الأزمات النووية المقبلة.. بقلم: ريتشارد هاس

الأزمات النووية المقبلة.. بقلم: ريتشارد هاس

تحليل وآراء

السبت، ١٤ ديسمبر ٢٠١٩

قبل بضع سنوات، بدا كأن معضلة الأسلحة النووية قد تمت إدارتها بنجاح، إن لم يتم حلّها. لقد تمّ تخفيض المخزونات النووية الأميركية والروسية بشكل كبير عن أعلى مستوياتها في الحرب الباردة، وساعدت اتفاقيات الحد من الأسلحة في تقييد الأنظمة المتوسطة والطويلة المدى. ولكن كل هذا الآن قد يكون بلا فائدة.
إن التقدم على مدى الجيل الأخير، لم يقتصر على الولايات المتحدة وروسيا. لقد تمّ إقناع ليبيا بالتخلّي عن طموحاتها النووية، وأحبطت إسرائيل التطوير النووي العراقي والسوري، وتخلّت جنوب أفريقيا عن ترسانتها النووية الصغيرة. وقّعت إيران على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والتي قيدت قدرتها على الحصول على العديد من المتطلبات الأساسية للأسلحة النووية. وفي الآونة الأخيرة، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات صارمة تهدف إلى إقناع كوريا الشمالية بالتخلّي عن برنامج الأسلحة النووية المتواضع نسبياً، ما يمهّد الطريق لإجراء محادثات رفيعة المستوى بين المسؤولين الكوريين الشماليين والأميركيين. وبطبيعة الحال، لم يتم استخدام أي سلاح نووي في الحرب لمدة ثلاثة أرباع القرن، منذ أن أسقطت الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على اليابان للتعجيل في نهاية الحرب العالمية الثانية. في الصيف الماضي، أعلنت الولايات المتحدة انسحابها من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى لعام 1987، حيث اتهمت روسيا بانتهاك شروط المعاهدة. ستنتهي معاهدة حظر الصواريخ النووية المتوسطة المدى المُوقّعة بين أميركا وروسيا في عام 2021 ما لم يتم تمديدها، وهذا أمر غير محتمل: سوف يلتزم كلا البلدين بموارد كبيرة لتحديث ترساناتهما الحالية. علاوة على ذلك، بعد انسحابها من خطة العمل الشاملة المشتركة، زادت الولايات المتحدة من المخاطر الناجمة عن إيران. لم يكن الاتفاق المُوقّع عام 2015 كاملاً. على وجه التحديد، فإن العديد من القيود المهمة التي يفرضها لن تستمر سوى 10 أو 15 سنة، كما لم يحد الاتفاق من تطوير الصواريخ البالستية الإيرانية. لقد أسهم في وقف النشاط النووي الإيراني وسمح بإجراء عمليات تفتيش دولية. بكل المقاييس، كانت إيران تحترم أحكامها. ومع ذلك، بدأت إيران عملية بطيئة وثابتة لتجاوز الحدود المنصوص عليها في الاتفاقية، وذلك لإقناع الولايات المتحدة وأوروبا بتخفيف العقوبات الاقتصادية. وفقاً لحساباتها، يمكن أن تقلّل هذه الخطوات بشكل كبير الوقت الذي تحتاج إليه لإنتاج أسلحة نووية من دون التعرّض لهجوم. لكن من المحتمل أن تقود تصرفات إيران الولايات المتحدة، أو على الأرجح إسرائيل، إلى توجيه ضربة وقائية تهدف إلى تدمير جزء كبير من برنامجها. يمكن أن تقود مثل هذه الضربة عدة قوى إقليمية أخرى، بما في ذلك تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، إلى تطوير أو امتلاك أسلحة نووية خاصة بها. لقد اقترحت تركيا، المنعزلة بشكل متزايد عن العديد من حلفائها، أنها قد تختار تطوير أسلحة نووية بغض النظر عمّا تفعله إيران.
