اتفاق سوتشي: رابحون وخاسرون.. بقلم: محمد نور الدين

اتفاق سوتشي: رابحون وخاسرون.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٩

أرخى اتفاق سوتشي بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، بظلاله على المشهد السوري بكامله. وقد حظي بمتابعة مكثفة وواسعة واهتمام كبير من الرأي العام التركي والخبراء والمحللين العسكريين والسياسيين
 
يرى عبد القادر سيلفي، المقرّب من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في صحيفة «حرييت» التركية، أنه باتفاق سوتشي بدأت مرحلة «سوريا جديدة»، وضع أسسها إردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. وستكون هذه المرحلة بشراكة تركية ــ روسية. ويشير إلى أنه من تصريحات بوتين كانت روح الأكراد والرئيس السوري بشار الأسد تحوم في قاعة المؤتمر الصحافي، مشدداً على ضرورة بدء حوار بين الحكومة السورية والأكراد. ولكن السؤال: مع أيّ أكراد؟ إذا كان المقصود «قوات الحماية» الكردية، فإن المسألة ستكون خطيرة. لكن في جميع الأحوال، فإن بوتين بات يمسك بالورقة الكردية السورية. العنوان الثاني، يقول سيلفي، هو إشارة بوتين إلى أن السلام والاستقرار في المنطقة سيضمنه السوريون والأتراك، في مؤشر قوي على جهود التقريب بين دمشق وأنقرة. ويعدّد سيلفي مكاسب تركيا، قائلاً: إن أوّلها إقامة منطقة بإشراف تركيا من رأس العين إلى تل أبيض بعمق 32 كلم، والثاني إبعاد «قوات الحماية» الكردية على امتداد الحدود بعمق 30 كلم.
بدوره، يلفت سادات إرغين، في الصحيفة نفسها، إلى أن الاتفاق قد تشكّل في ظلّ تقاطع المصالح بين تركيا وروسيا، مع فارق الآن أن النظام السوري قد دخل للمرة الأولى لاعباً ثالثاً قوياً. ويعتبر إرغين أن الاتفاق مع واشنطن حول «المنطقة الآمنة» حظي في اتفاق سوتشي بموافقة بوتين، موضحاً أن روسيا كانت تريد انتشار الجيش السوري على امتداد الحدود، لكنها تراجعت وقبلت بأن تكون منطقة الـ120 كلم تابعة لتركيا. في المقابل، كانت تركيا تريد السيطرة على 444 كلم من الحدود، لكن اتفاق سوتشي حال دون ذلك، واكتفى بتسيير دوريات مشتركة مع روسيا خارج حدود «المنطقة الآمنة» وبعمق 10 كلم. ويرى إرغين أن تركيا حققت أحد أهم أهدافها الاستراتيجية، وهو إبعاد «الإرهاب» الكردي عن حدودها، ليس فقط من شرقي الفرات، بل بدءاً من منبج وتل رفعت. وهذا يعني أن «قوات الحماية» الكردية ودّعت بنيتها العسكرية التي أنشأتها على امتداد 7 سنوات، مستدركاً بأن إحدى أهم نقاط الاتفاق هي تولي الجيش السوري مهمة الإشراف والمراقبة على منطقة بطول 320 كلم كانت تركيا تريدها لنفسها. وهذا يعني أن الدوريات التركية ــ الروسية المشتركة بعمق 10 كلم على امتداد الحدود ستكون في وضع قريب جداً، وربما على تماس مع نقاط تمركز الجيش السوري، الأمر الذي يفرض إيجاد آليات تنسيق بين تركيا وسوريا. أما الحديث عن اتفاقية أضنة فهو يعني أن كل الدروب تسير نحو تطبيع العلاقات بين إردوغان والأسد، مع إضافة إمكانية مراجعة الاتفاق بما يؤمّن آلية ثلاثية لتطبيقه بين تركيا وسوريا وروسيا، وهي الأطراف الثلاثة التي ملأت الفراغ الاستراتيجي الذي تركه الانسحاب الأميركي من سوريا.
