هل الحلُ ممكنٌ في الصراع الأميركي الإيراني؟ .. بقلم: د. وفيق ابراهيم

هل الحلُ ممكنٌ في الصراع الأميركي الإيراني؟ .. بقلم: د. وفيق ابراهيم

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٨ أغسطس ٢٠١٩

يستند المتفائلون باقتراب الحلّ في أزمة الخليج لقدرة إيران الاقتصادية على تلبية ما يريده الأميركيون منها بعيداً عن ضجيج «النووي» والمزاعم حول ميليشيات وأذرع إيرانية تجتاح المنطقة العربية.
فهذه ادّعاءات اخترعها الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي وروّج لها الخليجيون المذعورون من تحوّل إيران بلداً متماسكاً لديه حلفاء ونفوذ على مدى العالم الإسلامي.
فهل التفاؤل في مكانه؟
وصلت أزمة الخليج الى «المفترق» الخطير والأخير المؤدّي الى الخيار العسكري، وذلك بعد استهلاك الأميركيين مجمل أوراق الضغط الخاصة بهم على مستوى بلادهم ونفوذها الواسع جداً في العالم.
في المقابل بدا أنّ هناك إصراراً إيرانياً على تصدير النفط وإلا فإنّ الجمهورية الإسلامية قادرة على منع تصدير نحو 18 مليون برميل نفط يومياً من كامل منطقة الخليج. وهذا يتسبّب بأزمة دولية تدفع بشكل أكيد نحو حرب.
لذلك كان المطلوب وساطات جديدة بين الطرفين الأساسيين للصراع الخليجي، باعتبار أنّ دول الخليج أدوات غير مقرّرة يستعملها الأميركيون لمزيد من التسعير المعادي لإيران.
لقد استجابت قمة السبعة الكبار التي انعقدت في مدينة بياريتز الفرنسية لهذه الحاجة، ورعت حواراً غير مباشر بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تشكل بلاده واحدة من الدول السبع وإيران عبر وزير خارجيتها ظريف الذي حضر فجأة الى بياريتز وعقد لقاءات مع وزيري الخارجية والمال الفرنسيين انتهت بسلسلة تصريحات إيجابية، قابلها رئيس جمهورية إيران الشيخ حسن روحاني بمواقف مرنة.
لكن تصريحات ترامب دفعت بالموقف الى حدود التفاؤل بإشادته بإيران الدولة القوية ذات الإمكانات الكبيرة التي تعيش في «جوار صعب»، كما قال حرفياً.
لقد بدا واضحاً أنّ ترامب يربط بين الاستثمار الاقتصادي لبلاده في إيران بمختلف الجوانب من بيع طائرات وصفقات وصولاً الى إعلانه الاستعداد لتسليف إيران أموالاً مقابل نفط تمتلك منه الكثير، كما أضاف متابعاً بأننا «لن نسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية».
انّ ما أعلنه ترامب في بياريتز أظهر الاهتمام الاقتصادي الأميركي المحوري في أيّ علاقة مع إيران، وذلك من الاستمرار بالإمساك وبالاتهامات وبالمزاعم النووية كوسيلة لإضفاء شرعية على كاوبوي يحاول السطو على قطار إيران المندفع، وهو يضع على قميصه اشارة رجل أمن صالح ومنقذ للبشرية.
إنما لا بدّ انّ ترامب أخفى بعض المطالب الحيوية التي يعتقد انّ التقارب الاقتصادي بين البلدين يؤدّي اليها.
فالإمساك الأميركي المزعوم بإيران لناحية احتكار التعامل الاقتصادي معها، يؤثر على تحالفاتها السياسية ودورها في الإقليم ويمنعها من مواصلة بناء معادلة تحالف قوية مع الصين وروسيا.
