الصراع الصيني – الأميركي ومستقبل النمو عالمياً.. بقلم: مروان اسكندر

الصراع الصيني – الأميركي ومستقبل النمو عالمياً.. بقلم: مروان اسكندر

تحليل وآراء

الجمعة، ١٠ يناير ٢٠٢٠

آخر كل سنة تدور تقديرات التطورات الاقتصادية والسياسية حول توقعات النمو والحريات في السنة الجديدة وهذه سنة 2020 حاليًا.
ان النشرات الاختصاصية والكتب الرائجة عن موضوع النمو والحريات بنهاية عام 2019 كانت تدور حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على النمو والانتاج وثلاثة مصادر هي كتاب الشركات التسع الكبرى في نشاطات الذكاء الاصطناعي من تأليف نينا ويب الاختصاصية الاميركية في علوم برامج تطبيق الذكاء الاصطناعي الصادر في 2019 في الولايات المتحدة، وعدد جريدة “الفايننشال تايمس” في تاريخ 4/5 كانون الثاني 2020، وكتيب مجلة “الإيكونوميست” الصادر في شهر تشرين الثاني 2019 وعنوانه “العالم سنة 2020”، كلها تعتبر ان الذكاء الاصطناعي والبرامج التطبيقية النابعة منه سترسم معالم الاقتصاد والسيطرة العالمية سنة 2030 أي فقط بعد عشر سنين.
قبل تلخيص مضمون المصادر الثلاثة لا بد من مراجعة نتائج عامي 2016 و 2017 على المستوى العالمي وما تبع انجازات الهند بعد ذلك.
في العامين 2016 و2017 فاجأت الهند العالم بتحقيق أعلى معدلات للنمو الاقتصادي ما بين 7.5 في المئة و8.5 في المئة وقد سبقت معدلات النمو في الصين التي راوحت بين 7 و7.5 في المئة وفي الولايات المتحدة حيث انحصر معدل النمو بنسبة 2.5 في المئة وباتت الآمال معلقة على استمرار النمو الهندي على معدلاته المحققة والنمو الصيني على معدل 7 الى 7.5 في المئة، لكن نتائج 2018 و2019 كانت مخيبة للآمال لان النمو في الهند – بلد الـ1.2 مليار نسمة – تراجع الى ما دون 5 في المئة. ومع ان الصين حافظت على نمو بمعدل 7-7.5 في المئة، بدأت تبرز مؤشرات التنازع بين الولايات المتحدة والصين في مجالات الانتاج وحقوق الابتكار والتبادل التجاري وتراجع معدل النمو العالمي في انتظار انفراج التوتر التجاري وحتى التوتر في نطاق الانتشار للبلدين في منطقة جنوب شرق آسيا.
تراجع الهند له تأثير كبير لانه يعود الى اسباب سياسية وعرقية. فالقوانين الهندية فيها تمييز لمصلحة السكان من طبقة الملاكين والصناعيين والمطورين العقاريين، في حين أن غالبية السكان، أي ما يزيد على 900 مليون نسمة، من الفقراء. وهنالك 100 مليون من سكان الهند ممن يعتنقون الاسلام مهملون سواء على صعيد التعليم، أو الحماية القانونية والوظائف المجدية. وهؤلاء لا يقاربون في حقوقهم وفرصهم الـ800 مليون هندي ممن يعتبرون من الفئات الدونية. كانت الهند تعتبر منذ أيام كفاح غاندي من جذور وقواعد الديموقراطية وبعيدة من التعصب الديني وتالياً فقدت مركزها المميز عالميًا، وكذلك تميزها في عالم الالكترون، علماً بأن الهند تحوز أحد أهم المراكز الاكاديمية للتمكن من قواعد الذكاء الاصطناعي وتطويعه.
نعود الى تقويم التميز في مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي وتوقع سيطرة هذا الذكاء على 50 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي سنة 2030.
تلخص مؤلفة كتاب التسع الكبرى، وقد أدرجنا اسماء الشركات المعنية في مقالتنا الاسبوع الماضي وهي خمس أميركية وثلاث صينية، وينبغي الاشارة إلى ان احدى الشركات الصينية تملك نسبة 20 في المئة من كبرى الشركات الست الاميركية، وتقول: “اني على اقتناع بأن قادة الشركات التسع يلتزمون المصلحة العامة ويعود اندفاعهم الى رغبة جارفة في تحقيق أوسع رقعة من المصلحة العامة، وهم يدركون امكانات الذكاء الاصطناعي لتحسين البيئة الصحية واطالة العمر وحل المشاكل البيئية وتمكين ملايين البشر من تحقيق الكفاية المادية”.
