عولمة الأوبئة.. بقلم: يحيى زكي

عولمة الأوبئة.. بقلم: يحيى زكي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٩ مايو ٢٠٢٠

في تقرير مطول نشره موقع بي.بي.سي عن انتشار الأوبئة في العالم الإسلامي في القرون الوسطى، اختتم الكاتب موضوعه بالإشارة إلى بحث محموم أجراه الغرب آنذاك للعثور على أماكن نشأة الأوبئة، والتي نُسب موطنها لاحقاً إلى الشرق. اللافت للانتباه أن التقرير يطلق على هذا التوجه «الوبائيات الاستشراقية»، والتي لا تزال تؤثر في الوعي الغربي حتى الآن، أي أن الشرق لم يدرس ويشوه حضارياً وثقافياً في مختبر الاستشراق وحسب، ولكنه كان ولا يزال مصدراً للأمراض والأوبئة.
منذ انتشار فيروس كورونا، هناك تربص غربي، وخاصة أمريكي، بالصين، يدخل في دائرة الصراع التجاري والسياسي المحتدم بين البلدين، ورافق ذلك لهاث وراء أخبار تتبع عدة أمراض أخرى تشبه الأوبئة تنطلق من الصين، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، وكأن الصين أصبحت متهمة دائماً، والأكثر إثارة أن هذه الأخبار تصادفنا بين فترة وأخرى، ربما بصورة دورية، ويتم عولمتها وتداولها من دون التثبت من صحتها، ومؤخراً قرأنا عن إصابة عشرات الأطفال في بريطانيا والولايات المتحدة بمرض تتشابه أعراضه مع «كورونا»، ولكنه يشبه أيضاً متلازمة «كاواساكي» والتي اكتشفت في اليابان للمرة الأولى عام 1967، أي أن الاستشراق الذي صاحب الاحتلال دوماً اشتغل في الماضي على تشويه صورة الشرق الإسلامي، تمهيداً لاستعماره، وها هو يعمل الآن مجدداً على صورة الشرق الأقصى، حيث انتقلت ساحة الصراع.
هل نحن على مقربة من مرحلة توظف فيها الأمراض في الخلافات السياسية؟ وهل توجد أبحاث علمية محايدة تكشف لنا عن أماكن نشأة الأوبئة؟ وهل هناك قراءات موضوعية مستقلة ونزيهة ترصد تاريخ الوباء وموطنه؟ وإذا فرضنا جدلاً أن الشرق كان دوماً موطناً للأوبئة، فماذا على البشرية أن تفعل؟
إن إلصاق تهمة نشأة أو انتشار مرض ما بشعب معين، لن يؤدي إلا إلى الكراهية بين البشر، ويفتح الباب لجدل لا ينتهي، فبحسب الكثير من المؤرخين مات الملايين من السكان الأصليين للأمريكيتين بسبب الأمراض التي حملها الأوروبي معه إلى الأرض الجديدة، ويذهب الأورجواني إدواردو جاليانو في كتابه الشهير «الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية» إلى أن أكثر من نصف سكان أستراليا وجزر المحيطين الأطلنطي والهادئ والأمريكيتين توفوا من دون حرب أو قتال، ولكن بسبب العدوى الناجمة عن الاتصال بالرجل الأبيض، والذي كان في نظر أصحاب الأرض الحقيقيين مجرد وباء.
ليس للأمراض والأوبئة وطن أو جنسية أو عرق أو دين أو لون، ربما تكون أعدل الأشياء قسمة بين البشر، ولا يمكن لنا أن نواجهها إلا بالمحبة والتعاطف مع المصابين، وتقديم كل الدعم والمساعدة لهم.