محطات.. بقلم: الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

محطات.. بقلم: الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢٥ ديسمبر ٢٠١٩

تمضي الأيام ويمضي معها قطار العُمر.. تارةً يكون مسرعاً وتارة أخرى يكون بطيئاً ثقيلاً يتأرجح وفق ما تحمله الليالي من آمال أو آلام..
مسيرة الحياة شائكة يتوه الكثير في دروبها لا سبيل للخروج من متاهتها إلا من التمس طريقه بنور الحب.
ظلام الليل يخيم على الأجواء ولكن القمر يسطع نوره بقوة يخترق الظلام ويضفي على الوجود ألقاً ٠٠٠٠هكذا هي دمشق رغم السواد الحالك.. رغم الشر القاتل الذي ساد في ربوعها إلا أنها استطاعت بنورها أن تفرض وجودها على الساحة العالمية.. الخير يفيض منها والنور يملأ آفاقها.. وبياض ياسمينها يعطر أجوائها.
دمشق حاضرة التاريخ لا يندثر نورها أبداً.
أيام قليلة تفصلنا عن عام جديد تُراه ماذا يخبئ لنا في صفحاته؟
لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، ولكن ممكن قراءته على ضوء مسيرتنا.. الحاضر استمرار للماضي إذا تابعنا المسير في الاتجاه ذاته وكررنا الخطوات نفسها!
لا نستطيع تغيير الماضي، ولكن من الخطورة الاستمرار في تكرار أخطائه في عبثية قاتلة وهذا يستدعي منا جميعاً الهدوء، وتفكر الحكماء بصمت ومحاولة استرجاع الأحداث التي مرت بنا لفهم الحال الذي آلت إليه أوضاعنا.. لا نريد أن نختبئ خلف الدموع ولا توجيه الاتهامات لبعضنا البعض.. نحتاج للحظات صدق مع الذات علّنا نتجلى الحقيقة بهدف تلافي أخطاء الماضي بهدف الاجتماع على قلب واحد وكلمة واحدة، والنهوض من جديد، ولكن برؤية جديدة تواكب تطورات الوضع.
الإنسان مسؤول عن حياته وعن الطريقة التي يعيش بها والمسؤولية تقع على عاتق كل إنسان سوري في هذه الحالة التي نعيشها اليوم!
أسئلة كثيرة يجب أن نطرحها في هذه المرحلة المفصلية من حياتنا.. رغم صمودنا وثباتنا في وجه التيار الظالم.. رغم انتصارنا إلا أن مُصابنا كبير والطعنات كانت قاسية وأتت من كل حدب وصوب.. الجسد مثقل بالجراح.
والقلب مفعم بالأحقاد وما زالت الجروح تنزف يجب علينا مداواتها، حتى يستعيد الجسد صحته وقوته.
إذا أعدنا قراءة المرحلة السوداء التي مررنا بها ماذا تعكس في خفاياها؟؟
ما نقاط الضعف التي عملوا على استغلالها؟
كيف استطاعوا اختراقنا في بعض النقاط؟
أيُعقل أن ينخرط بعض أفراد أمتنا في حرب ويحمل السلاح في وجه أخيه الإنسان وينسى عدوه الأوحد؟
من هو عدونا الحقيقي؟
هل مفهوم العدو واضح للجميع؟
حتى بعض من إخواننا الفلسطينيين الذين فتحت لهم دمشق قلبها لم تسلم من غدرهم،تاه بعضهم في غياهب هذا الإعصار ونسوا عدوهم الحقيقي وعدو الأمة العربية.
أين نحن من الحب بما تحمله هذه الكلمة من قيم إنسانية؟
هل نمتلك في داخلنا الحب الكافي لهذا الوطن؟
هل نحن حريصون على ازدهاره؟
هل نمتلك الوعي الكافي لذلك؟
يكفي أن أطرح مثال بسيط جداً حيث نجد الكثير منا يحرص على نظافة منزله، ولكنه يرمي الأوساخ في الشارع غير مبالياً بالنظافة العامة، وكأن الشارع لا ينتمي إليه!
المهم هو بيته ولا يدرك مدى تأثير ذلك على تلوث البيئة وكيف يؤثر بالتالي ذلك على صحته.
ما يهمه هو بيته وهنا تسود ثقافة الأنا وكأن هذا المكان الذي يرمي فيه أوساخه لا ينتمي إليه!
فأين نحن من ثقافة الانتماء لهذا الوطن؟
لنحاول استعراض الأحداث الماضية لنجد أن أغلبها تعتبر انقلابات انتهازية الهدف منها تحقيق المصلحة الشخصية.
