الأمن الصحي الوطني...بقلم: سامر يحيى

الأمن الصحي الوطني...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣٠ يونيو ٢٠٢٠

 "جائحة كورونا" أكّدت أهمية الأمن الوطني الصحي، وضرورة دعمه وإيلائه الاهتمام الكلّي، لأنّه أساس نموّ المجتمع وسلامته وتفوّقه، لا الاقتصار على ورقياتٍ وتعاميم وقراراتٍ ورصد مبالغ مالية، وعملٍ روتيني.
 المسؤولية الأساسية للسلطة التنفيذية إدارة موارد الوطن، ولديها جزءٌ متخصص مهمته الإشراف وإدارة ورسم السياسات الصحية وتوجيه العاملين لتطوير الأداء، والاستثمار الأمثل للموارد والإمكانات المادية والبشرية، والبنى التحتية القوية والمتماسكة من مشافٍ ومراكز صحية ومعامل أدوية وصيدليات ومختبرات، وسمعة دولية للمنتج الطبي السوري بكلّ أصنافه، ما يختصر الطريق ويسهّل عملية التفعيل والنهوض بالقطاع الطبي بشكلٍ أفضل، لا مجرّد القبول بسير الحياة الطبيعي الروتيني، لنتمكّن من تجاوز كل العقوبات والتحديّات والمعوّقات.
 القطّاع الطبّي إنساني وليس تجاري، طبعاً لا ننكر أن من حق طالبٍ قضى ما يقارب خمس وعشرون عاماً على مقاعد الدراسة والبحث العلمي، الحصول على دخلٍ يؤمّن له حياةٌ كريمة، تساعده على الاستمرار بالعطاء والإبداع والتركيز بالأداء العلمي، واحترام الروح الإنسانية، ونظافة المقرّ، فتحقيق التوازن بين مصلحة الكادر الطبي، ومصلحة المجتمع ليس صعباً، لأن الأمن الصحّي يشمل المجتمع ككل، وقيام الكادر الطبي بواجباته ينعكس إيجاباً على كلّ القطاعات، فلا نفع للإشادة إن قام الكادر الطبي بدوره المنوط به، ولا اتهامهم بتقصير، ولا تبرير التقصير بصعوبة تأمين المواد، أو قلّة المرتّبات، أو تسعيرة الدواء أقلّ من التكلفة، أو ارتفعت كافّة الأسعار وبقيت أسعار المنتج الطبي دون تغيير...إن لم نقم بدراساتها خلال النقاش والحوار البنّاء ضمن المؤسسة الطبية والمؤسسات التي تتشاركها المسؤولية، والنقابات المتخصصة لإيجاد الحلول وتفعيل الدور.
 الطب ليس تجارة ومن واجب المؤسسات الطبية البحث عن عائدٍ مادّي لأبنائها، فعدا عن عدم احترام الوقت لدى الأطباء، وعدم التعاون بين المرضى والكادر الطبّي، الذي في غالبيته يتعامل مع المريض كسلعةٍ في متجر، وتصرّفات شركات التأمين الصحي، التي يعزف الكثير عن استخدامها لعدم قدرتهم على الانتظار ريثما تأتي الموافقة على شمولية العلاج أو قبول الوصفة الطبية من عدمه، كاملاً أو جزئياً أو تغيير الوصفة من قبل الطبيب لتصبح الصيغة مناسبة،  واستغلال بعض العاملين لهذه البطاقة، سواءً ببيع الأدوية أو حتى الذهاب لمشافٍ خمس نجوم رغم أنّ حالته المرضية يمكن حلّها بأي مركزٍ صحيّ حكومي، عدا عن عدم قبول غالبية الأطباء والمشافي لهذه الشركة أو لا يقبل بالانضمام إليها؛ إنّ هذا يدعو لأن يتحوّل عملها لمجالاتٍ أخرى، وحصر التأمين الصحي بالقطاع الحكومي ليكون تكافلياً تعاونياً يصب في مصلحة الكادر الطبي والمريض بآنٍ معاً، ورافداً لتطوير القطّاع الطبي، ولو تم تغيير التسمية لتصبح "صندوق الدعم الصحي".
