سلسلة عن الترجمة..أنواع الترجمة (2).. بقلم: هلا سليمان دقوري

سلسلة عن الترجمة..أنواع الترجمة (2).. بقلم: هلا سليمان دقوري

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ سبتمبر ٢٠١٩

أنواع الترجمة:
يمكن أن تكون الترجمة، من وجهة النظر الكلاسيكية، إما تحريرية أو فورية أو سمعبصرية. لكن يمكن أن تندرج عشرات الأنواع الفرعية والمتداخلة تحت هذه الأنواع الرئيسة.
فإذا ما نظرنا إلى الترجمة التحريرية وهي النوع الشائع والذي اعتمدت عليه عمليات نقل العلوم والمعارف نجد أنها بالفعل تحويل نص مكتوب إلى نص آخر مكتوب مع مراعاة جميع القواعد النحوية (grammar) والاصطلاحية (terminology) وما يخص علم التراكيب، وعلامات الترقيم.
أما بخصوص المصطلحات لنبدأ بتعريف المصطلح أولاً وهو مكافئ لفظي تم إيجاده ليقوم بمهمة دلالية عجز أو قصر عنها المصطلح القديم. ويتم توليد المصطلحات عبر آليات عديدة التي تعتمد على قواعد شتى كالنحت (iraqinazation العرقنة – أو الناتو أي معاهدة حلف شمالي الأطلسي NATO) تماماً كما هو النحت بالعربية فقط لكلمة حوقل أي قال لا حول ولا قوة إلا بالله، أو الاقتراض (كما في كلمة كمبيوتر computer أو تكنولوجيا technology) أو الاشتقاق (مثل اشتقاق كلمة ماكينة ومكننة الإنتاج من machine). 
وتعتمد على استخدام الأسلوب العربي الأصيل الذي يراعي فيها المترجم دقة المعنى وحسن صياغته وسلاسة أفكاره وحسن ربط جمله بحيث لا يبدو وكأنه نص مترجم. ويُتوخى في هذا النوع من الترجمة الدقة البالغة ليس في نقل الأفكار فحسب وإنما في نقل الصور البيانية والاستعارات والمفردات والعبارات التي تخص ثقافة دون أخرى كما هي الأمثال التي يكون بعضها مشتركاً (May you not live to be a woman يعني الله لا يكبرك) وبعضها خاصاً بلغة دون أخرى (تقبرني وتشكل آسي) وبعضها مقارباً للثقافة الأخرى (الله يرحمه rest in peace).
وتشترط الترجمة التحريرية تمكن المترجم من اللغتين وتمكن من لغته الأم وفي حالتنا هي اللغة العربية (وهذا أحد معايير اختيار المترجمين وفقاً للأمم المتحدة؛ القدرة والكفاءة في الترجمة إلى لغة المترجم الأم)، وكفاءة عالية في فهم النص الأصلي وقدرة على إيجاد المصطلح المناسب وتوحيد المصطلحات في كامل العمل الذي يقوم المترجم بترجمته.
إذن يجب مراعاة استخدام المفردة الدالة على المعنى وليس مفردة قد تكون لها دلالات إضافية أو تكون قاصرة في أحد نقاطها. مثال: عندما نترجم عنوان رواية (امرأة القارورة) لسليم مطر تقفز أمامنا مجموعة كبيرة من المفردات مثل (bottle – jar – phial – can – bowl – flask) ولكن عندما نقرأ الرواية نكتشف أن القارورة لها بعد تاريخي وتراثي وتستخدم لتعبئة المشروبات التي تضفي نوعاً من المتعة والبهجة وتعطر الحياة، لذلك تم اختيار مفردة flask دون أي مفردة أخرى.
* * * * * * * * * *
النوع الثاني هو الترجمة السمعبصرية: 
هذا النوع هو نوع مستحدث، ويعتمد على التقنية الحديثة ووسائل التواصل المرئية والسمعية ويستخدم برمجيات مختلفة. ففي عالمنا المتسارع التقنية علينا أن نواكب التطور ولا نبقي على استخدام ما تعلمناه سابقاً واعتدنا عليه. فالتقنية وجدت لتسهيل عملنا كالكمبيوتر.
ولدينا هنا عدة أنواع:
منها الترجمة الآلية (Machine Translation) والترجمة بمساعدة الحاسب (Computer Assisted Translation). الاختلاف هنا يكمن في القائم على الترجمة إن كان بشرياً أو لا. فالترجمة الآلية هي عبارة عن ترجمة لآلة كما هي الحال مع (Google Translate) حيث يتم الاعتماد على الآلة في ترجمة كلمة أو مجموعة كلمات بشكل آلي. والفائدة من الترجمة الآلية هو السرعة وإعطاء المعنى العام للنص (ولو أن هذه الطريقة غير دقيقة في كثير من الأحيان ولا تتجاوز دقتها 25%). وهذه نسميها باللغة الانكليزية (Gisting Translation).
في الترجمة الآلية يقوم البرنامج الحاسوبي بعملية تحليل لمعطيات النص المدخل ومن ثم عملية معالجة سريعة ليصار إلى الانتهاء بنص قد وقد لا يقارب النص الأصلي إلا ما ندر ولكن يتم هذا تماماً دون تدخل بشري. ولكن لا يمكن إنكار التعديلات البشرية على الترجمة الآلية في غوغل ومواكبتها للعصر. وثمة برامج منتشرة على الشبكة أو في الأسواق تعتمد ترجمة نصوص بأكملها. ولكن كما قلنا الفائدة محدودة ولغايات السرعة والفهم الإجمالي، وليس الدقة.
أما بخصوص الترجمة بمساعدة الحاسب (Computer Assisted Translation) فهي ترجمة بشرية بالاعتماد على مجموعة من البرمجيات التي تسهل الترجمة وتختصر وقت المترجم، كما هي الحال مع برنامج (Trados) الأشهر والذي يساعد المترجم في تقسيم النص إلى خلايا تتوقف على التعليمات التي يدخلها المترجم. كالتوقف عند الفاصلة أو النقطة ووضع الجملة ضمن جدول مؤلف من عمودين بحيث يتم إدخال الترجمة في العمود المقابل للجملة. وهذا البرنامج يفيد في اختصار وقت المترجم، بمعنى أنه إن كان ثمة تكرار لمصطلحات معينة (وهنا يمكن للمترجم أن يشكل قاعدة مصطلحات خاصة به في هذا البرنامج) فسيقوم البرنامج بإعطاء الترجمة لهذا المصطلح الذي تمت ترجمته سابقاً، وإن كانت بعض العبارات متكررة فسيقوم بترجمتها مع إدراج نسبة التطابق مع أول جملة قام المترجم بترجمتها. كما يمكن للمترجم الاستعانة بهذه البرمجية لإجراء عمليات التدقيق أي مقارنة النص المترجم مع النص الأصلي. وهذا كله يترافق مع إنشاء ذاكرة خاصة للترجمة أي قاعدة بيانات تسهل عمل المترجم وتخزن ما أدخله. 
هذا النوع من البرمجيات هو ما ندعوه بالـ (CAT Tools). إذن، تعتمد الترجمة باستخدام الحاسب على:
1. ذاكرة ترجمة (Translation Memory)
2. قاعدة مصطلحات (Termbase)
3. قواميس يتم إدخالها للبرنامج للتأكد من التهجئة والنواحي القواعدية  (dictionaries) وهذه غالباً ما تكون buit-in dictionaries
4. ترجمة آلية يمكن استخدامها إن أراد المترجم ذلك، ضمن البرنامج نفسه. 
5. (المزية الأساسية لهذا النوع من البرمجيات هو إدخال الملف بأي صيغة powerpoint – html – word - excelومعالجته لتتم ترجمته وفق الطريقة الأساسية جدول بعمودين وخلايا للمدخلات)
 
