أغوار المستقبل .. بقلم: سامر يحيى

أغوار المستقبل .. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٣ أبريل ٢٠٢٠

لا يمكن لمجتمع أن يتقدّم، إن لم يمتلك خارطة طريق حقيقية، وبوصلة صائبة، ليشخّص الواقع الراهن، ومعرفة أبرز التحديّات والمعوّقات، والظروف السلبية أو الإيجابية ونقاط الضعف التي قد تعوقه، ونقاط القوة التي يمتلكها لاستشراف المستقبل ومعرفة الطريق الأسلم للسير عليه، ووضع الرؤى والتصوّرات والخطط والاستراتيجيات وفق منهجيات علمية وموضوعية وواقعية.
إنّها من الأولويات الأساسية لنجاح أي مؤسسة، فكيف هذه المرحلة التي تمرّ بها البلد ككل، والتي تتطلّب من كلّ منا دون استثناء، إعادة النظر في الكثير من المفاهيم، وفتح آفاق وأفكار جديدة، انطلاقاً من معطياتٍ ورؤى وبيانات لم تكن متوفّرة أو أنّها كانت مغيّبة من قبل، وقراءة جدية، ونقاط ارتكازٍ حقيقية قائمة على العلم والمنطق الاستقرائي والاستنباطي، لسبر أغوار المستقبل، والانطلاق بقوّة من الحاضر، مستفيدين من الماضي، وهذا هو دور مكتب العلاقات العامة والإعلام بكل مؤسسة، لأنه يعتبر صلة الوصل بين المؤسسة وجمهوريها الداخلي والخارجي، واستقطاب المؤيدين لرؤاها وأفكارها، والاستفادة من رؤى وأفكار الآخرين، وما يرجونه من مؤسساتهم، وصناع القرار لإمدادهم بكل البيانات والمعطيات، وتوقّع التحديّات والمخاطر وردّ فعل الجمهور.
فالعلاقات العامة ليست مجرّد تسيير بريد أو استقبالٍ ووداع، إنّما لها العديد من الوظائف الأساسية وأولاها الوظيفة الإعلامية التي تمدّ جمهور المؤسسة بكل نشاطاتها وفعالياتها وأفكارها وقراراتها، ولجمهورها الداخلي أن يكون مطّلعاً على كل ما تفكّر بإصداره والمشروعات التي تنوي القيام بها، والنظام الداخلي والهيكل التنظيمي والدور المنوط بكل عاملٍ لديها، والمعطيات والبيانات التي تساعدهم في أداء مهامهم؛ وإعلام صناع القرار بالمؤسسة برد فعل الرأي العام، ورأيه ورؤيته عن دور المؤسسة وأدائها، بما يساهم في سد الثغرات وإيجاد الحلول وتشخيص ما تقوم به من جهود، لتفعيل دورها بشكلٍ أكبر.
وهناك الوظيفة التفسيرية لما تصدره من قراراتٍ لجمهورها، وشرح طبيعة عملها، لتفادي الغموض وسدّ الثغرات، لا سيّما في وقتٍ باتت وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً بيد أعداء الوطن لتشويه عمل مؤسساته وتوسيع الفجوة بين أبنائه، إضافة لتفسير قراراتها لأبنائها لتطبيقه بالشكل الأمثل والفهم الأوضح والتمكّن من تفسيره للآخرين بشكلٍ مباشر.
أما الوظيفة الإقناعية، تأتي أهميتها من أن دور المؤسسة ليس إبراز العضلات، ولا الإثبات أنها موجودة، ولا أنها تمنّن الجمهور بما تقوم به، وتجبره على تنفيذ رؤاها بشكلٍ منفّر، إنّما أن تقنع الجمهور بأنّ كل ما تقوم به هو لخدمته، وجزءٌ أساسٌ من المهام الموكلة إليها في إدارة موارد الوطن، ليكون الجمهور جزءٌ أساس، وعون للمؤسسة في استثمار طاقاتها القصوى، وسد الفجوة بين المؤسسة والجمهور، ضمن الإمكانيات المتوفّرة والموارد المتاحة، ويكون كل عاملٍ بالمؤسسة يملك وسيلة إقناع الآخر بما تقوم به مؤسسته.  