ماذا عن الشباب أمل الغد؟ كيف انساق الكثير منهم وراء ما سمي بالربيع العربي؟ هل هي حالة البطالة الذي يعانون منها في زمن العولمة وراء ذلك.
إذا تابعنا أقوالهم نلاحظ أغلبيتهم انساقوا وراء التيار لأن ذلك شعرهم وبوجودهم حيث كانوا مهمشين،أو عانوا من الظلم الاجتماعي الذي لا يولد إلا الكره والكراهية لا تُنجب إلا كراهية.
ما الخطوات اللازمة لاستيعاب جيل الشباب وتوجيهه وتنمية مهاراته والعمل على مساعدته لتحقيق وجوده؟؟
ماذا عن التاجر الذي تلاعب في هذه المرحلة في قوت الناس أو بأسعار العملة.. حيث سادت لغة الابتزاز والغش، لغة المال.. سادت ثقافة الأنا وكأننا في غابة الأخ ينهش أخاه، ولكن أتساءل ألا يكون الإنسان هو عدو نفسه، عندما يُساهم في تدمير وطنه في تدمير اقتصاده؟؟
ألا يكون بذلك سعى لتدمير نفسه، من يفقد وطنه يفقد وجوده، ألا يكون الإنسان هو عدو نفسه الأول!
ماذا عن الجهل؟
ألا يعكس كل ذلك حالة رهيبة من الجهل؟؟
ماذا عن الثقة بين الناس.. بين الشعب والحكومة؟
الكثير من الانتهازيين الذين انساقوا وراء هذا التيار الهمجي راهنوا على سقوط دمشق في أيام لا يمتلكون الوعي الكافي والمعرفة ولا يدركون قوة بناء الدولة، لا يدركون دهاء وحنكة قيادتها, ولا يقدرون خطورة المرحلة والقوى اللاعبة في المحيط، وهذا لا يعكس إلا حالة سيادة الجهل على العلم.
نحتاج لإعادة جسور الثقة بين بعضنا البعض، ولا يتم ذلك إلا إذا ساد الحب الحقيقي بين أطياف مجتمعنا.. بين الناس، بين الشعب والحكومة.
أفلاطون عندما وصف العلاقة التي تربط أفراد فئة معينة أو طائفة Secte لا أجد مرادف لهذه الكلمة في اللغة العربية شبه العلاقة بين أفرادها بالمغناطيس وحلقات الحديد، حيث القائد أشبه بالمغناطيس وترتبط به حلقات الحديد، الحلقة الأخيرةتستمد قوتها من الحلقة السابقة والحلقة السابقة تستمد قوتها من الحلقة التي قبلها والجميع يستمد قوته من طاقة القائد فهو الذي يدير دفة القيادة.وهنا استخدم هذا المثال بطريقة ايجابية أي عندما يرتبظ فئات الشعب ببعضهم وفق مصلحة الوطنحيث يستمدالجميعالطاقة من روح القائد، هذه الطاقة هي الحب والإيمان به تتحقق عندما تسود العدالة، عندما تسود الأخلاق وتذوب ثقافة الأنا في ثقافة المجموع والمصلحة العامة.. الوطن أولاً..
نحتاج لحالة الحب أن تسود بين أطياف المجتمع، بالحب نقضي على أحزاننا وندفن أحقادنا، بالحب نجتمع على كلمة واحدة وقلب واحد.
هي محطة نتوقف عندها الآن لنحاول أن ندع كل أحزاننا وأحقادنا تنزل من القطار، نستبدلها بالحب.. نستبدلها بالأمل٠٠٠٠٠نستبدلها بالعمل
ما هي مصلحتنا؟ سورية تجمعنا..٠٠٠٠كل انسان سوري أدرك اهمية الوطن
اي وجود يرجو إذا تلاشى الوطن؟؟؟؟
فلتكن مصلحة الوطن هي غاية مسيرتنا وكل مناقض لهذه المصلحة نستبعده من طريقنا حتى نستطيع النهوض والاستمرار.
العاصفة قد انحسرت، ولكن العدو قد يُجهز لعاصفة جديدة تحمله إلينا فعلينا أن نكون مستعدين لها.
لا نكون أقوياء إلا إذا سادت ثقافة الحب فهي القوة التي لا تقهر.
محطة نتوقف عندها نستجمع قوانا ونزيل شوائبنا ونستمد وقودنا، فليمكن الحب هو الوقود الذي سنتابع فيه المسيرة في العام القادم٠
كل عام وأنتم بألف خير.
nadaaljendi@hotmail.fr