بناء الإنسان.. بقلم: سامر يحيى

بناء الإنسان.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٢١ ديسمبر ٢٠١٩

تناولت إحدى قصص الكاتب البرازيلي "باولو كويلو" أنّ الأب تضايق من تساؤلات ابنه الذي يشغله عن قراءة الجريدة، مما دعاه لتمزيق صفحة فيها خريطة العالم وطلب منه تجميعها، ظناً منه أنه سيأخذ وقتاً طويلاً ليفاجئ بسرعةٍ تطبيقه إياها، قائلاً له يا أبتِ استطعت تجميع صورة الإنسان الذي في خلف الخريطة فاستطعت بسرعةٍ إعادة بناء العالم.
بناء الإنسان بالشكل القويم يختصر الكثير من الوقت والجهد، ويمكّن من تسريع عملية إعادة الإعمار والنهوض بالوطن أقوى، والوقوف بوجه محاولات أعداء الوطن الهادفة لإلهائنا بالشعارات والتفكير بموضوعاتٍ آنيةٍ وقتية تدغدغ المشاعر، ورفع سويّة الإنتاج والإبداع والتفكير المنطقي بكل مجالات الحياة، ولكن هل يكفي التنظير ورفع الشعارات والتوصيات التي نكاد نسمعها من الجميع لبناء سوريتنا، أم يجب أن ينطبق ذلك على أرض الواقع، فالمقالة والحوار والندوات التي لا يتم تطبيقها على أرض الواقع لا فائدةً منها، والطفل الذي طبّق الصورة قد فكّر ووضع تصوّراً ذهنياً قابلاً للتطبيق لاستكمال تجميع صورة الإنسان، ولم ينظّر ويبرّر... .
من يتحمّل المسؤولية، بالتأكيد من هم في سدّة المسؤولية، لأنّ دورهم هو استنهاض الجهود، وتوفير التدريب والتأهيل المناسب لكلٍ ضمن تخصصه والمهام المنوطة به، وتأمين البنية التحتية الملائمة، والتفاعل الحيوي الفعّال، بعيداً عن التنظير والأوامر الارتجالية، فمن المعيب أن يسمع موظّف بالمؤسسة عن تغييراتٍ أو تعديلٍ بعمل مؤسسته، وهو المفترض أن يكون له دورٌ في تقديم البيانات والرؤى والأفكار كونه على احتكاك مباشر مع المهام المنوطة بالمؤسسة، والأقدر على تقريب المسافة بين المواطن ومؤسساته الوطنية، والخطر الأكبر الذي يؤثر على عمل المسؤول وانتاجية مؤسسته، التنظير وتبرير وتحميل المسؤولية للآخر، بدلاً من البحث والتمحيص والمشاركة لإيجاد أفضل السبل لتجاوز التحديّات وابتكار أفضل الحلول للخروج من أيّة مشكلةٍ تعترض العمل المؤسساتي وتعيق قيامها بالدور الملقى على كاهلها، واستنهاض كلّ مفاصل العمل، بما يساهم بتأمين الأرضية المناسبة، والتوجيه البنّاء والبدء الحقيقي بعملية الإنتاج بقوّة عبر تعاون كافّة المؤسسات لأنّ كلٌ منها جزءٌ من الإطار الجامع لإدارة موارد الوطن وتوجيه أبنائه على امتداد ثراه المقدّس داخل الوطن وخارجه..
فكرةٌ تطرح على سبيل المثال، بدلاً من تجميد البنوك للأموال لديها، أو تقديمها على شكل قروضٍ شخصية، ومن ثم ندّعي الاستغلال والاحتكار وما شابه من حججٍ أثّرت كثيراً على المواطن والوطن بآنٍ معاً، أن تموّل المصارف الخاصة والعامة على حدّ سواء الشركات الوطنية كلٌ ضمن تخصصها واختصاصها لتوفير الموارد بالطريقة التي تناسب الوضع التي تمرّ به سوريتنا، واستثمار المواد الخام لتشجيع عملية الإنتاج والموارد والطاقات المتجدّدة، لتحقيق قاعدة الاعتماد على الذات التي كانت سر نهوض سوريتنا، ودعم الصناعات الوطنية وبناء الشقق السكنية، لا سيّما في المناطق التي تعرّضت للإرهاب، فإعادة بنائها بشكلٍ منظّم ومدروسٍ وصحيّ، يساهم بزيادة عدد الشقق السكنية، ومضاعفة الفائدة القصوى للمواطن والشركة المنجزة عدا عن توفير فرص عملٍ لكافة التخصصات والاختصاصات، والأهم القضاء على العشوائيات والتشوّهات البصرية والجمالية للأحياء.
كما أنّه من المفترض، لا سيّما أن البنية التحتية موجودة لدى العديد من التجار والمحال التجارية، بأن يتم وضع برنامج محاسبي على المستوى الوطني، تقدّم نسخة منه للجهات المختصة بشكلٍ فوريٍ وآني، وبالتالي تستطيع الجهات المكلّفة بالدراسة والبحوث الاقتصادية والتجارية لدى المؤسسات المتخصصة لا سيما هيئة تخطيط الدولة، بالقدرة على جباية الضريبة بشكلٍ فوريٍ وعادل، ودراسة الموارد التي يحتاجها أبناء الوطن لبناء المصانع والشركات التي تساهم بتأمين تلك الموارد بالشكل الأكبر، والقضاء على التهرّب الضريبي والتهريب من وإلى وطننا، لوجود التنظيم الحقيقي وتفعيل دور الجهات المتخصصة بالشكل الأمثل، وبدل اغلاق المحال المخالفة يتم استثمارها لصالح المؤسسات الوطنية خلال فترة الحرمان أو العقوبة للمخالف، كما تقوم الشركات المتخصصة بإعادة التدوير لتأمين البنية التحتية لذلك بتوفير الحاويات ونشر الدعايات لتجميع الورق والزجاج وفرز القمامة بالشكل الأمثل، لأن الكثير من التجارب ضاعت الجهود هباءً منثورا لعدم وجود تدويرٍ حقيقي لهذه المواد.
إن الجمهورية العربية السورية، باعتبارها قلب العروبة النابض، ودولة لا ترضى أن تكون إلا ندّاً لكل دول العالم، وترفض التبعية لأحد، ما زالت وستستمر مواجهة حصاراً اقتصادياً وإرهاباً مدعوماً من دولٍ تدّعي حقوق الإنسان، وتضليلٌ إعلاميٌ ممنهج، يفترض أن المسؤولين فيها باتوا قادرين على عدم الوقوع في فخّ المؤامرات، ولديهم الخبرة والمهنية الكافية لتجاوز كل المعوّقات، وعدم السماح للآخر باستغلال أو اجتزاء كلامهم أو تحويره واستغلاله عكس الهدف المنشود منه، لتحقيق الحلم على أرض الواقع، لأحل الحلم ليس تنظيراً إنّما بصيص ضوء يتّسع كلّما اقتربنا أكثر ليشع على كامل تراب سوريتنا المقدّس.