قوّة المعرفة.. بقلم: سامر يحيى

قوّة المعرفة.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١١ أغسطس ٢٠٢٠

تسلّمت شابّة رئاسة مؤتمرٍ لكنّها كانت أكثر ديكتاتورية وتجاهلاً لنظرائها الشباب، تسلّمت امرأةٌ زمام مؤسسةٍ لإعطاء فرصة للسيدات، لم تتمكّن من إدارة حكيمة لمهامها، صاحب شهادةٍ علميةٍ أكاديمية عالية لم يتمكّن من قيادة دفّة مؤسسته بالشكل المطلوب، وهناك أيضاً رجالٌ وشبابٌ ونساء استطاعوا التعامل بحكمةٍ وحنكةٍ وحيوية ونشاط، وقدرةٍ على الإبداع، ومضاعفة الإنتاج، فالعبرة ليست في السن والجنس والشهادة العلمية بقدر ما هي الكفاءة والمهارة، ومعرفة المهام المنوطة به لإدارة عمله بالشكل الأمثل.
 دون شكّ العمل المؤسساتي الحكومي هو صمّام الأمان للنهوض في مجتمعنا بشكلٍ أساس، وقدرة على توفير متطلّباته واحتياجاته، لأنّ ربّ العمل وعائد المؤسسة لصالح الوطن ككل، والحكومة التي مهمتها إدارة موارد الوطن، دورها المعرفة التامّة والإدراك والتعامل بجديّة مع الإمكانيات والقدرات والموارد والبيانات التي تساعدها في النجاح، وأكثر قدرةً على اكتساب المعلومة وتوزيعها من الآخر، الذي هدفه المصلحة الشخصية وهذا طبيعي. ولكن هل المؤسسات الحكومية التي لدينا تعتمد على قوّة المعرفة والإبداع ومهارة القائد واستنهاض جهود العامل، واستثمار الموارد الماديّة والبشرية بالحكمة والحنكة المطلوبة، أم تكتفي بعلامةٍ أكاديمية وروتينٌ يومي؛ هل نحن نطوّر مؤسساتنا ونعمل على تعديل هيكليتها التنظيمية وتوصيفها الوظيفي انطلاقاً من المعرفة الحقيقية دور ومهام وأهداف المؤسسة ضمن الواقع الراهن والإمكانيات المتاحة والتطوّرات المستقبلية، أم مجرّد إطارٍ نظريٍ يستند لتجارب الآخرين ـ متجاهلين الكفاءات التي لدينا وتطبيقها يأتي بعد فترةٍ زمنية من البدء بإعدادها فتفقد هدفها الحقيق وتتغيّر الظروف ونضطرّ لتغييرها خلال فترةٍ قليلة متذرّعين بالمرونة الإدارية، متجاهلين أن المرونة الإدارية تعني المرونة بالتعامل وتطبيق الأنظمة بما يهيأ بيئة تشجّع على الابداع والابتكار، وليست إصدار قرارٍ أو تعميم أو هيكلٍ ومن ثم تغييره بعد فترةٍ من الزمن، فهذا اسمه تقصيرٌ بل تخلّف إداري، فالمرونة تعني قوّة المعرفة والمعلومة التي تساهم في دراسة جدية والبحث بأسباب وجود المؤسسة، ونقاط القوّة والضعف، والمهام الموكلة إليها، وتعاونها وتعارضها وتشابكاتها وواقعها الحالي وتوزيع الموارد البشرية والمباني لديها، لأنّ مجرد الاستناد رأي شخصٍ ورغباتٍ فردية وتعبئة بيانات جامدةٍ من خلف طاولةٍ وتنظيرٍ ورقي.
نطالب بالرجل المناسب بالمكان المناسب، وإعطاء الفرصة للشباب، والمساواة مع المرأة، وتغيير الأشخاص، هل لدينا قوة معلومة ومعرفة عن هذه الشعارات، وهل لدينا تعريف حقيقيٍ لها، هل النجاح الأكاديمي كافٍ، وهل الإطار النظري الجامد يحقق إنتاجاً، حتى الآلة إن لم تعتنِ بها وتواظب على صيانتها تتعطّل ـ وهذا ما يحصل لدى الكثير من مؤسساتنا ـ هل اخترنا الكفاءة والمهارة وقوة المعرفة لدى الشخص عن العمل المكلّف به. ألا يعني ضخّ الدم الجديد في المؤسسة ليس تغيير الأشخاص، ولا اختيارهم وفقاً لشهاداتٍ معيّنة وصفاتٍ شخصانية ما، إنّما بالتأهيل والتدريب وتزويده بقوّة المعلومة عن عمله ودوره المنوط به، أليست الكفاءة والمهارة والاستثمار الأمثل للإمكانيات هي دورة الدم في حياة العامل الوظيفية، وتجعله الأصلح لتولّي سدّة المسؤولية أو الانتقال لهذا العمل أو ذاك، وفترة المائة يومٍ كافيةٍ ليظهر عطاء أيّ شخصٍ مهما كانت رتبته العلمية أو العملية ليكتسب قوّة المعلومة لا سيّما نحن الآن في عصر السرعة وسهولة الحصول على المعلومة وتدقيقها والإنجاز لكمية أكبر بوقتٍ أقصر وجودة أفضل نتيجة توفّر كافّة وسائل المساعدة المادية والبشرية والتقنية.  