وهناك برامج تستخدمها شركات إنتاج الأفلام أو المسلسلات المترجمة مثل برنامج (subedit – subtitle workshop) وهنا نأتي لما يسمى الترجمة على الشاشة (subtitling) ونقترض منها إلى اللغة العربية كلمة السبتلة ومنها جاءت كلمة سبتل أي خلية الترجمة. 
في هذا النوع من الترجمة لدينا ربط بين حاستي السمع والرؤية حيث يوجد لدينا مادة بصرية ومسموعة وعلينا نقل المسموع بالاستناد إلى ما نراه على الشاشة إلى ترجمة مكتوبة. وهذه لها مواصفات خاصة ليست كمواصفات الترجمة التحريرية.
1. لا يمكننا الاعتماد على الاستماع فقط دون مشاهدة الصورة ولا على مشاهدة العبارة المكتوبة. فعبارة (Green Dragon) هي عنوان لأحد الأفلام مثلاً. إن اكتفى المترجم بترجمة العبارة كما هي مكتوبة أمامه على البرنامج المخصص للسبتلة (أي الترجمة) فسيترجمها "التنين الأخضر" لكن إن شاهد اللقطة فسيعرف تماماً أن المقصود بها هو كتيبة من الجنود الأمريكيين. 
2. بما أن هذا النوع من الترجمة يقصد به العرض على الشاشة سواء من خلال فيلم عادي أو وثائقي، فهذا يعني أن الجمهور المتلقي سيقرأ ما وضع على الشاشة ولكنه لن يمضي وقته في القراءة. لذلك، على المترجم مراعاة اختصار الحوار أو الجمل المنطوقة وإعطاء المعنى العام إن كانت طويلة. ويجب ألا تتجاوز الترجمة السطرين على الشاشة وإلا فوتت على المشاهد الاستمتاع أو الحصول على الفائدة المرجوة. كما يفضل أن تكون الترجمة المدرجة على سطرين أن تكون في أسفل ووسط الشاشة ومكتوبة بخط مقروء وواضح وعلى شكل الهرم لكي لا يضيع على المشاهد رؤية كامل المشهد. وهنا يصعب استخدام علامات الترقيم على النحو المستخدم في الترجمة التحريرية. فهذه الترجمة غير مخصصة للدقة المتوخاة في ترجمة الوثائق والكتب والمقالات.
مثال: 
+ بما أن هذا النوع من الترجمات يعتمد على التقنية واستخدام البرامج الحديثة فهذا يعني أنه يقدم تسهيلات للمترجم لكي ينجز المهام المطلوب منه القيام بها (145 محرفاً)
+ تعتمد هذه الترجمة التقنية والبرمجيات التي تسهل إنجاز المترجم لمهامه (67 محرفاً).
* * * * * * * * * *
وسنرجئ الحديث عن الترجمة الفورية إلى مقال لاحق لأنه حديث يطول ويحتاج إلى استفاضة.
يتبع