أستانا 13.. هل ينعكس الرقم المشؤوم؟.. بقلم: محمد ح. الحاج

أستانا 13.. هل ينعكس الرقم المشؤوم؟.. بقلم: محمد ح. الحاج

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ أغسطس ٢٠١٩

إجماع لمتابعي أستانا على أنه لا يحمل جديدا، ربما فقط توافق على نقاط التقاطع بين الأفرقاء الضامنين حتى لا يقع صدام خلال عملية توازع «الاحتلالات»، البعض يؤكد على مساواة الوجود للدول الثلاث على أنه احتلال عكس التوصيف الرسمي السوري، فهل حقاً هو توزيع أدوار وتفاهمات أم هي محاولة جادة لفرض تنفيذ التفاهمات التي لم ينفذ الجانب التركي منها شيئاً بدءاً من الرقم واحد وصولاً إلى الرقم المشؤوم 13…!
 
الصوت الوحيد الذي تابعته واعتبر أنّ مخرجات أستانا 13 هي الأفضل بالنسبة لسورية والموضوع السوري هو السيد بشار الجعفري، رغم قوله إنّ الحكومة التركية لم تلتزم ولم تقدّم الدليل أنها باتجاه الوفاء بأيّ التزام لها التي جرى التأكيد عليها في كلّ الأستانات السابقة، فهل يعني هذا أنها جرعة تفاؤل زائدة أم أنّ ما ورد في بنود البيان الختامي يخفي ما يبعث على التفاؤل رغم نفي المراقبين لوجود أيّ جديد؟
 
لم نلحظ أنّ أيّاً من المحللين العسكريين أو المدنيين قد أظهر شيئاً من التفاؤل، على العكس يجمع هؤلاء على أنّ ما تحقق هو نجاح للتركي، وقد عاد لفرض هدنة يرى فيها الجميع احتواء لما حققه الجيش السوري على الجبهات، واستجداء فرض الهدنة للحفاظ على صفوف العصابات المهزومة داخلياً وفعلياً، تركيا على ما يبدو لم تحقق ولو الجزء اليسير مما تحلم بتحقيقه عبر سياسة التلاعب والقفز فوق الوقائع والاستمرار في خداع الضامنين الآخرين، أردوغان ما زال ينتظر واحداً يقدم له عمامة الخلافة! البعض يقول لقد تمّ تهميش الدولة السورية والمعارضات على حدّ سواء، أما عن مشاركة العراق ولبنان فقد تكون نوعاً من بريستيج حشد شهود عيان ولكن على ماذا؟ هل ستبدأ تركيا فعلاً بسحب العصابات إلى الخطوط المرسومة وهل يتمّ فتح طريقي حلب دمشق وحلب اللاذقية خلال الأشهر القادمة وقبل نهاية العام، يبدو أنه سيبقى مجرد حلم، التركي لم يتعوّد على الصدق والوفاء بما التزم!
 
في كلّ دول العالم يحصل المهاجر النظامي على الإقامة التي تؤهّل للحصول على الجنسية، وليس اللاجئ أو النازح بسبب ظروف الحرب، النظام التركي يعلن أنه منح الجنسية لما يقارب مائة ألف سوري طبعاً انتقاء وليس عشواء – فما الذي يرمي اليه النظام التركي، وهل يمكن استبعاد المطالبة لهؤلاء وأمثالهم في المستقبل بأراض تناسب أعدادهم أو إطلاق عملية استفتاء في المناطق التي يحتلها ويعمل على تتريكها وفرض أنظمته عليها، وهل يختلف سلوكه عن سلوك العدو الصهيوني تجاه الجولان؟
 
كلّ البيانات الختامية ولكلّ أرقام أستانا أكدت على وحدة الجغرافية السورية طبقاً للقانون الدولي ووقعتها تركيا التي تجاهلتها على أرض الواقع وهذا يدركه الضامنان الروسي والإيراني، وطال صمتهما إلا أن يكون الحوار السري بينهم ساخناً، فهل حصل ذلك؟ لا يمكن الإجابة بشكل قاطع وتبقى كلّ الاحتمالات مفتوحة خصوصاً مع توارد أخبار عن تحديد زمن قصير جداً للالتزام لا يتجاوز اليومين! ولكن لا بدّ من نظرة على جغرافية المنطقة وبالتالي الاستنتاج أنّ التنفيذ التركي في خانة المحال إنْ لم يكن المستحيل!
 
