عالم ما بعد «كورونا».. بقلم: رشاد أبو داود

عالم ما بعد «كورونا».. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ أبريل ٢٠٢٠

أيها العالم، كفى جنوناً، فإن الإنسان أغلى من المال. الأرض تهتز، لا موعد للزلازل، كفى رقصاً على جثث الأبرياء، أيها الأقوياء، فإن للضعف قوة أيضاً. عليك بالتخلي عن الكثير، لا الحصول على الأكثر، الإنسان يولد عارياً، ويُحمل إلى القبر عارياً، إلا من قطعة قماش أبيض بلا جيوب. لا يأخذ معه أي شيء، لا شيء. حتى هو يصبح لا شيء.
هذا بعض مما يقوله «كورونا» لسكان الأرض. سمه ما شئت، فقد اختلفوا على أصله وفصله. لم يعد لديهم متسع من الوقت، هربوا كلهم إلى بيوتهم، وسارعوا إلى مختبراتهم، يبحثون عن سلاح يقاومونه به، لم تنفعهم أسلحتهم النووية، وطائراتهم المقاتلة، وحاملات طائراتهم وصواريخهم العابرة للقارات.
كان «كورونا» أسرع منهم، أسرع من صوتهم، عبر القارات بلمحة بصر، مع أنه أعمى. لم يدخل بمراسم ولا بجواز سفر، ولا فتحت له بوابة صالات الشرف في المطارات. دخل من فتحة أنف خلقها الله للإنسان ليتنفس، ومن فم وجد ليأكل ويشرب ويتكلم الخير، لا يأكل مال الغير أو الغير نفسه.
لا ذنب لكم أيها الضحايا، يا من متم بالآلاف، ومن أصبتم بالملايين، بفيروس كوفيد التاسع عشر، وأعادوكم إلى عصور لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، الذي مارس سلطات باطرياركية مطلقة على الشعب، وقال «أنا الدولة، والدولة أنا». المتهمان الرئيسان هما: التنين الذي عاد للحياة، ويريد قيادة العالم، والكاو بوي المتمسك بالقيادة، والذي يرفع المسدس على كل من يخالف أوامره.
إنه الصراع بين بكين وواشنطن على قيادة العالم. كلاهما تتهم الأخرى بنشر الفيروس. الأولى تقول إنهم العسكريون الأمريكيون الذين شاركوا في بطولة العالم العسكرية في مدينة ووهان، التي انتشر منها الفيروس، وأنهم كانوا حملوا الفيروس من مختبر أمريكي للحرب البيولوجية في أفغانستان.
الثانية، واشنطن، تقول إن الخفافيش التي يأكلها الصينيون هي السبب، ثم عادت وقالت، إن الفيروس ربما تسلل من أحد المختبرات البيولوجية الصينية. لكن مع التزايد السريع لعدد الضحايا والوفيات، خاصة في إيطاليا وإسبانيا ومعظم دول أوروبا، قبل أن تصبح أمريكا، وخاصة نيويورك، في المقدمة، لم يعد المهم من السبب، بل كيف نوقف زحف «الكورونا»، بعد أن أصبح عدد الوفيات مثل حالة الطقس في نشرات الأخبار، وبات أكثر من نصف أهل الأرض سجناء في بيوتهم.
المختبرات في العالم، تعمل على إيجاد عقار للفيروس.
وهذه ليست المرة الأولى التي يضرب فيها فيروس الإنسان، فيقتل الآلاف، ويدمر الاقتصاد، ويوقف المصانع، ويتسبب في أزمات ركود عالمية.
فقد حدثت أول أزمة اقتصادية عالمية عام 1637، وهي ما عرفت باسم أزمة التوليب، التي أدت إلى أول انهيار لسوق الأسهم في التاريخ، كما تقول بعض المصادر. حدثت الأزمة في فبراير 1637، في هولندا، بعد مضاربة على أسعار زهور التوليب، حيث وصلت الزهور من القسطنطينية، قبل بضع سنوات من ذلك، وكانت شائعة جداً لدى الطبقة البرجوازية والأرستقراطية في أوروبا.
وكانت تباع بموجب عقود. وفي تلك السنة، تجاوزت العقود الكميات المتوفرة، فانهارت الأسعار...، كانت الزهرة الواحدة تتداول بمبلغ يعادل 20 ضعف الراتب السنوي للعامل، حيث وصل سعرها إلى 4000 فلورين، مع العلم بأن الدخل المتوسط للفرد حينها لا يتعدى 150 فلورين.
عام 1929، حدث ما عرف بالكساد العظيم، لكن أحدث أزمة هزت الاقتصاد العالمي، فهي ما عرف بأزمة الرهن العقاري عام 2008، في أمريكا، التي أدت إلى انهيار سوق الأوراق المالية في وول ستريت، أهم سوق للأوراق المالية في العالم. وسرعان ما انتشرت الأزمة إلى معظم أنحاء العالم.
تماماً، كما يحدث الآن بسبب فيروس «كورونا». فعدا عن أرواح البشر، فإن كل يوم يمر، تخسر اقتصادات دول العالم مليارات الدولارات والوظائف. فالأمريكيون وحدهم خسروا قبل أيام مليوني وظيفة، ما يعني مليوني عاطل جديد عن العمل، فما بالك بالدول الفقيرة، التي تعاني أصلاً من تدني نسب النمو، وارتفاع معدلات البطالة؟.
عالم ما بعد «كورونا» ليس كما قبله، عالم جديد، لم تتضح معالمه، ولا إلى أين يتجه!
* كاتب أردني