هنا يؤكد الباحثون أنّ إيران بالمفهوم الأميركي هي إمكانات اقتصادية هائلة وتحالفات إقليمية وازنة ودور إقليمي يملأ الفراغ المصري الذي قاده الرئيس المصري السابق أنور السادات الى «إسرائيل» في 1979 ولم تعد مصر من «إسرائيل» حتى اليوم. فجاء الدور الإيراني ليُسهم في حماية المنطقة من الهيمنة الأميركية داعماً استمرار القضية الفلسطينية بالاستناد المتنوع والمتواصل ومشتركاً بالمباشر والتمويل في حروب لبنان والعراق وسورية ضدّ الإرهاب والاحتلال الإسرائيلي.
لذلك يطغى أسلوب السماسرة على عقل ترامب محاولاً السيطرة الاقتصادية على الجمهورية الاسلامية بأسلوب يبدو وكأنه يرأف بها مقابل تخليها عن قنبلة نووية ليست موجودة.
هذا الجانب الأول من أحلام ترامب أما الأجزاء الأخرى فتشكل تداعيات ضرورية تسمح في مراحل لاحقة بالاتفاق في سورية والعراق واليمن.
على أساس أنّ التطبيع العلني الإسرائيلي الخليجي يضع عراقيل أمام الدعم الإيراني للفلسطينيين في غزة باعتبار أنّ العرب هم أصحاب القضية ولا علاقة لإيران بها.
إلا أنّ هناك معوقات تقف في وجه هذه الأحلام الترامبية وأولها انّ إيران لا تذهب للتفاوض على اساس أنها مهزومة، بل تؤيد التفاوض على اساس أنّ صمودها أربك الأميركيين وأنّ حلفاءها في وضعية متمكّنة أتاحت لأنصار الله في اليمن قصف السعودية بمئات الطائرات المسيّرة والصواريخ من سواحلها في ينبع عند البحر الأحمر وحتى الشيبه حدودها مع الإمارات، وحليفتها الدولة السورية منتصرة، وحزب الله في أوسع دور إقليمي، والحشد الشعبي في العراق يواصل أدواره العسكرية والسياسية الوازنة، فأين الهزيمة إذاً؟
هناك انزعاج شعبي إيراني من الحصار الأميركي على بلدهم وهذا أدّى الى مزيد من الترابط بين الإيرانيين والكثير من العداء للأميركيين ايّ عكس ما كانت تريده أميركا.
لذلك فإنّ اندفاعة ترامب الاقتصادية نحو إيران ليست أكثر من أسلوب يقدّم به نفسه للأميركيين عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة، على انه المنتصر الذي يحمل على ظهره أموال إيران ليضعها في سبيلهم.
لجهة إيران فإنها تدرك ما يريده ترامب. وهذا يجعلها ترفض البحث في كلّ ما هو سياسي إقليمي او داخلي لأنّ ما يسمّيه الأميركيون أذرعة إيرانية هي قوى شعبية متجذّرة في بلدانها يكفي القول انّ أنصار الله هم فئة من الزيود الذين يحكمون اليمن من ألف عام وإنّ الحشد الشعبي ينتمي الى قبائل العرب الموجودة في العراق قبل الإسلام بآلاف الأعوام، وكذلك حزب الله الذي يعبّر عن آمال اللبنانيين بالحرية والتقدّم، اما الدولة السورية فعضو معترف به في الأمم المتحدة ويحارب مع شعبه إرهاباً مدعوماً من ستين دولة على الأقلّ.
إنّ هذه المعطيات تؤكد انّ ترامب يهرب من الحرب مفضلاً عليها التفاوض مع إيران مقابل انفتاحات اقتصادية على طريقة مفاوضاته مع كوريا الشمالية التي لم تؤدّ إلا الى استمرار نظام كيم جونغ أون في تطوير صناعات بلاده النووية والباليستية وبحيادية أميركية كاملة. فالحاكم في علاقات الدول هي موازين القوى العسكرية والاقتصادية والسياسية بما يؤكد انّ إيران قوية بهذه المعادلة التي تفرض على الأميركيين البحث عن وسائل للتهدئة الى ما بعد انتخاباتها الرئاسية وتكشف أنّ ما يجري اليوم ليس أكثر من هدنة فرضها صمود إيران وقوة تحالفاتها في الإقليم.