المسؤولية قولٌ وعمل.. بقلم: سامر يحيى

المسؤولية قولٌ وعمل.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٤ يوليو ٢٠٢٠

 وليست مجرّد مديرٍ أو منتمٍ لمؤسسةٍ وبيده القرار، قيمة إنسانية وأخلاقية وقانونية، تنعكس على المجتمع الذي نعيشه، يتمتّع بها كل إنسان دون استثناء مهما كانت طبيعة عمله ومكانته ودوره، وليس كرسيٌ يجلس عليه الشخص.
 لنتساءل، هل كل من هو في سدّة المسؤولية مسؤولٌ حقيقي؟! وهل كل من يطمح لتسلّم منصب يدرك حجم المسؤوليات أمامه ؟! ـ لا سيّما نحن في سباق تولّي مسؤولية "تمثيل الشعب تحت قبة المجلس" ـ هل الدور هو البحث عن الصلاحيات والحصانة والعائد المادي والجاه الذي سيحققه؟ بالتأكيد مجرّد النقد وإطلاق الوعود الرنانة والشعارات الخلابة، لا يعني التحلّي بالمسؤولية، إن لم تترافق هذه الشعارات بمتابعةٍ جديّة ودراسة كافية، ومتابعة حقيقية، لأنّ كلّ منا قادر على إطلاق الوعود والأحكام ولكن نادرٌ من يستطيع تطبيق ما يؤمن به على أرض الواقع، فليس كل مثقّف مثقفاً إن لم تنعكس ثقافته وقراءته على أرض الواقع الذي يعيش به، وإن لم تكن له أرضيةٍ ينطلق منها في طرح أفكاره وتنفيذ وعوده. أليس من الخطأ الفادح أن يطمح شخص لمنصبٍ ويتّهم الآخر بالفساد والتقصير، بينما هو لا يبحث في آليات تطوير العمل، والتحضير المسبق لتحقيق النجاح، والدور الذي يمكّنه من القيام بتطوير أداء المؤسسة التي يتحدّث عنها.
 هل كل من استعدّ لخوض الحق الدستوري المقدّس بانتخابات مجلس الشعب، ـ وهذا ينطبق على الجميع ـ قد اطّلع على دستور الجمهورية العربية السورية؟ وهل اطّلع على النظام الداخلي للمؤسسة؟ وقرأ أن دور مجلس الشعب "تولّي السلطة التشريعية وممارسة سلطاته المحددة في الدستور، ومهمة عضو المجلس تمثيل الشعب بأكمله، ولا يجوز تحديد وكالته بقيدٍ أو شرطٍ، وعليه أن يمارسها بهديٍ من شرفه وضميره، ويلتزم الأعضاء فيما يجرونه من مناقشات بأحكام الدستور والنظام الداخلي للمجلس".
 إطلاق شعارات ووعود، والحديث عن تقصير هذا وذاك، ونقد أداء تلك المؤسسة، لا يعني أنّ صاحبها قادرٌ على النجاح والإبداع، لأنّه شتان بين الكلام النظري النقدي، لإرضاء الذات واستعطاف الآخر، وبين النقد البنّاء وطرح الرؤى والأفكار المستندة إلى وقائع وحقائق وتبحث في جذور المشكلة، وتقترح الآليات القابلة للتطبيق على أرض الواقع.
