ماذا بعد برلين؟..بقلم: جمال الكشكي

ماذا بعد برلين؟..بقلم: جمال الكشكي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٠ يناير ٢٠٢٠

لا عهد لهم، ولا ميثاق.. التاريخ شاهد على خيانتهم الوعد.. مئات المؤتمرات والاتفاقيات التي نقضوها عبر أزمنتهم السوداء.«العثمانلية» الفاشية تناور بأفعال وتبدي -مضطرة -نيات إيجابية أمام القوى الدولية، وتطبق عكسها.
أردوغان يتعامل مع «ليبيا» على أنها هدف استراتيجي ضمن ميراث أجداده. له مطامع اقتصادية وسياسية وعسكرية.
بغض النظر عن نتائج ما يصبو إليه، فإن المسارات التي تأخذها أوهام السراج - أردوغان من شأنها تأزيم وتفكيك الاستقرار في المنطقة.
وهذا هو الرهان الأخير لتركيا، وتنظيم الإخوان العالمي الذي صار يترنح بعد ثورة 30 يونيو التي عزلت حكم الإخوان الإرهابية في مصر. ومن ثم تساقطت أوراق مخططاتهم في سائر عواصم المنطقة.
المغالطات التي ساقتها تركيا، وحليفها رئيس حكومة الوفاق فايز السراج «المنتهية صلاحيتها» منذ ديسمبر 2017 في مؤتمر موسكو، ومن بعدها «برلين» كان الهدف منها خداع المجتمع الدولي.
وتمرير الأجندة التركية الإخوانية، وكسب الوقت في استغلال الهدنة لإرسال الميليشيات والعناصر الإرهابية إلى طرابلس، هذا فضلاً عن منح قبلة الحياة لاتفاقيتي «السراج – أردوغان» بعد أن أقر العالم ببطلانهما. اللحظة ضاقت على رقبة الرئيس التركي، لم يجد السراج مخرجاً، المجتمع الدولي له حساباته.
الأمن القومي للدول المجاورة بات خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه، وبالتالي فإن هرولة السراج - أردوغان إلى عواصم أوروبا هي بمثابة التراجع خطوتين، استعداداً للقفز من جديد، وهذا ما شهدناه في تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الذي أكد أن تركيا أرسلت قواتها العسكرية ووحداتها الفنية إلى ليبيا.
تبخرت وعودهم في موسكو، وتعقدت في برلين، وازداد المشهد قتامة.
وسط هذه التشابكات السياسية والميدانية، يزداد النهم التركي نحو توسيع تمركزات الميليشيات، والتنظيمات الإرهابية التي يظن الرئيس التركي أنه يستطيع استخدامها كورقة تهديد، حتى وإن توقفت التلويحات العسكرية.
أما السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن.. فهو إلى أين يتجه مصير الدولة الليبية؟ وماذا بعد موسكو وبرلين؟
الثابت بشأن مصير الدولة الليبية أن الجيش الوطني الليبي، والشعب الليبي بجميع قبائله وفئاته، لن يصمت، وهو يرى ليبيا تنهار أمام أعينه، مهما كلفه الأمر من تضحيات، وهذا ما لمسناه من توحد الشعب الليبي في مواجهة مرتزقة تركيا وميليشياتها المسلحة.
إذاً، ليبيا كدولة لن تسقط مهما طال أمد المعركة. فالعدو هنا تنظيم إرهابي، وتاريخ الشعوب والدول يقول بأنه لا يوجد تنظيم أو ميليشيات تهزم دولة، كما أن الواقع يؤكد هذه النظرية تماماً، والدليل أن الجيش الوطني الليبي استطاع تحرير مدينة سرت خلال ساعات قليلة.
وفيما يتعلق بمسارات ما بعد موسكو وبرلين، فإن أي تفاوض لابد أن ينطلق من أرضية مبادئ وحقائق فاصلة، لا يمكن القفز عليها، وفي مقدمتها:
إلغاء محفزات الصراع، وفي مقدمتها إلغاء اتفاقيتي «السراج - أردوغان», ووضع آلية مراقبة لمنع وصول الإرهابيين والمرتزقة من سوريا وتركيا إلى ليبيا.
والاستعانة بما قاله وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن هناك من يسعى لاستنساخ النموذج السوري في ليبيا، عبر نقل الإرهابيين إلى طرابلس ومصراتة، والحصول على تعهد تركي واضح بأن تستعيد أنقرة الجماعات الإرهابية والميليشيات والمرتزقة إلى حيث تم نقلهم، بما يسمح بتفكيك الميليشيات الموجودة بطرابلس.
وصناعة مناخ من الثقة، يقود الأطراف إلى مائدة الحوار السياسي، واعتبار البرلمان الليبي المنتخب، هو الجهة الشرعية الوحيدة التي يحق لها توقيع اتفاقيات مع الخارج، هذا فضلاً عن إعادة هيكلة وتشكيل المجلس الرئاسي، حتى يكون معبراً عن كل أطياف الشعب الليبي، وأن يكون دوره تنفيذياً فقط.
ولا يحق له توقيع اتفاقيات، دون أن يمررها على البرلمان المنتخب، كما يجب التأكيد على أن الجيش الوطني الليبي، هو المؤسسة العسكرية الوحيدة التي يناط بها حماية مقدرات الدولة ومؤسساتها والحفاظ على سيادتها وأراضيها، من أي عدوان خارجي.
أعتقد أن هذه المبادئ هي الرادع الفاصل، لأطماع وأوهام أردوغان، وهو يتباهى بإرسال قواته إلى ليبيا، ويعتقد أنه أسس لأزمة، يرى أنه جزء كبير من حلها. لكن الرسالة التي يجب أن يعلمها أردوغان أن صناعته لهذه الأزمة ستقوده قطعاً للسقوط في مستنقع، سيكون الخروج منه هو النهاية الكبرى له ولجماعاته.
* رئيس تحرير «الأهرام العربي»