وهناك الوظيفة التقييمية التي تعتبر من أهم وظائف العلاقات العامة، لأنّها تعتمد على الفعل وردّ الفعل، معرفة رأي العاملين في المؤسسة بأداء مؤسسته، ورد فعل الجمهور لأدائها سواءً خدميٍ أو انتاجي، إضافةً للاطلاع على كل ما ينشر من دراسات وتحليلات ومقالات ورؤى وتقارير والرأي العام فيما يتعلّق بعملها وأدائها من أجل تقويمه، ضمن إمكانيات المؤسسة ومواردها المتوفرة، لمضاعفة العملية الإنتاجية والنهوض بها، بحيث تتناسب الموارد والإمكانيات مع القدرات والإنتاج، ولمسه من قبل المواطن، إضافةً لتقييم دور العاملين لديها بما يساهم بشكلٍ حيوي لتحقيق التفاعل والتعاضد ضمن المؤسسة لمضاعفة الإنتاجية، فتقييم المؤسسة لأدائها يسهّل عليها تقييمها لإنتاجيتها، وبالتالي التغذية الراجعة وردّ فعل جمهورها.
وهناك الوظيفة المراسمية والوظيفة التوثيقية اللتان تعتبران من مهام دائرة العلاقات العامة، بينما يعتبرها الكثير أنّها هي العلاقات العامة بحدّ ذاتها، وهذا الخطأ الفادح، لأنّ هاتين الوظيفتين لا يمكن لهما النجاح بشكلٍ فعلي، إن لم يتم تفعيل الوظائف السابقة جميعها، لأنّه حتى بالاستقبال والوداع وردود على الإعلام والتنسيق .... تحتاج لدراسةٍ جدية منطقية وواقعية، وليس مجرّد قطع تذكرة، أو ترحيبٍ أو استقبال أو تأمين إقامة أو وسيلة نقل، أو الإجابة على تساؤلٍ أو نشر خبر ... إلخ .
ان استشراف المستقبل، ومد جسور التواصل بين الشعب ومؤسساته، وبين المؤسسات لتحقيق التكامل والتعاضد والتعاون فيما بينها، لأنّها جميعها هدفها إدارة موارد الوطن لا التنافس على تحقيق مصالح مصلحية مؤسساتية منفردة، أو شخصانية فردية، وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسساته يساهم في سدّ الثغرات، وتجعل المواطن يلمس أداء مؤسساته بشكلٍ منطقي وواقعي، لأن الكثير من جهد مؤسساتنا يضيع ليس بسبب عدم قيامها بواجباتها، إنّما نتيجة ضعفها في التعبير عن نفسها، واستغلال ذلك من قبل ضعاف النفوس لتشويه المؤسسات الوطنية والدور الذي تقوم به، وتوسيع الفجوة بينها وبين المواطن، سواءً عن قصدٍ أو غير قصد.
على مؤسساتنا ألا تقف مكتوفة الأيدي أو مستسلمة للظرف الراهن، والأوضاع التي نمرّ بها، أو تعتبر أنّ الوقت سيمرّ، وتسير بوتيرةٍ طبيعية، بل عليها مضاعفة جهودها واستثمار دائرة العلاقات العامة والإعلام لديها بإعادة هيكليتها لتشمل كافّة مدراء المؤسسة برئاسة مديرها، بما يسهّل عليها ابتكار الحلول، وتطبيقها على أرض الواقع، واطلاق العنان للأفكار التي تساهم في ابتكار حلول أقلّ تكلفةً وأكثر إنجازاً، بقليلٍ من التمحيص والتفكير والتقييم لعملية الإنتاج انطلاقاً من الموارد المتوفّرة والمهام الملقاة على كاهلها، لأنّه بعد عصر السرعة انتقلنا إلى عصر القوّة والمرونة بآنٍ معاً.