الرواية.. البقرة الحلوب.. بقلم: يوسف أبولوز

الرواية.. البقرة الحلوب.. بقلم: يوسف أبولوز

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ يناير ٢٠٢٠

لماذا يكتب الشعراء الرواية؟ كان هذا السؤال أو التساؤل محور ندوة ثقافية انعقدت في الرباط، في المغرب، ومن اللّافت أن الكثير من الشعراء المغاربة تحوّلوا إلى الرواية، كما تحوّل إلى هذا الفن السردي الجاذب للكتابة شعراء كثر من المشرق العربي يكتبون قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، غير أن الملاحظ هنا أن شعراء الريادة في الأربعينات والخمسينات مثل بدر شاكر السياب، وبلند الحيدري، وعبد الوهاب البياتي في العراق، ومن تلاهم في الستينات من مصر مثل صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، وتالياً من العراق حسب الشيخ جعفر، ومن مصر أمل دنقل، ومن لبنان أنسي الحاج، وجوزيف حرب وشوقي بزيع، لم يكتبوا الرواية، وتمسّكوا بتجاربهم الشعرية بوصفها مصائرهم الأدبية بل والوجودية، بل إن بعض شعراء الستينات والسبعينات كانوا يعتبرون التحوّل إلى الرواية نوعاً من الخيانة للشعر وطعن ظهره من الخلف، مع أن الكثير من هؤلاء الشعراء يمتلكون طاقة سردية تتفوّق في بعض الحالات على الكثير من الروائيين.
كان محمود درويش قارئاً محترفاً للرواية، وإن لم تخن الذاكرة فقد صرّح ذات حوار صحفي معه بأنه يقرأ رواية أكثر ممّا يقرأ الشعر، ولكنه في الوقت نفسه قال مرّة إنه يأمل أن يكتب رواية، وأظن لو أن درويش كتب رواية، فلن تكون حدودها السردية أوسع من طبيعة السيرة أو المذكرات، مثلما كتب يوسف الصايغ طفولته وشبابه في كتابه السردي السِّيري «اعترافات مالك بن الريب».
إذاً، توجه الشعراء إلى الرواية كظاهرة حديثة العهد نعاينها اليوم في أكثر من نموذج سردي يرقى إلى درجة أن يكون مشروعاً أدبياً، مثلما هو الحال عند الشاعر إبراهيم نصر الله، بدأ في الثمانينات على الأرجح، ثم اندفع الشعراء بقوة إلى الرواية في التسعينات، والبعض من هؤلاء كتب رواية أو اثنتين واكتفى بالتجربة. لماذا اكتفى؟ ربما لأنه شَعَرَ بأنه لن يحقق مشروعاً روائياً يشار إليه، ويستحق أن يضحّي بالشعر من أجله.
لندع كل ذلك جانباً، ونجيب عن سؤال: لماذا يتوجه الشعراء إلى الرواية بكلمات أكثر صراحة؟ فالبعض من الشعراء يكتبون الرواية اليوم لأنّها رائجة في سوق النشر ورائجة في «سوق» القراءة، وبالضرورة، خلف ذلك لا ننسى القول إن الرواية صارت تدرّ الأموال على كاتبها. أموال القرّاء، وأموال الجوائز الأدبية، وهذه الأخيرة، تنقل الشاعر الروائي من حالة العوز وربما الفقر إلى الثراء.
لماذا يدفن بعض الكتّاب رؤوسهم، كما يُقال، في الرمل ويتجاهلون مسألة المال الذي تأتي به الروايات اليوم؟ ولماذا يقول هؤلاء إن الرواية مشروع أدبي؟ فلماذا لا تكون في حقيقتها مشروعاً «تجارياً» بعدما ركب بعض الشعراء على أكتاف الشعر، واكتشفوا أنه لن يطعمهم خبزاً؟
لنكن حقيقيين مع أنفسنا، وحقيقيين أكثر مع الشعر، الفن الإنساني العظيم الذي استغلّه، للأسف، بعض الشعراء أردأ استغلال عندما جعلوا منه ممّراً آمناً إلى الرواية.. البقرة الحلوب.