من يخاطر في عملية عزل ترامب؟.. بقلم: د.منار الشوربجي

من يخاطر في عملية عزل ترامب؟.. بقلم: د.منار الشوربجي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٩

المخاطر التي يواجهها الحزبان الجمهوري والديمقراطي من وراء إجراءات العزل الدائرة اليوم في الكونجرس، لا تقل بحال عن المخاطر التي يواجهها الرئيس نفسه بل ونائبه.
 
فلا شك أن قصة أوكرانيا أكثر خطراً على الرئيس الأمريكي بكثير من قصة التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة لعام 2016.
 
فالتحقيقات التي أجراها المحقق الخاص روبرت موللر على مدار شهور بخصوص ما إذا كانت حملة ترامب قد نسقت، وبعلم ترامب نفسه، مع الروس للتأثير علي الانتخابات، فإن تلك التحقيقات لم تُجرَ في العلن.
 
فهي كانت تحقيقات يقوم بها مكتب المحقق الخاص عبر استدعاء شهود وسؤالهم أو مشتبه بهم واستجوابهم. وهي تحقيقات، بطبيعتها، لا تحدث في العلن، باستثناء بعض التسريبات، وذلك حتى يتم إصدار تقرير المكتب الذي يعلن فيه نتائج التحقيقات.
 
أما التحقيق بشأن تعليق ترامب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، حتى تعلن الأخيرة رسمياً فتح تحقيقات مع منافسه على منصب الرئاسة جو بايدن وولده، فقد صار علنياً بعد أن كان يدور بعيداً عن الأعين. فالتحقيقات بدأت في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، أولاً، خلف أبواب مغلقة.
 
وهي عادة ما يكون هدفها منح الشهود الفرصة للإفصاح عن معلومات تخص الأمن القومي الأمريكي. لكن بمجرد تحول تلك الجلسات للعلن، تصبح المخاطرة أعلى بالنسبة للرئيس لأنها قد تغير تفضيلات الرأي العام الأمريكي.
 
أما الفارق الثاني بين تحقيقي مولر والتحقيق بخصوص أوكرانيا، فهو أن كل الشهود حتى الآن عملوا أو يعملون حتى الآن في إدارة ترامب، وكانوا بدرجات مختلفة يلعبون أدواراً مهمة في تنفيذ السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا.
 
والمخاطرة لا تتعلق بترامب وحده، وإنما تطال نائبه مايك بنس أيضاً. فوسط الوقائع التي شهدتها القصة، كما يرويها الشهود، كان ترامب قد اعتذر عن زيارة رسمية مزمعة لأوكرانيا وأرسل بنس نيابة عنه. وفي لقائه مع رئيس أوكرانيا، الذي سأله بوضوح عن المساعدات العسكرية، أجاب بنس بأن الرئيس الأمريكي يربطها «بمحاربة الفساد السياسي».
 
وهو التعبير نفسه الذي صارت إدارة ترامب تستخدمه للدفاع عن رغبة ترامب في فتح أوكرانيا تحقيقاً مع بايدن وابنه، باعتباره جزءاً من الفساد الذي يجب على أوكرانيا مكافحته. وهو الأمر الذي يمكن بموجبه أن يتم مد تحقيقات الكونجرس لتشمل بنس هو الآخر.
 
لكن المخاطر لا تقتصر على تلك التي يواجهها ترامب ونائبه، إذ هي تشمل الحزبين الكبيرين، وقد تكون تكلفتها هي المستقبل السياسي لأحدهما في انتخابات العام القادم ولسنوات قادمة. أما الحزب الديمقراطي، الذي يقود حاليا إجراءات العزل، كونه حزب الأغلبية بمجلس النواب، فإن الخطر الأفدح الذي يتهدده يأتي من المغالاة لحد التجاوز.
 
وهو فخ يسهل على حزب الأغلبية الوقوع فيه في ظل الاستقطاب السياسي الحاد الذي تعيشه واشنطن. فمثل تلك المغالاة، والتي تتمثل في التفكير فقط في ردود أفعال أكثر الناخبين الديمقراطيين ولاء للحزب، تجاه ما يحدث في تحقيقات الكونجرس.
 
وهو ما يؤدي بالضرورة للمبالغة في اتخاذ المواقف. وتلك المبالغة تدفع نحو المزيد من الاستقطاب السياسي، الذي يهزم بدوره محاولات عزل ترامب ويودي بمستقبل الديمقراطيين.
 
وتلك الحالة كانت هي بالضبط ما جرى في محاولة عزل كلينتون عام 1998 التي انتهت بارتفاع شعبيته لمستويات غير مسبوقة بعدما فشلت محاولات عزله حيث وصلت عند تركه الحكم بعد عامين فقط لأكثر من 60%. فخصوم كلينتون الجمهوريون وقعوا وقتها في فخ المغالاة فكانت تلك النتيجة. ولو كان كلينتون وقتها، في مدته الأولى ويسعى لمدة ثانية، لكان قد انتخب بأغلبية كاسحة.
 
أما الخطر الذي يتهدد الحزب الجمهوري، فهو المبالغة هو الآخر في دعم ترامب بغض النظر عن الحقائق التي ستكشفها التحقيقات.
 
فحسابات الجمهوريين بالكونجرس في دعمه حاليا مؤداها أن جمهور ترامب الأساسي صار مهيمناً على مقدرات الحزب، بما يستحيل معه تجاهله من جانب أي عضو جمهوري يسعى لإعادة انتخابه العام القادم. وهي حسابات تقوم هي الأخرى، كما هو واضح، على الاهتمام فقط بذلك الجمهور دون باقي الناخبين. والدرس الأهم هنا يأتي من إرث نيكسون.
 
فريتشارد نيكسون استقال من منصبه بعد أن صار واضحاً أن الكونجرس سيعزله لا محالة. ورغم أن أعضاء حزبه الجمهوريين لم يدعموه بعدما صارت الحقيقة دامغة، فإن الحزب هزم في أول انتخابات رئاسية تالية عام 1976. وهو ما ينذر بمخاطرة للحزب، ليس بالرئاسة هذه المرة، وإنما بالأغلبية في مجلس الشيوخ.
 
باختصار فإن ما يجري بالكونجرس حالياً له تداعياته الكثيرة على مستقبل السياسة الأمريكية على المدى القصير وربما المتوسط أيضاً.