العرب والعام الجديد.. بقلم: مفتاح شعيب

العرب والعام الجديد.. بقلم: مفتاح شعيب

تحليل وآراء

الاثنين، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٩

على عتبة كل سنة ميلادية جديدة تقف البشرية بنفس التقاليد والطقوس، لتطلق سيلاً من الأمنيات آملة أن يحمل الآتي ما لم يتحقق في ما مضى من الأعوام. لكن حركة التاريخ يبدو أنها لا تأبه بأحلام البشر ولا ترحم من في نفسه أمنية أو خوف، تاركة الزمان يستكمل دورته محتفظاً بمفاجآته السارة والسيئة في رحم الغيب.
وبينما يعد العام 2019 ساعاته الأخيرة فاسحاً المجال لما بعده، يتفنن العرافون في ترويع الناس بالتحذير من كوارث وأزمات وحروب لا تبقي ولا تذر، وهي تكهنات لا تختلف عن سابقاتها ولا عما سيأتي، ولكنه استغلال مفضوح لمشاعر البشرية المرهقة بفعل النوائب التي مرت عليها. ويأتي العرب في صدارة المحبطين عالمياً، طالما أن أغلب أقطارهم تعاني الحروب والإرهاب والانقسامات السياسية والطائفية والتدخلات الأجنبية والابتزاز من الشرق والغرب.
قبل عام مضى، كانت الأمنيات أن تنتهي المآسي في ليبيا واليمن لتنعم تلك الشعوب بالسلام والاستقرار. ولكن تأبى المأساة أن تغادر هذه الرقعة الجغرافية من العالم، فتنكأ الجروح في العراق ولبنان اللذين يدخلان العام الجديد مثقلين بأعباء الانقسام والتأزم دون أن تلوح بارقة أمل واضحة يمكن الاعتماد عليها جسراً للعبور لما هو أفضل. أما في فلسطين فلا شيء جديداً هناك، فها هو الاحتلال يمعن في سياساته الاستيطانية والتهويدية، ويطرح المشاريع المدمرة لإنهاء ما تبقى من أحلام وأمنيات للفلسطينيين. وبعد أن توهمت أنها نجحت في تهويد القدس والجولان، تواصل حكومة الاحتلال بقيادة المتطرف بنيامين نتنياهو التجرؤ على الحق الفلسطيني وتخطط علناً لضم الضفة الغربية المحتلة كاملة، غير آبهة بما يصدر من رفض أو تنديد.
ربما يكون 2019 قد شهد بعض الأحداث منها الإطاحة بنظام عمر حسن البشير. وتكرر المشهد نفسه في الجزائر باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بضغط من حراك الشارع والمؤسسة العسكرية. ورغم أن حركة التغيير في البلدين كانت حضارية ودون دماء تقريباً، تظل الخشية من انسداد الأفق والعجز عن حل المشكلات وتلبية مطالب الشارع في الحريات والديمقراطية وفرص العمل ومكافحة الفساد والتطرف. ومع اليقين بأن هناك إرادة سياسية أقرب إلى الصدق منها إلى التضليل لحل كل تلك المشكلات، يظل الخوف مشروعاً من تعكر الأحوال وانقلاب الأحلام إلى كوابيس.
مع بداية العام الجديد، وبدل ترنيم الأمنيات، تظل قيم العمل والمثابرة والشفافية والحكم الرشيد، هي الفضلى والأكثر جدوى في تحقيق تطلعات الشعوب، ولو تمسكت الأمة العربية بالتضامن والعمل المشترك بضمير وإيمان، لتغير حالها، ولأصبحت مهابة يحسب لها القاصي والداني ألف حساب، لكنها لم تستطع، مع الأسف، وكأن هناك قضاء يريدها أن تظل جريحة مستباحة، ورهينة بين الأزمات والحروب الأهلية الدامية والباردة.