصلابة بنيان الهيكل الأساس الذي تقوم عليه سورية ألا وهو: الدولة القائمة على الشرعية التي منحها إياها الدستور.
إضافة إلى أنه تم تعزيز وترسيخ هذه الشرعية من جديد عبر الصمود الأسطوري الذي أظهرته هذه الدولة على مستوى الرئاسة ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، وبموازاة ذلك القوة النوعية المدفوعة بالتضحية التي ترجمها الجيش العربي السوري في الميدان انتصارات مدعوماً بالأجهزة الأمنية التي تحولت في كثير من المحطات إلى قوى مقاتلة إلى جانب الجيش.
وكل ذلك لم يكن ليتحقق لو لم يقف الشعب السوري وقفة وطنية واحدة إلى جانب دولته وقيادتها، ولو لم يكن الحلفاء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب اللـه وغيرهما من قوى المقاومة في المنطقتين العربية والإسلامية والصديق التاريخي روسيا أوفياء لسورية.
إذاً الصمود والانتصار احتاجا تضافر منظومة متكاملة على المستوى الوطني وأيضاً على صعيد الحلفاء والأصدقاء، لكنه استند أساساً إلى شرعية الدولة في سورية والتمسك بمؤسساتها الدستورية والسياسية.
من المؤكد أن ما يتم طرحه اليوم لجهة إنشاء لجنة لإعادة صياغة دستور جديد، لن يحقق أياً من الأهداف التي عجزت عن تحقيقه كل الدول والأنظمة التي بدأت هذا العدوان على سورية والتي أوصلت الإرهابيين التكفيريين إلى الأراضي السورية ودربتهم وزودتهم بالمال والسلاح والعتاد. لكن ذلك يجب ألا يُسقِط الهواجس المشروعة للشعب وللدولة في سورية حول المغزى الحقيقي من العودة دائماً إلى إثارة هذا الموضوع من باب أن ربط أي قبولٍ بالاعتراف بانتصار سورية وحلفائها مرهون بقبولها وقبول حلفائها بآليات «دستورية» تؤدي إلى إفراغ هذا الانتصار الموعود من مضمونه ومن مفاعيله لجهة استعادة سورية كدولة موقعها القومي ودورها الإقليمي كركيزة أساسية ووحيدة لمحور المقاومة في المشرق العربي المواجه لكيان العدو الإسرائيلي.
بناءً على ذلك، لاتبدو الحاجة إلى التمحيص في اختيار ممثلين لما يسمى «المعارضة» المرتبطين بأجندات خارجية أو «المستقلين» فعلاً أو شكلاً مهمة، بقدر ضرورة التركيز على انتقاء نوعية من النخب القادرة على حماية سيادة الدولة السورية ومصيرها وحفظ تضحيات شعبها وقواها المسلحة وانتصاراتهم.
وبالتالي فإن أبرز مقومات حماية هذه السيادة انتقال الاجتماعات المفترضة لما يسمى «اللجنة الدستورية» إلى دمشق، الموقع الطبيعي للحوار «السوري- السوري» حول شأنٍ سيادي سوري بامتياز، على أن يتم مناقشته أيضاً والتصديق عليه في مجلس الشعب السوري، المؤسسة الشرعية المنتخبة، وأن يصدر بمرسومٍ عن الرئيس الشرعي المنتخب كما جرت العادة.
إن إسقاط دستور جديد أو قديم مُعدل على الواقع السياسي السوري يبدو مهمة مستحيلة، كذلك هو الاعتقاد بإمكانية الاستفراد بسورية تحت ضغط الحصار والعقوبات، ذلك أن تداعيات ما يجري في مضيق هرمز وحوله يعني سورية قبل إيران، واحتجاز الناقلة «غرايس1» دليل مُثبَتٌ على ذلك.