من العراق إلى ليبيا.. المهزومون ومعاركهم الأخيرة!!.. بقلم: جلال عارف

من العراق إلى ليبيا.. المهزومون ومعاركهم الأخيرة!!.. بقلم: جلال عارف

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ ديسمبر ٢٠١٩

عام ينقضي بسلبياته وإيجابياته، وعام جديد يطل علينا يحمل الأمل ويحمل أيضاً المزيد من التحديات، مؤلم أن يستمر الدم العربي يسيل في معارك فرضها المتاجرون بالدين وعصابات الإرهاب، أو في حروب الطوائف والطامعين في رفع أعلامهم الأجنبية على العواصم العربية، ومؤلم أن تستنزف طاقات الأمة في مواجهة الخراب والدمار بدلاً من أن تذهب لبناء النهضة وصنع المستقبل وتعويض عهود غاب فيها الاستقلال ونهبت فيها الثروات، وحوصرت فيها كل آمال التقدم.
والأكثر إيلاماً أن نجد من يريدون أن يستمر كل ذلك ويتصاعد، لأنه يحقق لهم ما يعتبرونه إنجازاً حتى ولو كان على حساب الأوطان، وأن نجد من يتوقع الأصعب في ظل ظروف المنطقة والعالم، فأمامنا عام من الانشغال الأمريكي بانتخابات الرئاسة المقبلة التي تسبقها وترافقها قضية عزل الرئيس ترامب وما تثيره من تأكيد الانقسام في صفوف المجتمع والتراجع في القيام بمهام القيادة في عالم شديد الاضطراب، وأمامنا أوروبا المنشغلة بهموم انفصال بريطانيا وعوامل الضعف الداخلي وتزايد مخاطر اليمين المتعصب.
وأمامنا أيضا حروب التجارة التي اشتعلت بين القوى الكبرى، ومعارك مد النفوذ التي لم تعد تقتصر على أقطاب العالم، وإنما أصبح الأخطر منها ما نراه في منطقتنا من قوى إقليمية تجري وراء أوهام استعادة ما تعتبره أمجاد الماضي، حتى ولو كان مجرد صفحات من تاريخ مزيف أو احتلال زرع التخلف ومارس أبشع صنوف الاستبداد!!
لكن ذلك كله لا ينبغي أن يحجب عنا الوجه الآخر للصورة، ولا ينسينا أننا - رغم كل التحديات - حققنا الكثير في طريق عبورنا للأزمة التي كادت تغرق الوطن العربي كله في جحيم الفوضى والدمار، والتي أرادت – ولا تزال - أن تقطع الطريق على أي نهوض عربي، وأن تعيد تشكيل المنطقة وفق مصالح من دبروا المؤامرة وعملائهم الصغار والكبار الذين لا يتفقون في شيء مثل عدائهم لكل ما هو عربي.
رغم الأوضاع الصعبة، فقد شهد العام الماضي هزيمة كبرى للإرهاب بكل فصائله، ورغم كل التحديات، استطاع شعب السودان وجيشه الوطني إسقاط حكم الإخوان وبدء مسيرة الإصلاح بعد ثلاثين عاماً من الاستبداد والفساد، واستطاع شعب الجزائر وجيشه الوطني عبور المسافة الأكبر نحو عهد جديد، وبينما تستعيد الدولة في سوريا وجودها الفاعل في ظل ظروف معقدة وصراعات هائلة، تنفتح أبواب الحل السياسي في اليمن بعد أن نجح في التصدي لمحاولة إغراق منطقة الخليج في الفوضى المدمرة.
وإذا كان الوضع الخطير في ليبيا وهي تواجه الهوس الأردوغاني متحالفاً مع الإرهاب الإخواني يشير إلى حجم التحديات التي نواجهها على أرضنا العربية التي يعتبرها أردوغان «أرض الأجداد» ويعتبرها غيره جزءاً من إمبراطورياتهم الغابرة أو من أوهامهم المستحيلة.. فإن الجانب الآخر من الواقع العربي يقول للجميع إن قراءة ما يحدث في لبنان أو العراق يمكن أن يعيد لهم الصواب، فهناك تخرج الملايين في جنوب العراق كما في ضواحي بيروت ترفض التدخل الأجنبي، وتعبر عن تركها الطائفية والمذهبية، وترفض الطبقة الحزبية الفاسدة، وتستعيد من أيدي هؤلاء جميعاً الوطن الذي كادوا يضيعونه.
ولن يكون الوضع في ليبيا غير ذلك، ولن تفعل حماقة أردوغان والإخوان إلا أن تجمع صفوف الشعب الليبي وراء جيشه الوطني من أجل التصدي للغزو التركي الوقح، ومن أجل استعادة ليبيا الموحدة الخاضعة لإرادة شعبها وحده.
ما لا يراه المهووس التركي يراه المواطن في ليبيا وفي بيروت وبغداد وكل أرجاء الوطن العربي، وما يمثله أردوغان والإخوان وحلفاؤهم وداعموهم هو مغامرة المهزومين وهم يحاولون الفرار من مصيرهم. إنهم لا يدركون كيف تغيرت الأوضاع منذ أن بدأ التصدي الحقيقي للمؤامرة مع سقوط حكم الإخوان الفاشي لمصر، النضال الصعب والثمن الكبير الذي دفعه العرب أكد لهم الحقيقة الأساسية، وهي أن قوتهم الذاتية وحدها هي الضمان لأمنهم واستقرارهم، وأن الدولة الوطنية هي صمام الأمان الذي لا ينبغي التفريط فيه.
نعم.. أمامنا عام صعب، بل أعوام صعبة.. لكننا عرفنا الطريق الذي لا بديل عنه لمواجهة التحديات، ستفشل حماقة أردوغان والإخوان في ليبيا، كما ستفشل كل محاولات التدخل الأجنبي لقمع إرادة الشعب في العراق ولبنان، يبني المهووس التركي حساباته على مناوراته لابتزاز أوروبا ومراوغة أمريكا وروسيا، وينسى أن شعب ليبيا لن يترك وطنه لاحتلال عثماني جديد، وأن مصر لم تسقط الإخوان لكي ترى عصاباتهم على حدودها، وأن السودان لم يعد تحت حكم البشير، وأن محاولته الفاشلة لتوريط تونس في حماقاته سيتكرر فشلها مع كل دول الجوار التي أصبحت تعرف الآن أنه ليس مجرد متعهد توريد سلاح للميليشيات، كما كان من قبل، بل أصبح علناً - وباعترافه - متعهداً لتوريد الإرهابيين من سوريا، كما قام بتوريدهم إليها لتنفيذ المؤامرة.
رغم كل الصعوبات فإن التيار الذي بدأ مع سقوط حكم الإخوان الفاشي لمصر ينتصر، والقرار بالتصدي لمحاولات مد النفوذ واحتلال الأرض العربية من الخليج إلى المحيط يسود، والمشاريع المجنونة لإحياء أوهام السلاطين وإعادة عصور الاحتلال تسقط بجدارة.. ومحاولات إثارة الفوضى والحروب المذهبية ترتد الآن على أصحابها، معركة أردوغان الحقيقية مقبلة حين يحاسبه شعب تركيا.. وما أصعبه من حساب (!!) أما معركتنا فهي أن نبني على ما حققناه منذ أن عدنا من سنوات الغياب لنواجه التحديات ونهزم التآمر.