في التفاصيل تكمن الشياطين.. بقلم: سامر يحيى

في التفاصيل تكمن الشياطين.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ أبريل ٢٠٢٠

لكنّ هذه العبارة ليست دقيقة، وسرّ نجاح القائد هو التدخّل بالتفاصيل ليتمكّن من اتخاذ القرار الشامل المتكامل، وشتّان بين التفاصيل والترّهات التي تشغله عن عمله الأساس، فالكثير ممن يدّعي أنّه قائدٌ ومديرٌ ليس أكثر من مجرّد مسيّر أعمالٍ ضمن الحدّ الأدنى، يعرف كل شيءٍ عن موظّفيه إلا دورهم في زيادة الإنتاجية والقدرة على العطاء والإبداع والفعالية.
توّجنا التدريب والتأهيل بامتحانات أكاديمية، وتجاهلنا الجوانب العملية والإنتاجية، تجاهلنا التطوّر العلمي، والتراكم المعرفي، والعصف الفكري، والخبرات والفرضيات، وصرنا نبرّر فشلنا بأنّ القرار قيد التجريب ونتعامل مع الأزمة كأنّها لأول مرة، نتجاهل أنّنا في عصر السرعة، وتطوّر الأمور بين عشيّة وضحاها، والمواطن لم يعد حقل تجارب، ومؤسساته أنشئت لتوجيهه واستقطابه وتلبية متطلّباته ليتمكّن من القيام بواجباته وتأدية حقوقه.
من الخطأ الفادح أن نعجب بضوء القمر المتغيّر، ونتجاهل أشعّة الشمس التي تمدّنا بضوئها وطاقاتها المتجددة على مدار النهار، كما نتجاهل صيانة المنبع لنلهث وراء معالجة الصنبور، فالصائب والمنطقي دمغ أكياس الطحين، وفوترة مبيعات كبار التجّار والمصنّعين والمستوردين، لتسهيل عملية محاسبتهم ضريبياً ودعماً وتسهيلاتٍ مقابل عملية إنتاجهم وقدرتهم على المساهمة في الاقتصاد الوطني، وأتمتة أعمالهم، بما يساهم تلقائياً بتوحيد الأسعار وضبطها، ومكافحة التهرّب والتهريب، وتوزيع الموارد بشكلٍ حكيم ومحنّك بعيداً عن التجمّعات والازدحام، التي تسبب المشكلات وإضاعة الوقت، بما يساهم بتأمين متطلّبات المواطن، وتلقائياً سيلتزم موزّعي المفرّق بالسعر الحقيقي، وأيضاً تتم المحاسبة على قيمة مبيعاتهم، وينطبق ذلك على كافّة مؤسسات القطاّع العام بصفته توجيهية ومشاركة عملية وعلمية، والقطاع الخاص الخدمي والانتاجي، لنكتشف أنّنا استطعنا ضغط النفقات ومنع الهدر وزيادة الإنتاج، والاعتماد على التقييم والتقويم بدلاً من الأرقام الوهمية والشكلية.
علينا معالجة جذر المخالفة التي يرتكبها المواطن، بدءاً من رمي القمامة في الشارع، وصولاً إلى مخالفات البناء، لمعرفة سبب قيام المواطن بارتكابه المخالفة، بما يؤدي لإيجاد الحلول لها عبر التوعية ودراسة كافّة جوانب الموضوع، مستفيدين منها للتعاون بين القطاع الخاص والعام لتأمين احتياجات المجتمع وتفعيل المصانع والمعامل التي نحتاج لها وتتوفر لها موارد أولية لدينا، والتعاون مع القطاع العام والخاص والمصرفي لإشادة الأبنية العصرية، بدلاً من توزيع نفس الإمكانيات على شكل قروضٍ فردية، ومعالجات موضوعية لا تساهم إلا بسدّ جزءٍ بسيط من حاجة المواطن، تسبّب الضرّر لآخر والوطن بآنٍ معاً.  