تتجاوز كوريا الشمالية إيران بفارق كبير: لديها بالفعل عشرات الأسلحة النووية والصواريخ، وقد اختبرت صواريخ يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة، وتقوم بتطوير أسلحة نووية تطلقها الغواصات. إن فكرة موافقة كوريا الشمالية على التخلي عن أسلحتها و«نزع الأسلحة النووية» هي فكرة خيالية. يعتقد زعيمها، كيم جونغ أون، أن الأسلحة النووية وحدها هي التي يمكنها ضمان بقاء نظامه، وهو اعتقاد تعززه تجربة أوكرانيا، التي قبلت الضمانات الأمنية في مقابل التخلي عن الأسلحة النووية التي ورثتها من الاتحاد السوفياتي، فقط لتتمكن روسيا من غزوها بعد 25 سنة. تتمثل إحدى المخاطر في حصول كوريا الشمالية على مدى السنوات القليلة المقبلة على ترسانة كبيرة من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً للولايات المتحدة. يكمن الخطر الآخر في حاجة جيران كوريا الشمالية، بما في ذلك كوريا الجنوبية واليابان، إلى أسلحة نووية خاصة بها نظراً إلى تهديد كوريا الشمالية وتراجع ثقتهم بموثوقية الولايات المتحدة وضماناتها لحمايتهم بقواتها النووية. يُعدّ السباق للحصول على أسلحة نووية، والذي يمكن أن يؤدي إلى حرب وقائية، خطراً حقيقياً في كلا المنطقتين. حتى لو تم تجنّب هذه الحرب، فإن وجود ترسانات نووية متعددة سيزيد من إغراء بلد أو أكثر للضرب أولاً عند حدوث الأزمة. قد تصبح مقولة «ما لا تستخدمه تفقده» وصفة لعدم الاستقرار والصراع عندما لا تكون القدرات قوية بما يكفي لاستيعاب أي هجوم ولا تزال قادرة على تحديد نوع الانتقام المدمر الضروري للردع الفعال. علاوة على ذلك، تُعدّ الهند وباكستان، وهما دولتان لهما تاريخ طويل من الصراع الثنائي، قُوتين نوويتين. لا يمكن افتراض الردع النووي. من السهل للغاية تصوّر هجوم إرهابي تدعمه باكستان يؤدي إلى انتقام هندي، والذي بدوره قد يدفع باكستان إلى التهديد باستخدام الأسلحة النووية، لأن قواتها العسكرية التقليدية لا يمكنها التنافس مع قوات الهند. هناك أيضاً احتمال تراجع القيادة والسيطرة على الأسلحة، ويمكن أن يجد جزء من هذه الأسلحة أو أكثر طريقه إلى أيدي الإرهابيين. لقد مرّ ما يقرب من 60 عاماً منذ أن توقّع مرشح رئاسيّ شاب يدعى جون ف. كينيدي أن ما يصل إلى 20 دولة يمكن أن تحقق القدرة على صنع الأسلحة النووية بحلول نهاية عام 1964. لحسن الحظ، ثبت خطأ كينيدي، وقد وصل عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية إلى تسعة دول فقط. لقد أثبتت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لعام 1968 أنها فعالة للغاية، ويعزى ذلك جزئياً إلى دعمها لمنع تصدير التكنولوجيات الحيوية وتحديد الأسلحة والعقوبات وقوة التحالفات، ما يقلّل من حاجة البلدان إلى الاعتماد على نفسها. ولكن مع توافر التكنولوجيا النووية بشكل متزايد، وتفكك اتفاق الحد من التسلح وسط تجدد التنافس بين القوى العظمى، وإضعاف التحالفات مع انسحاب الولايات المتحدة من العالم، وتلاشي ذكريات هيروشيما وناغازاكي، نحن على وشك دخول مرحلة جديدة وخطيرة. قد تصبح المنافسة النووية أو حتى استخدام الأسلحة النووية مرة أخرى أكبر تهديد للاستقرار العالمي. من غير المؤكد إذا ما كان قادة اليوم على استعداد لمواجهة هذا التحدي المقبل.
(عن موقع Project Syndicate)