في المقابل، ترى المؤلفة “ان ضغوط السوق والتوقعات غير المنطقية لمنتجات جديدة وخدمات مبتكرة، تناقض مستوجبات التخطيط والبحث على مدى طويل”.
وهي تقوّم منهج تطوير الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه بصورة مختلفة في الصين حيث تلاحظ ان “تطوير اختراعات وتطبيق برامج الذكاء الاصطناعي مرتبطة بشكل وثيق بتطلعات الحكم البعيدة المدى. فالصين تؤسس وترسي المستوجبات كي تحقق الهيمنة المطلقة على الذكاء الاصطناعي وكي تصبح المركز الاهم دوليًا لبرامج الذكاء الاصطناعي وتسخير طاقاته لتحقيق انجازات اقتصادية وحتى اجتماعية.
في نيسان 2018 القى الرئيس الصيني (رئيس مدى الحياة) خطابًا مهماً يلخص استهدافات الصين في مجالات الذكاء الاصطناعي قال فيه: “الذكاء الاصطناعي سيساعد الصين على التحول الى ان تكون إحدى أهم وأكبر الدول الصناعية في العالم. ومعلوم ان حجم الاقتصاد الصيني اليوم يبلغ 30 ضعفًا لما كان قبل ثلاثين سنة، وسنواصل التطور بامتلاك معارف وتطبيقات الذكاء الاصطناعي”.
وتتخوف المؤلفة من سيطرة عدد قليل نسبيًا من العلماء والبحاثة في مختلف جوانب تطبيق برامج الذكاء الاصطناعي وتطويرها، وهي ترى ان المصلحة الدولية تستوجب تقارب السياسات التجارية والجمركية بين الولايات المتحدة والصين، خصوصاً لتفادي أي صدام في المحيط الهادي. ولعل مؤشرات امكان التوصل الى اتفاق على الرسوم الجمركية بين البلدين في 15/1/2020 تسهم في تحسين توقعات الانتاج سنة 2020 وما بعدها، والسبب في توقع نجاح الاتفاق هو حاجة الرئيس الاميركي إلى تفادي أزمة انكماشية قبل الانتخابات الرئاسية أواخر هذه السنة.
الامل المعلق على تفاهم واسع بين الصين والولايات المتحدة هو ما تعلق عليه مجلة “الإيكونوميست” أهمية أساسية. فهي ترى أن القوى الاقتصادية الأساسية في العالم تنقسم بين الدول التي تتبنى النظام الحقوقي البريطاني والحريات الديموقراطية، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأوستراليا ونيوزيلندا البلد الاصغر والمتمتع برؤية رئيسة وزراء نادرة حققت التلاحم بين فئات الشعب من مختلف الجذور الجغرافية والدينية. وفي المناسبة، تستقطب نيوزيلندا علماء اختصاصيين وباحثين معروفين في مختلف مجالات التطبيق الحديث للذكاء الاصطناعي، خصوصاً في مجالي الصحة والبيئة. ومعلوم ان هذا البلد الصغير بعدد سكانه متميز بمستوى الحياة والعلم والتعاضد البشري. وربما كانت نيوزيلندا في عصر التكنولوجيا الاحدث والافعل في تطوير الحياة، البلد الذي يجب ان يتمثل به لبنان بدل الاغراق في التشبث بخصائص القرن التاسع عشر من السيطرة السياسية على الأمور الحياتية.
مجلة “الفايننشال تايمز” تشابه نظرية الكتاب التي تتحدث عن سيطرة الصين على عالم الذكاء الاصطناعي وما ينتج من ذلك. وهي تقدّر أن دور بريطانيا في هذا النشاط محدود وان يكن مهماً الى حد ما. ويشار هنا إلى ان صناعة الشرائح الذكية للمنتجات الالكترونية بالغة النجاح في بريطانيا، لكن العلماء البريطانيين ساهموا الى حد بعيد في نجاح الولايات المتحدة في تطوير الذكاء الاصطناعي ويكفي القول إن الرئيس التنفيذي لشركة “آبل” المنتجة لـ”آي فون” كان بريطانيًا عمل في الولايات المتحدة 30 سنة عاد بعدها الى بريطانيا واسس فيها شركة لتطوير الذكاء الاصطناعي سارعت شركة “آبل” الى شراء نسبة 30 في المئة من أسهمها.