إنّ ما يقارب الثلاثين يوماً من عطلةٍ إجبارية ودوامٍ لا يزيد عن الأربعين بالمائة، كفيلٌ بأنّ يجعل القيادات قد ملكت الوقت الكافي، إذ تخلّصت من الكثير من الواجبات الاجتماعية والقيل والقال والتفاصيل التي لا قيمة لها، وتضيّع وقت المسؤول، لتتفرّغ لدراسة الآلية الأنسب لاستنهاض الجهود واستثمار طاقات العمل بكلّ مؤسسة، وإعادة توزيع العمالة ضمن المؤسسة للاستفادة من جهود عامليها جميعاً ومنع البطالة المقنّعة، وبالتالي مضاعفة مستديمة لعائدية المؤسسة وتطوير أدائها، وأن تفكّر بالربح والخسارة خلال تلك الفترة لمعرفة الخروج منها بأقل الخسائر وأكبر قدرٍ من الربح المادي والروح المعنوية والصحية للجميع على حدٍ سواء. نحن أحوج ما نكون للبحث في دور كلّ مؤسسة وتشاركيتها مع الجهات الأخرى، والمراكز الإنتاجية والقطاعات في كل المجالات لعودة عملية الإنتاج الحقيقية، وابتكار أبوابٍ جديدة، لتعود الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، مستفيدين من تجربة الجيش العربي السوري، الذي يعمل ليلاً ونهاراً لحماية ترابنا المقدّس، والجيش الوطني الطبي الذي يعمل على مدار الساعة للحفاظ على صحّة أبناء المجتمع، ومنع ازدياد الوباء، واخوتنا في قوى الأمن الداخلي الذين تضاعفت مهامهم في ظل هذه الظروف التي نعيشها، مما يتطلّب إعادة دراسة كلّ تخصص نحتاجه، واستئناف العمل ضمن الاحترازات والاحتياطات التي يجب وضعها بالحسبان، لنستطيع الحفاظ على حياة آمنةٍ صحية لأبناء المجتمع، وتوفير الموارد والمواد بآنٍ معاً، مستعدين لكل احتمالات المستقبل، لأنّ المرحلة الحالية لا يجب أن نعتبرها آنيةٌ بل مستمرة، لمضاعفة عملية الإنتاج واستثمار الطاقات، وتأمين الموارد لا سيّما القطّاع الزراعي، الذي أثبت أنّه صمام الأمان وموردٌ رئيس لاحتياجات أبناء الوطن بكل المجالات.
إنّ دورنا التفكير بالطرق المنطقية التي تناسب كل منا دون استثناء سواءً بتوزيع الخبر أو والغاز والتعاون والتنسيق مع الموجّه للمستهلك والمورّد على حدّ سواء، عبر توسيع المنافذ، بهدف القضاء على الازدحام، ويكون دور موظّفي التموين والبطاقة الذكية، مراقبة الأسواق ومعرفة الاحتياجات لتوفيرها آنياً ومستقبلياً، بدلاً من أن تكون فرصة للكثير من الانتهازيين لشراء النفوس والذمم، وزيادة الازدحام والمشكلات بين أبناء المنطقة الواحدة، وتشويه سمعة المؤسسات الحكومية رغم كل ما تقدّمه لهذا المواطن خلال إدارتها للموارد الوطنية، ويتسلّم المواطن احتياجاته بشكلٍ مباشر، ويدرك المسؤول أن درهم وقاية أفضل من قنطار علاجٍ، فيعالج جذر المشكلة للوصول للحلول الأسلم الجامعة، لأنّنا في عصرٍ لا تكاد تنتهي أزمة حتى نقع بغيرها.  
إن سوريتنا تحتاج جهد كل منّا للنهوض، وهذه الأزمة يجب ألا تكون كغيرها شمّاعة نعلّق عليها أخطاءنا وتقصيرنا وتكاسلنا في أداء واجبنا الوطني، لا سيّما فشل الدول الكبرى أمام الفيروس التاجي، لنبرّر لأنفسنا تقصيرنا، متجاهلين الدور البنّاء للكثير من المؤسسات الوطنية، وأن العدو سيبقى يضع لنا العصي بالعجلات، وضعاف النفوس سيستغلون كل ثغرةٍ، لأنّ الشعب العربي السوري بمؤسساته كافّة، قادرٌ على التفكير والإبداع والإنتاج في أصعب الظروف، فيريد أعداؤه إلهاءه باللهاث وراء تأمين لقمة العيش وجرّة الغاز ... وخلق فجوةٍ بينه وبين مؤسسات وطنه، فيجب أن نثبت لهم أننا الأقوى وقادرين على النهوض بسواعدنا، وننافس أكثر الدول المتقدمة علماً وعملاً.