لا تبعد مدينة إدلب عن الاوتوستراد الدولي حماة حلب أكثر من خمسة وعشرين كيلومترا، وأقلّ من ذلك عن اوتوستراد حلب اللاذقية، وإذا كان شرط تأمين الطريقين المذكورين بحدود 20 كيلو متراً على الجانبين فما الذي يبقى لانتشار المجموعات المختلفة الأسماء والولاءات وليس بينها مجموعة سورية بالمعنى الصحيح، هل تعمل تركيا على شحن أتباعها إلى الشمال والغرب من إدلب، وهكذا تعتبر المدينة في حكم الساقطة عسكرياً واستراتيجياً، لن يبقى انتشار للمجموعات المسلحة بين طريق أريحا اللاذقية من ناحية الجنوب وحتى حدود حماة، وتقع المناطق الأهم أريحا جسر الشغور بشكل ما تحت سيطرة الحكومة السورية أليس لهذا السبب تبادر تحرير الشام بما تضمّ من تشكيلات أجنبية للتبرّؤ من الاتفاق ورفض الهدنة، انه السلوك ذاته بعد كلّ هدنة طلبتها تركيا وأقرّتها أستانا!
 
الحزب التركستاني جماعة الايغور الشيشان الزنكي، تجمعات أممية شعوبية ليست سورية بالمطلق، النصرة بما تضمّ من عناصر سعودية وسودانية تونسية صومالية إلخ… وأقلها العناصر السورية، من يقبل وجودهم ومفاوضتهم أو مشاركتهم في تحديد مصير ومستقبل سورية، ولو تحدث كلّ الذين يعتبرون أنفسهم قادة معارضة سوريين من الأدوات المستخدمة أميركياً وغربياً وعربياً، وهل تعني تصريحات محمد السرميني بأنّ «القوات الحكومية والروسية لم تلتزم بالهدنة وأنها تمارس قصف المدنيين جواً! متى توقفت عصابات من يسمّيهم مدنيين عن قصف القرى والبلدات المدنية الحقيقية، والعدوان على مواقع الجيش والقوات الرديفة، وهل توقفت لأربع وعشرين ساعة؟
 
أن يتمّ تهميش المعارضات بقياداتها مختلفة التبعية أمر منطقي بسبب فراغها الداخلي من الصفة الوطنية، أما أن يُقال بتهميش النظام فلعمري هو العجيب الغريب، وهل يمكن تهميش صاحب العلاقة لينصّب البعض نفسه وكيلاً عنه أو ناطقاً باسمه؟
 
المجموعات التي تديرها تركيا لا تختلف بحال عن مجموعات قسد العاملة في الخدمة الصهيو أميركية، إلا أنّ الأخيرة من المكوّنين الكردي والعربي المحلي وتحت قيادة خبراء من مختلف الجنسيات، وإذا كانت الدولة تتجاهلها حتى الآن فذلك للأولوية، رغم حاجة الدولة للثروة المنهوبة والتي وصلت إلى أيدي العدو الصهيوني، المواطن السوري يتمنّى أن تقوم الدولة بقصف مراكز الإنتاج بالصواريخ البعيدة لأنّ إحراقها أفضل ألف مرة من استفادة العدو منها وهو يرمي بعض الفتات للعصابات المأجورة! تركيا لن تغامر بدخول منطقة شرق الفرات، ليس حباً بالكرد أو قسد، ولا إخلاصاً لتحالفها مع أميركا والناتو، إنما لحسابات الربح والخسارة، إنّ دخولها شرق وشمال الفرات يفرض على الجيش السوري التصدّي لها، محافظة الحسكة لم تزل سورية برمزيتها وإدارتها، والوجود الطارئ للقوات الأميركية رهن اللعبة الكبرى، وهو زائل حتماً ومعه تزول قسد ومسد ومن لفّ لفهما، الأمر يرتبط أيضاً بوعي القبائل العربية وعامة الكرد الذين ما زالوا يؤمنون بأنّ انتماءهم للوطن والأرض وليس للأجنبي سواء كان أوروبياً أو أميركياً أو حتى تركياً.
 
لست أدري لما يقول البعض بأنّ الرقم 13 هو رقم شؤم، بينما أرى فيه خروجاً من تابو الأسباط، وانعتاقاً من نمطية الأشهر الاثني عشر، من هذا المنطلق أتمنى أن يكون لأستانا برقمها 13 نتائج مختلفة، فأنا أيضا لا أبتعد في رؤيتي للأمور عن قائد الدبلوماسية الخارجية السورية الدكتور الجعفري في قراءاته المتفائلة رغم تكرار نفس البوادر السابقة من ذات القيادات العميلة والعصابات، وهذا لا يمنعني من مشاركة الزملاء المحللين العسكريين والمدنيين قاعدة إيمانهم بأنّ الدواء الوحيد هو اجتثاث الغرباء وتدمير بنيتهم حيثما كانوا قبل الحديث عن أيّ مفاوضات ومساومات داخلية مع المتجرّدين من ارتباطهم الوطني، أدوات المؤامرة الذين ركبوا متن العصابات الغريبة ورهانهم الوحيد على استمرارها والاستثمار في خراب الوطن، بعدها سنرى من سيبقى منهم على الساحة!