 المفترض أن معامل الأدوية تضمّ خبراء وباحثون وأصحاب شهادات عليا في تركيب الأدوية، بما يسهّل المهمة من مجرّد مصنّع تقليدي، إلى ابتكار أفضل الأدوية بأرخص الأسعار وتأمين المواد الخام بأقصر الطرق وأرخص الأسعار، وتحقيق الاكتفاء الذاتي بل وزيادة الإنتاجية وفتح باب تصدير الفائض، بالتشارك والتعاضد مع المؤسسات الوطنية الأخرى. 
 تحويل الطلبة من مجّرد التواجد بالمشافي التعليمية لكسب علامةٍ أو إثبات حضور، إلى دور فاعل في ربط العلم بالعمل، وخلق أفكارٍ ورؤى جديدة لتطوير المنتج الصحي وأساليب الوقاية والعلاج، باكتساب خبرةٍ علمية وعملية، وتجارب حقيقية.
 استثمار المبانِ الحكومية الصحيّة، وكلّ زاويةٍ فيها لزيادة عدد الأسرّة، وتفعيل دور العاملين، والنقابات، التي لا يقتصر دورها عن الدفاع عن المنتمين إليها، إنّما استنهاض جهود كل منهم، وتفعيل دورهم عبر لقاءات وحوارات ونقاشات وتبادل ومتابعة أحدث التطورات والإبداعات العلمية في المجال الطبي، وجلسات عصف فكري كل ضمن تخصصه، والتعاون مع الآخر، بما فيها الطب البديل، ما دام الهدف صحّة الإنسان، واستشراف واستنباط الحلول، باعتبار الأطباء الأكثر وعياً، ويدركون أهمية شعار ""درهم وقايةٍ خير من قنطار علاج".
 الأمن الوطني الصحي يحتاج تفعيل جهود جميع مؤسسات الوطن، لا سيّما طلّاب الكليات الطبية كلٌ ضمن تخصصه، والأطباء العاملين في القطّاع الحكومي والخاص والمغتربين، بما يساهم بتعزيز التعاون والتعاضد وتبادل المعرفة والمعلومة، ونشر الثقافة الصحية والوعي السليم.
 لقد اثبت انتشار فيروس كورونا بأنّ الحل ليس بالحظر ولا بإنهاء لقاءٍ أو الغاء متابعةٍ، وإيقاف تدريب، إنّما بمضاعفة الأداء وأخذ كامل الحيطة والحذر، والانتباه المستمر والتنبّه لما قد يحصل آنياً ومستقبلاً، وإيمان الكادر الطبي بأنّهم الجزء الأساس في تطوير المجتمع ورقيّه، والحفاظ على طاقة أبنائه، وتفعيل وتعاضد دور الجميع بما يعزّز الأمن الوطني الصحي.
  لا يحقّ لأيٍ كان أن يقارن الشعب العربي السوري بأي شعبٍ آخر، ولا أن يقول أنّ هذا الفريق بذل جهداً أكبر، لأنّ كلٌ منا يجب أن يقوم بالدور المنوط به وهذا لا منيّة لأحد به، ولدينا موارد بشرية وإمكانيات مادية تحتاج الاستثمار المدروس، بسرعةٍ لا تسرّع، بحكمة وحنكة، بإيمان بالوطن وجهود أبنائه كلٌ في مجاله، لننهض أقوى، ونقضي على طموحات أعداء الوطن، سواء عبر الحصار أو دعم الإرهاب، ومواجهة كل التحدّيات، بالبنى التحتية والشعب الصامد والإيمان بتراب الوطن المقدّس.