الوباء بدأ یغیّر العالم العربي .. الى أين؟.. بقلم: سركيس ابو زيد

الوباء بدأ یغیّر العالم العربي .. الى أين؟.. بقلم: سركيس ابو زيد

تحليل وآراء

السبت، ١٨ أبريل ٢٠٢٠

كل الدلائل تشير الى أن “عالم ما بعد كورونا” سیكون مختلفًا عما قبله. سنشهد مرحلة جديدة على المسرح السیاسي: موازین القوى تتعدل، خارطة العلاقات تتخذ مسارات مختلفة ما زالت مجهولة حتى الآن. فرضت عاصفة الوباء على كل دولة عربية مراجعة سیاساتھا وأولویاتھا. تغییرات وتحولات ملحوظة بدأت طلائعھا بالظھور تباعا، سنتوقف عندها، خاصة في اليمن والعراق فضلًا عن انعكاس الانتخابات الاسرائيلية والاميركية على مستقبل ما يسمى “صفقة القرن”:
1 – اليمن
شكّل إعلان وقف النار في الیمن، “فرصة جدیة” لوقف الحرب التي انطلقت منذ 6 سنوات. اعلان قد يمهد لإطلاق مفاوضات من اجل عملیة الحل السیاسي. صحیح أنھا لیست المرة الأولى التي یتم فیھا التوصل الى ھدنات عسكریة سرعان ما كانت تنھار، ولكن ھذه المرة تتمیّز الدعوة الى وقف النار بأمرین:
– الأول أن الدعوة جاءت تحت وطأة أزمة “كورونا” التي تفرض وقفا قسریا للعملیات العسكریة، بعدما ضربت ھذه الأزمة دول الخلیج وبدأت تصل حدیثا الى داخل الیمن، حیث یكبر خطر تفشي الفیروس في ظل انعدام الخدمات والبنى التحتیة الصحیة والاستشفائیة.
– المبادرة الى وقف النار صدرت عن السعودیة التي تذرعت بدواع إنسانیة وصحیة، إلا أنھا تنطوي على مؤشر سیاسي مفاده أن السعودیة بعد فشلها في حرب اليمن، تمیل الى تھدئة اللعبة في الیمن، لتمرير المرحلة، بانتظار الانتقال الى العملیة السیاسیة في ظروف جاھزة أكثر.
فالسعودیة تواجه جملة ظروف وعوامل ضاغطة لا تقتصر على حرب الیمن وفاتورتھا الباھظة، وإنما تشمل أیضا حرب أسعار النفط وانعكاساتھا على اقتصاد السعودیة ومیزانیتھا المالیة ونفقات الموازنة، إضافة الى أزمة “كورونا” التي قلبت الوضع في السعودیة بشكل كامل، فاتخذت سلطاتھا قرار توقیف رحلات العمرة، مع اتجاه الى إلغاء موسم الحج لھذا العام، ویتطور الوضع بشكل دراماتیكي مع ارتفاع عدد الإصابات التي وصلت الى العائلة المالكة أیضا (تقریر لصحیفة “نیویورك تایمز” أكد إصابة 150 أمیرا من الأسرة الحاكمة بالفیروس وتجھیز 500 سریر في مستشفى الملك فیصل لإفساح المجال أمام تقدیم العلاج لأفراد العائلة المالكة).
من المھم جدا ثبات وقف النار وعدم انھیاره، وعدم مبادرة أي طرف الى استغلاله لتحسین مواقعه وشروطه …أما الانتقال الى مرحلة المفاوضات وفتح باب الحل السیاسي، فإن ظروفه غیر ناضجة في ظل انشغال دولي وإقلیمي بأزمة “كورونا”، ومع وجود ّھوة واسعة بین الموقفین والتصورین السعودي والیمني للحل.
2 – العراق
سلوك الأزمة السیاسیة ـ الحكومیة في العراق طریق الحل، كان تحت وطأة أزمة “كورونا” وما كان لھا من تأثیرات سلبیة على الأوضاع الاقتصادیة والصحیة والاجتماعیة، وتحت وطأة انھیار أسعار النفط. ھامش المناورة ضاق كثیرًا عند كل الأطراف وباتت الحكومة حاجة ملحة ومصلحة عامة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسیاسي والأمني.
