جونسون على خطى ترامب.. بقلم: علي جرادات

جونسون على خطى ترامب.. بقلم: علي جرادات

تحليل وآراء

الأحد، ٢٨ يوليو ٢٠١٩

«أنا صهيوني حتى النخاع.. و«إسرائيل» البلد العظيم الذي أحبه..». هكذا وصف بوريس جونسون نفسه، (حسب موقع ديبكا الاستخباراتي «الإسرائيلي»)، قبل فوزه بخلافة تيريزا ماي في رئاسة حزب المحافظين والحكومة البريطانية، علماً أن سجل جونسون هذا يتضمن أنه تطوع وخدم، قبل 40 عاماً، في «كيبوتس» «إسرائيلي»، وأنه، كان يُعرِّف نفسه كصهيوني منذ ذلك الوقت.. وأن «حبه» ل«إسرائيل»، وكرهه للاتحاد الأوروبي، هما ركيزتا التوافق الفكري السياسي، القائم بينه وبين ترامب، وأن ما قاله جونسون عن الصهيونية، لا يختلف، في الجوهر، عما قاله ترامب أثناء حملته الانتخابية.
هذا يعني أن جونسون كان، عملياً، مرشح ترامب، (وبالتالي نتنياهو)، لرئاسة حزبه وحكومة بلاده. يشي بذلك مديح ترامب الزائد لجونسون، وانتقاداته المهينة للمختلفين معه، بمن فيهم منافسوه داخل حزبه، إضافة إلى أحزاب المعارضة، بزعامة جيرمي كوربين، أكثر القادة البريطانيين الرسميين وضوحاً في تأييده للفلسطينيين، وقضيتهم الوطنية، وبالتالي، تعرض لحملات التحريض والتشويه الممنهجة من قبل حكومة الاحتلال «الإسرائيلي»، برئاسة نتنياهو، واللوبي الصهيوني في بريطانيا والعالم، وأركان إدارة ترامب. بما يعني أن توافق جونسون مع ترامب، يستهدف إنهاء التمايز النسبي القائم، (وهو الطفيف أصلاً)، بين سياسة بريطانيا الخارجية والداخلية، ونظيرتها الأمريكية الحالية، لمصلحة إحداث تطابق كامل بينهما تجاه قضايا العالم، بشكل عام، وتجاه قضايا منطقتنا، وفي مقدمتها الصراع العربي -«الإسرائيلي»، بشكل خاص، وتجاه القضية الفلسطينية، تحديداً. وهو ذو دلالة، هنا، استخدام جونسون لتعبير «الخمس عيون» في إشارة إلى التحالف القائم بين بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا.
كل ذلك، رغم أن نسبة تأييد البريطانيين لجونسون لا تتجاوز 31%، حسبما أشار استطلاع نشره معهد «يوغوف» غداة فوزه بتأييد واسع من حزبه، ما يعني أنه يواجه تحديات كبيرة؛ مبعثها الرئيسي خلافاته الحادة مع معارضيه، من داخل حزبه، ومن خارجه حول تأييده الخروج من الاتحاد الأوروبي، دون اتفاق مع بروكسل. هذا مع العلم أن هذه الخلافات قادت، منذ عام 1916، إلى استقالة رئيسيْن لحزب المحافظين والحكومة البريطانية؛ هما: ديفيد كاميرون وتريزا ماي. هذا يعني أن حكومة جونسون التي تحظى بتأييد إدارة ترامب، لا تحظى سوى بغالبية هزيلة، وتواجه معارضة شديدة من داخل حزبه، ومن أحزاب المعارضة، بزعامة كوربين الذي طالب جونسون بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، وقال: إن الأخير «لا يحظى بتخويل من الشعب». 
وبقدر ما يتعلق الأمر، هنا، بالقضية الفلسطينية، فلنقل: استبعد كثيرون أن ينفذ ترامب وعوده الانتخابية بشأن نقل سفارة بلاده إلى القدس؛ لكنه فعلها، ليتضح أن كلامه الانتخابي حول القدس لم يكن سوى رأس جبل الجليد العائم في خطته المُعدة، سلفاً؛ لتصفية القضية الفلسطينية. ويبدو أن جونسون الذي وصف نفسه ب«الصهيوني حتى النخاع» يتبنى رؤية ورواية حكومة الاحتلال، برئاسة نتنياهو، شأنه في ذلك شأن الرئيس الأمريكي، ترامب، ونائبه بنس، ووزير خارجيته بومبيو، ومستشاره للأمن القومي بولتون، وفريقه لمتابعة ما يُسمى، زوراً، خطته ل«السلام في الشرق الأوسط»، كوشنر وجرينبلات وفريدمان.
لكن، في كل الأحوال، بات من شبه المؤكد أن جونسون، بما يمثل، يسير على خطى ترامب تجاه القضية الفلسطينية، خاصة وأن إدارة الأخير التي فتحت طريق التجرؤ على طرح خطة لإسدال الستار على هذه القضية، لم تتلقَّ الرد الذي تستحقه قراراتها بشأن القدس، (أكثر قضايا الصراع حساسية)، واللاجئين، (جوهر الصراع)، والمستوطنات، (العقبة الكأداء أمام ما يُسمى ب«حل الدولتيْن»). كل ذلك يُسهِّل الطريق أمام أن يصبح جونسون «ترامب البريطاني»، (هكذا باتت تصفه وسائل الإعلام)، لناحية العداء للفلسطينيين. هذا دون نسيان أن بريطانيا هي صاحبة «وعد بلفور»، المدماك الأول في نكبة فلسطين المستمرة، والظلم التاريخي المتواصل الذي لحق بشعبها، وأن بريطانيا وفرنسا هما صاحبتا اتفاقية «سايكس بيكو» لتجزئة الوطن العربي، على ما بين «الوعد» و«الاتفاقية»، هنا، من علاقة، فحواها: كانت تجزئة الوطن العربي شرطاً لازماً؛ لإنجاح مشروع إقامة «إسرائيل» في فلسطين، وعلى حساب شعبها وحقوقه الوطنية والتاريخية، فيما باتت «إسرائيل»، منذ إقامتها، شرطاً أساسياً؛ لإدامة تلك التجزئة؛ بل ولتجزئة المجزأ فيها، أيضاً.
الخليج