معركة الشمال السوري معارك متداخلة.. بقلم: سعد الله الخليل

معركة الشمال السوري معارك متداخلة.. بقلم: سعد الله الخليل

تحليل وآراء

الاثنين، ٢١ أكتوبر ٢٠١٩

لا يمكن اختصار ما يجري في الشمال السوري بالمواجهة العسكرية بين جيش الاحتلال التركي والفصائل الإرهابية المسلحة التي درّبها، وانضوت تحت رايته مباشرة رافعة العلم التركي وصوَر فاتح العثمانية الجديدة رجب طيب آردوغان بمواجهة قوات «قسد»، ولا يمكن اعتبار دخول الجيش السوري على خط المواجهة نتيجة لما يحاول البعض تصويره الانهيار السريع لفصائل «قسد» أمام التوغل التركي السريع داخل الحدود السورية، فمعركة الشمال ليست بهذه البساطة لربطها بين أطراف متناقضة لكلّ منها مشروعها، وإنْ حاولت تركيا ومَن يدور في فلكها تصوير المعركة على أنها معركة مصير لا أحد معني بها سواها.
كذلك تصوّر «قسد» بأنها المعني الأول والأخير بالمعركة كاستمرار لنهج التفرّد بالتمثيل والموقف الكردي والجغرافي منذ نشأتها، وهو ما يجعل منها بصورة أو بأخرى نسخة مشابهة للعقلية العثمانية التي يدير بها أردوغان تركيا بشكل عام ومعركته الأخيرة بشكل خاص، فيما حسم توغل الجيش السوري السريع في مناطق لطالما تجنّب الوصول إليها خيارات الطرفين متسلحاً بالفرصة التي سنحت له مع اشتداد المعارك والانسحاب الأميركي.
تداخل المعارك في الشمال السوري نابع من خصوصيته وأهميته الاستراتيجية على أكثر من صعيد، وهو ما أخّر فتحها إلى زمان نضوج ظروفها الموضوعية لدى الأطراف كافة، ولعلّ أردوغان قرأ تلك الظروف، فبادر لإطلاق معركته قبل غيره على أمل أن يشكل عنصر المفاجأة قوة ضاغطة على الأرض فتكون رصاصته الأولى في معركة الحسم السورية، الورقة الرابحة التي تغنيه عن خسائر السنوات الماضية، فحلم الظفر بالشمال السوري وكسر الشوكة الكردية لا يقلّ استراتيجياً عن الصلاة في الجامع الأموي، حيث اعتقد أنّ «قسد» كواجهة للأكراد السوريين المناهضين للمشروع التركي ستكون وحيدة، في مواجهة غير متكافئة برفع اليد الأميركية عنها مستنداً لفشل حوارها مع موسكو ودمشق مرات عدة.
خابت أمال أردوغان بسرعة التوافق السوري مع «قسد» وقبولها بشروط دمشق بالانضمام للقوات الرسمية العسكرية، ضمن خطة تسمح للجيش بمسك الحدود السورية التركية دون مقاومة «قسد» التي سارعت إلى الموافقة في ظلّ ضيق الخيارات المتاحة، مفضّلة التحالف مع دمشق بدلاً من البحث عن تحالفات ضيّقة تدخلها في حسابات خاطئة قد تؤدّي بها إلى التهلكة، فالبدائل إما جبهة النصرة الوجه الآخر للإرهاب الإخواني التركي أو الوقوف بين نيران الجيشين التركي المتقدّم والسوري الرافض للعدوان، والذي باتت ظروفه مناسبة للتوجه شمالاً متسلحاً بدعم الحلفاء لمواجهة عدوان أردوغان، ونسبة كبيرة من الاستقرار في الداخل السوري تسمح بتوجيه القوات نحو نقاط التماس التركي، فكان خيار «قسد» أن لا تكون الحلقة الأضعف في صراع كبير، وبالرغم من ترحيل الاتفاق على القضايا العالقة لما بعد صدّ العدوان التركي، فإنّ الخطوة تعتبر الأقوى والأكثر فاعلية بعد القرار الروسي الدخول العسكري في سورية في الثلاثين من أيلول 2015 لأنها أعادت تصويب مفهوم الخصومة، والعداوة، فالخصومة السورية ـ السورية وضعت على الهامش لمواجهة العدوان التركي.
الانسحاب الأميركي من سورية عشية بدء العملية التركية وإنْ بدا أنه تسهيل لمهمة أنقرة، إلا أنه سهّل من مهمة الجيش السوري على الأرض، والروسي في السياسة لإغراق أردوغان بين نيران الميدان، وسيف العقوبات الأميركية، وبالرغم من إعلانه عن اتفاق مع أميركا حول المنطقة الآمنة، فإنّ التهديد الأميركي مستمرّ فيما الجيشان السوري والروسي يحشدان القوات لتصل المسافة بينها وبين الأتراك عشرة كيلو مترات، وهو ما يعقد احتمالات المواجهة بالنسبة للتركي فيما توازن روسيا بين دور المفاوض لتركيا على صفيح ساخن والمساند لسورية.
ولعلّ المأزق التركي السياسي بدا واضحاً بالسعي لإظهار مكامن القوة السياسية لأردوغان عبر حضوره في المحافل الإقليمية، والسعي لإطلاق المواقف القوية منها كإعلان المنطقة الآمنة في سورية على هامش اجتماع القمة السابعة للمجلس التركي للدول الناطقة بالتركية بالعاصمة الأذرية باكو في الخامس عشر من الشهر الجاري، أو مشاركته في القمة الثالثة للزعماء الدينيين المسلمين في أفريقيا باسطنبول، وإعلانه التوجه نحو أفريقياً لا حباً بالماس والذهب بل سعياً للسلام والطمأنينة، في وقت يتأزّم فيه الوضع الداخلي لأردوغان بدءاً من خسارته معركة اسطنبول الانتخابية وصولاً للانشقاقات في صف العدالة والتنمية مروراً بالإطاحة بطاولة مفاوضات السلام الكردي والتي استثمرها طويلاً في الانتخابات، إلى الانتكاسات الاقتصادية التي بلغت ذروتها بانخفاض قيمة الليرة فخسرت الليرة قيمتها في سوق العملات واحد في المئة مع إعلان العملية العسكرية في سورية، فيما تراجع المؤشر الرئيسي لبورصة اسطنبول بنسبة 17 في المئة، إضافة إلى المؤشرات السلبية لكلّ المناحي الاقتصادية التي تؤكد بأنّ انسحاب واشنطن من سورية، وفرض العقوبات على تركيا وما يجري في شمال سورية، سيغيّر من معادلات القوة في الشرق الأوسط حيث يسير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باتجاه تثبيت قواه كلاعب دولي وحيد في أكثر المناطق حساسية، فما الذي يدفع ترامب لإعلان الانسحاب من ساحته هل هي الهزيمة…؟! أم أنه يمهّد لمعركة جديدة في ساحة أخرى يمتلك أوراق قوة أكثر..؟ معركة الشمال ستكشف التفاصيل.