ما الذي تريده أميركا من المنطقة والعالم؟.. بقلم: محمـد ح. الحاج

ما الذي تريده أميركا من المنطقة والعالم؟.. بقلم: محمـد ح. الحاج

تحليل وآراء

الخميس، ٢ يوليو ٢٠٢٠

هل لأميركا سياسة تخدم الشعب الأميركي في المنطقة؟
هل الإدارة الأميركية مستقلة وتعمل بالشعارات التي ترفعها؟
هل قانون قيصر لنصرة فئات مظلومة أم لإخضاع شعوب المنطقة؟
لنكن واقعيين، لا بدّ من مجاراة المحللين السياسيين المستقلين عبر العالم، والأخذ بنتائج تحليلاتهم ومتابعتهم للسياسة الأميركية عبر العالم، وهذه النتائج تشير إلى انعدام سياسة خاصة تجاه دول العالم خصوصاً في منطقة المشرقين الأدنى والأوسط، فهي تتبنّى سياسة خاصة لا تخدم سوى الكيان المغتصب المحتلّ لفلسطين، ويذهب المحللون لأكثر من ذلك إذ يعتبرون أن من يضع السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة هو من يسمّى رئيساً لوزراء الكيان وأنّ مسؤولي الإدارة الأميركية مجرد أدوات تنفيذية لخططه ورغباته، ترامب، بومبيو، كوشنر النماذج الأوضح تعبيراً عن هذا الواقع.
القيم والشعارات الأميركية المعلنة هي حقيقة زائفة، تقوم على الاحتلال وإبادة الآخر، وفرض مفاهيم المحتلّ وقيمه على أصحاب الأرض ـ تماماً ذات السلوك الذي كان بداية إرسال مجرمي أوروبا لاحتلال القارة المكتشفة، وهذه تكرّرت ثانية على يد القادمين من كلّ أصقاع المعمورة إلى فلسطين، أما الديمقراطية فهذه تجسدها أفعال عصابات الشرطة وممارساتهم بحق المواطن الأميركي وإنْ كان بريئاً، ومحاربة الديكتاتورية هذا الشعار المترهل الذي يتسع لكلّ التفسيرات بحيث يكون نظام جمهوري شبيها وقريبا من النظام الأميركي هو ديكتاتوري بمقابل نظام ملكي قمعي لا يجرؤ فيه مواطن على توجيه النقد لأيّ من ولاة الأمر ودون ذلك السيف أو المنشار أو السقوط الحرّ من طائرة فوق الربع الخالي.
لم يعد الاستعمار حصراً بنزول الجيوش واحتلال الأرض وفرض نظام الحكم، هناك أنواع كثيرة للاستعمار، الثقافي، المالي، العقائدي، ثقافة الإيمان بوجود شعب مختار، ووعد إلهي بتخصيصه بأرض غيره (المكتب العقاري السماوي) هي ثقافة تسود في عالم الغرب، وحتى الشرق ومنه العرب والإسلام نموذجا فلماذا نوجه اللوم للمسيحية فقط، لقد نجح اليهود في اختراق الجميع. الاستعمار المالي «الدولار» الذي تملكه العائلات اليهودية السبعة، يسيطر على الاقتصاد والتجارة العالميين عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد وبه يتم إحكام الحبل على عنق الدول والأنظمة المستهدفة، وهو كوسيلة للعقاب والثواب على مساحة العالم، الثواب بالرشوة وشراء العملاء والأدوات. أما الاستعمار الديني فهو أداة التمزيق وتفتيت المجتمعات بعد تجزئة العقائد إلى مذاهب نجح في إبرازها واستثمارها حكماء صهيون منذ الأزل، نذكر بما قاله بن غوريون: نحن لا نعتمد على ذكائنا في تحقيق خططنا وأهدافنا بل على غباء الطرف الآخر!
قانون قيصر هل يستهدف سورية فقط؟
بل هو يستهدف العالم، كل دولة يمكن أن تخالف الرؤية الصهيونية في توفير الأمن الدائم للكيان الصهيوني وإزالة مصادر الخطر، هذا لا يكون إلا باعتراف المحيط بهذا الكيان والتسليم له بما يريد من حدود وثروات وهيمنة ونفوذ معتبراً «أنّ سيطرته هي إرادة ربانية يهوهية سامية»، الأمر الذي لا تعترف به شعوب المحيط وإن اعترفت به بعض حكوماتها، الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه، والشعب السوري ومثله المصري واللبناني والأردني لن يرتكبوا جرم الخيانة العظمى للقضية، ومنظمات المقاومة لن تلقي السلاح ولن تستسلم لإرادة المحتل، وثروات المتوسط لن تكون للغرباء بل لأبناء المنطقة ودون ذلك الحرب.
قانون قيصر يهدف إلى تجويع شعب المنطقة حتى يرضخ أو يثور فتكون حرب داخلية، فشلت أميركا ومعها الكيان في الحروب العسكرية، حرب التجويع قد تكون البديل لإنتاج حرب من نوع آخر تستهدف البنى الداخلية بقيادة الزعامات العميلة التي ستغادر إلى جحور آمنة خارج البلد تاركة قطعانها تتطاحن وتفنى وهي تتفرج وهكذا لن تخسر أميركا ولا الكيان شيئا، الرهان الأكثر خبثا وقباحة على الصعيد الإنساني. قد يكون لأميركا أهداف جانبية في معاقبة الدول والشركات التي تحاول مساعدة شعب المنطقة، على سبيل منعها من توثيق علاقاتها وفتح أسواق وروابط تحد من علاقات وأسواق أميركا وبالتالي التخلص من ربقة التبعية لها، رغم صعوبة تحقق ذلك بوجود أدوات وعملاء مرتهنين يعيشون على الاسترزاق منذ زمن طويل.