من جهته، يعرب المحلل المعروف مراد يتكين عن اعتقاده بأن إردوغان نجح بشكل كبير في لعبة إظهار الأوراق بوجه الولايات المتحدة وروسيا في الوقت نفسه، ولكنه رضخ لمطلب بوتين، وهو البدء بإقامة علاقات مع بشار الأسد وفقاً لاتفاقية أضنة. اليوم، يتخلى إردوغان عن مطلب إسقاط النظام والأسد، مؤيداً التعاون، إن لم يكن مع الأسد شخصياً، فعلى الأقل مع النظام البعثي. وإلى إردوغان وبوتين والأسد، يقدّر يتكين أن دونالد ترامب الذي انسحب من سوريا يُعتبر، رغم ذلك، من بين الرابحين، لأن قرار سحب الجنود ووقف الإنفاق على الحروب سيفيده انتخابياً. الخاسر الأكبر، برأيه، هو حزب «العمال الكردستاني»، الذي كان على عتبة إقامة دولة حكم ذاتي في شمال سوريا. إسرائيل أيضاً، وخصوصاً بنيامين نتنياهو، من بين الخاسرين. وهي التي كانت تدعم بشدة إقامة دولة كردية ضد إيران. وما عدا ألمانيا، فإن الاتحاد الأوروبي من الخاسرين، وهو الذي كان يقف ضد تركيا داعماً الأكراد. مع ذلك، فإن طريق تركيا ليست سهلة وتواجه تحديات كثيرة، مثل: من أين لها المال لتقيم مدناً للاجئين في شرقي الفرات؟
في صحيفة «غازيتيه دوار»، كتبت مهدان صاغلام مقالة بعنوان «نحو أيام أسدية من جديد في سوريا»، قائلة إن اتفاق سوتشي أبطل الخطاب التركي برحيل الأسد، وفتح أمام عودة تركيا للتعامل مع النظام السوري. وحال الاتفاق دون مطلب تركيا أن تكون «المنطقة الآمنة» على امتداد الحدود. ولم يقتصر الأمر على تراجع تركيا من منطقة بعرض 440 إلى 120 كلم، بل تعدّاه إلى موافقتها على إدخال منبج ضمن منطقة سيطرة النظام السوري. وأشارت صاغلام إلى أن سلاح «قوات الحماية» الكردية لن يُسحب كما تريد تركيا، بل يُتوقع أن ينضم إلى الجيش السوري. أما النقطة الغائبة عن الاتفاق، فهي إدلب التي لو أنها دخلت فيه لما كان له أن يبصر النور، وفق الكاتبة التي اعتبرت أن تغييب إدلب يظهر أنها ستنتقل إلى يد النظام. وخلاصة الاتفاق، بحسبها، أن الحرب في سوريا انتهت، وأن الأسد سيعود حاكماً مطلقاً، وأن خريطة سوريا الجديدة تتشكل خطوة خطوة وفقاً لما تريده روسيا وإيران وسوريا.
وفي الصحيفة نفسها، يكتب فهيم طاشتكين أنه بين إنهاء مشروع الإدارة الذاتية للأكراد وعودة سيطرة النظام تتشكّل سوريا الجديدة التي فتح بابها إعلان دونالد ترامب الانسحاب منها. ومع تهديدات ترامب لإردوغان بالعقوبات، لم يبق أمام الأخير سوى طرق باب بوتين. ومع أن اتفاقية سوتشي في بعض جوانبها أراحت إردوغان، لكنها فتحت أبواب سوريا أمام تمكين الاستراتيجية الروسية فيها. ويرى طاشتكين أن المرحلة المقبلة تتعلق بغربي الفرات، وخصوصاً إدلب، معتبراً أن زيارة الأسد إلى خطوط التماس مع إدلب بدت كما لو أنها إطلاق إشارة عودة النظام إليها. ويلفت إلى أن السؤال هو حول تموضع «قوات الحماية» الكردية في المرحلة الجديدة، حيث تقول واشنطن إنها ستواصل التعاون معهم في حقول النفط، فيما هم إلى جانب استمرار التعاون مع أميركا والحوار مع دمشق. وينهي طاشتكين مقالته بالقول إنه بعد تطبيق اتفاقية سوتشي وإنهاء الوضع في إدلب، ستكون تركيا مدعوّة إلى تطبيق البند الأول من الاتفاق حول وحدة سوريا وسلامة أراضيها. ومن دون الكثير من العجلة سيقولون لتركيا: «لقد حان دورك للانسحاب».