للمرة الأولى منذ استقالة عبد المھدي یحصل توافق سیاسي على رئیس جدید للحكومة ھو مصطفى الكاظمي، ویحصل إجماع غیر مسبوق بعدما فشلت محاولتان لتشكیل حكومة جدیدة منذ بدایة عام 2020 واعتذار محمد توفیق علاوي وبعده عدنان الزرفي. ھذه المرة التقت كل الكتل والقوى الشیعیة على دعم الكاظمي الذي تلقى دعم الأكراد والسنّة أیضًا، وكان منذ البدایة المرشح المفضل للرئیس العراقي برھم صالح الذي أشاد به بعد التكلیف كـ”شخصیة مناضلة ومثقفة معروف عنه النزاھة والاعتدال والحرص على الحقوق العامة للعراقیین”.
یُعتبر الكاظمي “مطابقا لمواصفات المرحلة”. ھذا الرجل الآتي من عالم الصحافة (كان مناھضا لنظام صدام حسین ولاجئا مقیما في لندن)، ومن عالم المخابرات (تولى رئاسة جھاز المخابرات منذ العام 2016 في ذروة المعركة مع “داعش”)، تنتظره مھمة صعبة وإنقاذیة لإنقاذ العراق من كارثة اقتصادیة وسیاسیة، ویُعتبر الرجل الأنسب والأفضل لھذه المرحلة… فقد أتاح له موقعه في رئاسة المخابرات بناء علاقات مع الدول والأجھزة التي تعمل ضمن “التحالف الدولي”، ومع كل اللاعبین السیاسیین على الساحة العراقیة.
مصطفى الكاظمي یُنظر إلیه في العراق كـ”مفاوض ماھر قادر على تسخیر علاقاته الواسعة مع واشنطن وطھران”، وكـ”شخصیة حیادیة متوازنة”، إذ لم یسبق له أن انتمى الى أحد الأحزاب السیاسیة، وصاحب عقلیة براغماتیة قادر على لعب دور الوسیط السیاسي بین الأطراف العراقیة خلال الأزمات.
وإذا كان المكتوب یُقرأ من عنوانه، فإن “حكومة الكاظمي” تُقرأ من العناوین التي حددھا لحكومته والھدف الأساسي الذي وضعه، وھو احترام وتأمین سیادة العراق. وھذه العناوین تُختصر بثلاثة أساسیة:
– مكافحة الفساد وتنفیذ إصلاحات عاجلة وشاملة، وتنظیم انتخابات عامة مبكرة.
– حصر السلاح في ید الدولة التي لھا دون سائر القوى والمجموعات حق وصلاحیة السلطة والسلاح.
– إقامة علاقات خارجیة متوازنة.
3- “صفقة القرن”
“صفقة القرن” مجمدة الآن لأن العالم منشغل بوباء كورونا وبسبب الانتخابات الاميركية والاسرائيلية:
1- الانتخابات الاسرائيلية
لمواجھة الأزمة الطارئة بفعل “كورونا”، الوضع في” إسرائیل” یقف حالیًا عند المعطیات التالیة:
– كفة تشكیل الحكومة راجحة على كفة سیناریو انتخابات رابعة.
– كسب نتنیاھو المعركة بأن أسقط رھان خصومه على إسقاطه.
– نجح نتنیاھو في فرض شروطه السیاسیة وأولھا تطبیق ما يسمى “السیادة الإسرائیلیة” على المستوطنات الیھودیة في الضفة الغربیة، وضم منطقتي غور الأردن وشمال البحر المیت.
– يرى نتنیاھو أن الرئیس ترامب المنھمك بالأزمات الصحیة والاقتصادیة، سیكون مشغولًا بالانتخابات الرئاسیة، ولن یقدم خلالھا على خطوات درامیة بخصوص الشرق الأوسط ، لا سيما فرض صفقة القرن.
2- الانتخابات الاميركية
الانتخابات الرئاسیة الأمیركیة باتت محسومة بین دونالد ترامب وجو بادین، بعدما دخل وباء “كورونا” على معادلة “البازار” الانتخابي. واجه ترامب انتقادات قاسیة بسبب سوء أداء إدارته أزمة “كورونا” مما خفض من فرص إعادة انتخابه بعد ارتفاع حصیلة القتلى والتأثیر المدمر على الاقتصاد.
كان ترامب قبل “كورونا” في وضع مریح ومتقدم بفعل قوة الاقتصاد الأمیركي، أقوى ورقة انتخابیة وشعبیة في یده، لكن بعد كورونا فإن تغییرًا حصل في مسار السباق الرئاسي، واستطلاعات الرأي أظھرت تقدم بایدن على منافسه ترامب، لكن كل الاحتمالات مفتوحة.
وضع الانتخابات الاميركية متقلب وغير محسوم بعد مما يعطل من قدرة واشنطن على التاثير في القضايا الدولية وفرض “صفقة القرن” مما يفتح الباب أمام تغيرات عربية في زمن كورونا تطرح السؤال المصيري: العالم العربي يتحول لكن الى أين؟