قيصر يحاصر المقاومة في لبنان وفلسطين والشام والعراق وايران، وعصا غليظة تلوح في وجه مصر والأردن وكثير من دول المنطقة، القانون الذي وضعه الكونغرس الصهيوني بذريعة دعم تنظيمات سورية تتواجد في أميركا والغرب، ما هي إلا تجمعات مرتبطة بالمشروع الصهيوني، معادية لوطنها وشعبها، بل أن معظم أفرادها لا يعرفون موقع سورية على الخريطة، هم بمجملهم ومن معهم لا يشكلون ما نسبته 1% من اجمالي السكان، هذه الديمقراطية الأميركية ذاتها المطبقة على شعوب العالم، المخصصة للأنظمة التابعة، والشعوب الخانعة، قانون لا علاقة له بإنصاف طائفة على حساب أخرى، ولا دين على حساب آخر، ولا فئة اجتماعية عرقية أو عشائرية يعتبرونها مظلومة، الجميع في الميزان، إما تابع خاضع، أو عدو لا بد من إزاحته من الطريق، المقاومة اللبنانية والفلسطينية تهدّدان الوجود والاستثمار والمشاريع المستقبلية، وإذ يستعجل قادة الكيان تحقيق مخططاتهم في السيطرة على الأرض والبحر والثروات بالسرعة القصوى دون التنازل عن أيّ منها، فهم من جانب آخر غير واثقين ولا يؤمنون بدوام كيانهم حتى الاحتفال بالعيد الخامس والسبعين، أغلب مسؤوليهم الكبار أعلنوا ذلك ومنهم قادة الاستخبارات وكثير من العلماء، هي النبوءة: النهاية بين2025 – 2023.
قيصر يحقق النجاح ضمن حدود في كل مكان، ينجح أكثر على الساحة السورية بعد وضع اليد الأميركية على الثروات المحلية، ونعلم أن دعائم الصمود تتوفر في الجزيرة السورية، بضع مئات من الجنود الأميركان يفرضون حصاراً على ثرواتنا، أداتهم جماعات يقودها عملاء أغبياء تحيط بهم بيئة خانعة تستظل حماية مؤقتة قد تسقط في أية لحظة، هل قصرنا في التصدي وطال سكوتنا على هذا الوجود، ولماذا؟
قسد وأمثالها من تنظيمات خارجة على القانون، تعلن عداءها للدولة السورية (والدولة هنا أرض وشعب وحكومة) وولاءها لعدو يستهدف الدولة ومكوناتها، هؤلاء يرتكبون جريمة الخيانة العظمى معتقدين خطأ بدوام الحال والقدرة على الاستمرار، رهان أثبت التاريخ والتجارب بطلانه بعد تخلي الأميركي عن كل عملائه وأدواته في كل العالم، وهنا أيضا سوف ينسحب ويتخلى ويسقط الرهان ليواجه من يبقى من العملاء مصيره المحتوم بمواجهة القوانين والأنظمة المرعية في كل دول العالم ومثلهم عصابات الشمال في ادلب.
ما تريده أميركا من قانون قيصر ليس ما يعتقده البعض أنه انتصار له بمواجهة غريمه، أميركا تريد ما يطالب به كيان العدو، جوار منزوع السلاح في كامل المحيط، اعتراف بيهودية الدولة، تعديل في الحدود البرية والبحرية، معاهدات سلام على غرار وادي عربة تضمن تمدد النفوذ اليهودي لتحقيق حلم الدولة الكبرى، توطين الفلسطينيين وما بقي منهم في الداخل شرق الأردن وفي الشام ولبنان والعراق، توطين السوريين الموجودين في لبنان باعتبارهم كتلة مناهضة للحكم في سورية (اعتقاد خاطئ بطبيعة الحال) لكنه كفيل بتغيير ديمغرافية لبنان لمصلحة طرف ضد آخر!
قد لا أُجانب الصواب إذا قمت بتخمين موقف حزب الله ومن معه، وكذلك الشام ومن يدعم جبهة المقاومة، وحسب رؤية واقعية فإنّ الحلم الصهيوني بمحيط منزوع السلاح هو مجرد فانتازيا نهارية تسقط عند حلول المساء، لا اعتراف بيهودية للدولة ولا أحقية لها بالوجود، هذا ينفي القبول بأيّ حديث عن تعديل ما يسمّونه حدوداً برية أو بحرية هي بالأساس غير قائمة ولا معترف بها، لا توطين للفلسطينيين، وهم يرفضون ذلك، أما السوريون في لبنان فهم وجود مؤقت يرتبط بالحال المعيشي والظرف الراهن، أغلبهم واقع تحت سيطرة جماعات لبنانية تستثمر هذا الوجود بابا للتسول والارتزاق تحت كثير من اليافطات بعضها الضغط على الحكم في الشام!
قانون قيصر ليس سلبياً بالمطلق، ولو أنّ سلبيته تطال عامة الشعب في المنطقة، هو إيجابي للفساد والفاسدين وفرصة لتحميله نتائج فسادهم وأنانيتهم وجشعهم المادي، هؤلاء يشكلون أداة تنفيذية داعمة للقانون، كما يشكل القانون حالة إيجابية لكثير من الدول بمواجهة الهيمنة والسيطرة الأميركية على المنطقة عن طريق فتح قنوات تواصل ودعم لشعوب المنطقة وفرصة سانحة لضرب نفوذ الدولار وهيمنته، وقد يكون ذلك خطوة أولية لإيجاد نظام مالي دولي خارج السيطرة الماسو – صهيونية المتحكمة حتى بالشعب الأميركي.
فمن هي الدول التي سوف تتجرأ على الدولار ونظام حكومة الظل والمحفل العالمي؟