 إن تحمّل سدّة المسؤولية ليست عملية بسيطة وسهلة، فكيف إذا كانت مسؤولية تمثيل شعبٍ بأكمله بكافّة أوردته، وأنّى كان تواجده، وصوته لدى المؤسسات الحكومية على مدى انتشارها واختلاف تخصّصاتها ومجال عملها والمهام المنوطة بها، مما يجعل واجبه دراسة مستقبل وأهمية القرارات القائمة قبل اقتراح مشروع قرار جديد أو تعديلٍ لقرار، ودراسة جديّة لمهام المؤسسة ودورها وإمكانياتها وقدراتها وما اتخذته من قرارات وافتراض الحلول، قبيل استدعاء وزيرٍ أو طرح موضوع نقاشٍ ليكون الكلام قابلاً للتطبيق على أرض الواقع، نابعٍ من معرفةٍ لا استعراض عضلاتٍ وظهورٍ إعلامي، واستقطاب عاطفي...، وهذا الفرق بين ممثل الشعب تحت قبّة مجلس الشعب، إذ يمكنه تجميع البيانات ووضع الخطط والأفكار القابلة، من خلال نقاشٍ ولقاءٍ مع المتخصصين والعاملين في المؤسسة التي يتحدّث عنها، وبين المؤسسة الإعلامية التي هي صوت المواطن لدى الحكومة تنقل الرغبات والطموح، الحاجة والمتطلّبات، الأفكار والدراسات، الرؤى والاقتراحات، وبنفس الوقت صوت الحكومة لدى المواطن لتبرز دورها البنّاء وجهودها المبذولة، والجهود التي تبذلها رغم كل الظروف التي تمرّ بوطننا من حصارٍ وإرهابٍ وتقصيرٍ هنا وهناك، وموجة الغلاء العاصفة بكلّ دول العالم.
 أي عمل يحتاج البحث في الآليات لتغييرها، فلا فائدةً من تغيير أشخاص في مؤسسة إن لم تناقش الآليات والأفكار والأرقام الحقيقية، سواءً لناحية نجاح أو إخفاق المؤسسة، وهي أولى بل أهم خطوات مكافحة الفساد، وتحشر الفاسد بالزاوية، عندما تناقش فرص النجاح والموارد المتاحة والمعوّقات وكيفية تجاوزها، ودراسة كل بندٍ في الموازنة ودوره الحقيقي والفعلي في العملية الإنتاجية، لا مجرّد رقماً روتينياً ينتقل من عامٍ لآخر وتوقّعات دائما ًنجدها تفشل.
 إن مجلس الشعب ليس مجرّد مؤسسة، إنّما هو السلطة التشريعية، والتي من المفترض أن يكون لديها كادرٌ كافٍ لتقديم البيانات والمعطيات ويساعد أعضاء مجلس الشعب على القيام بالمهام المنوطة بهم، على أكمل وجه، لا مجرّد رأيٍ أو وجهة نظرٍ من طرفٍ واحد، ودراسة كل الأفكار والبيانات من جميع من ترشّحوا للمجلس سواءً نجحوا أم لا لمعرفة رأي ونبض الشارع، ووضع خارطة طريق وعمل للمجلس بأولى جلسات انعقاده. فالمسؤولية والحصول على الشعبية ومحبّة الجمهور، ليست تلبية طلب هذا المواطن أو ذاك، أو تقديم خطابٍ، إنّما البحث في جذور المشكلات واعتبار كل مشكلة شخصية مشكلة عامّة، وبالتالي تلقائياً نقضي على الاستثناءات، ونستثمر جهود الجميع، ونستقطب كلّ مواطن، بعيداً عن الحل الآني الفردي آخذين بعين الاعتبار أن "تعليم الصيد خير من تقديم السمك".
 لم يكن دور السلطة التشريعية روتيني، أو تسلّطي على الآخر، إنّما البحث والتشخيص الدقيق، ونقل رؤى الشعب وطموحاته وأمنياته، ومعالجة مشكلاته، ومتابعة المؤسسات الحكومية لتنفيذ التشريعات والمهام التي تقوم بها على أكمل وجه، والتعاون في دراسة القرارات القائمة وتقييمها وتقويمها، ومن ثم ابتكار مشروعات قرارات تساهم في التمثيل الأمثل للشعب وتلبية طموح جميع أبناء الوطن واستنهاض جهوده.
 الشعب العربي السوري شعبٌ حيٌ وحيوي، نشيط ومبدع، يحتاج استنهاض القوى وتفعيل دوره وتوجيهه لإشراكه في عملية بناء الوطن والحفاظ على قدسية ترابه، وإعادة إعماره وتحقيق استقراره وازدهاره، كلٌ في مجاله، رغم كل محاولات شقّ صفوفه وتشويه سمعة مؤسساته.