 النظريات ثابتةً ولكن الواقع يتطوّر باستمرار، لا يوجد ثباتٌ في العمل الإداري فالمعلومة متطوّرة باستمرار، والكفاءة والقدرة والإمكانية والمعرفة تزداد مع الأيام، وعلاج جذور المشكلات وتوقّع التحديّات والاستثمار الأمثل للموارد، يتغيّر بين يومٍ وآخر انطلاقاً من التجارب والخبرات، وكرسي السلطة والمسؤولية دافعاً للعمل والإنجاز والتكامل في العمل المؤسساتي والمهارة في اختراع الأفكار التي تساهم في تنفيذ القوانين والالتزام بدستور البلاد، وإدارة موارد المؤسسة بالشكل الأمثل، وليس كرسي للتسلّط وفرض الرغبات واستبعاد وإقصاء وتقريبٍ وتجهيل وتشويهٍ وتلميع.
إنّ دقّة المعلومة وشموليتها، وقوّة المعرفة، وسرعةٌ الإنجاز، هي الأساس لنهوض العمل المؤسساتي بالشكل المطلوب، الذي يستثمر باستكمال التأهيل والتدريب والتطوير المستمر لجسر الهوّة بين المؤسسة وجمهوريها الداخلي والخارجي، وقدرتها على تطبيق الأهداف المنوطة بها على أرض الواقع، ولمس المواطن أنّى كان تواجده نتائج أدائها مهما كانت، وكلّما سبر العامل ـ أنّى كانت مهامه ومرتبته الوظيفية ـ  وغاص في أعماق وأهداف وأعمال ومهام المؤسسة، كلما حققنا نجاحاً أكبر؛ فنحن لا نعاني من مشكلة أخلاق كما يحلو للبعض اتّهامنا، ولا بانعدام الوطنية لأنّ الأخلاق والوطنية ينبعان من التربية الأسرية والبيئة والمناخ والأفكار ومسيرة حياة الشخص التي تختلف أحياناً حتى ضمن الأسرة الواحدة، والبلد الواحد، ولكن قوّة المعرفة والمعلومة هي مسؤولية تتحملّها المؤسسات الوطنية دون استثناء، ضمن عملية تثقيف ووعيٍ وتأهيل عملي علمي بعيد عن الأكاديمية الصمّاء، وتقديم الأبحاث بما يصبّ بمصلحة العمل وينعكس على الأداء وتطبيقها على أرض الواقع. فقوّة معرفة العامل للقوانين والتشريعات التي تحكم أداء مؤسساته، ومتابعة الدراسات والأبحاث والمساهمة بها، هي التي تزيده معلومةً ومعرفةً وبالتالي إنجازاً وأداءً على أرض الواقع.  
القوة لا تؤتي ثمارها وتحقّق هدفها دون الارتكاز على قوّة المعرفة والمعلومة التي توفّر وتؤهّل لتطوير كل وسائل العمل الخدمي والانتاجي بتنوّع مهامه المكلّف بها، لاستنهاضه بعيداً عن الروتين اليومي وسير الحياة الطبيعي الذي يعتبره البعض إنجازاً ونجاحاً. وهنا نطرح التساؤل التالي، هل نحن بحاجةٍ جديّة لإصدار قانونٍ لفرض ارتداء الكمامة، وأخذ مسافات الأمان والتباعد الاجتماعي، إذا كان الجميع يتكلّم عن خطورة الوباء، ووسائل التواصل الاجتماعي لا تكفّ عن الحديث عن ذلك، ولا نكاد نرى اثنين إلا ويكون الحديث عن هذا الوباء سواءً باستخفافٍ أو استهزاء أو خوفٍ وهلعٍ وما إلى ذلك، المفترض أن تكون هذه المعرفة، كافية لالتزام الجميع بوسائل الحماية والابتعاد عن التجمّعات وأخذ الحيطة والحذر، ودور المؤسسات الحكومية تنظيم التجمّعات التي حولها مستفيدةً من قوّة المعرفة، بقليلٍ من الوعي والانتباه، واستثمار كل النوافذ والأماكن المتاحة لها وما أكثرها؛ نحن لا نحتاج لإثارة الضغائن، ولا توسيع فجوة، ولا إهانة أو اتهامٍ أو نقدٍ، ولا زيادة اليأس، أو الإفراط في الأمل، بل نحتاج معرفة ما نملك، وخطورة ما نتعرّض له، حتى المؤامرة لم تعد مؤامرةٌ ما دام قد تمّ كشفها وبتنا نتوقّعها، فمعرفتنا بها يساعدنا على التصدّي لها، والأخذ بالأسباب للقضاء عليها، وتطبيق ما تكلّمنا عنه نظرياً وتحويل التوجيهات والتوصيات والقرارات والتعاميم وغيرها إلى أرض الواقع لتحقيق ما نكلّف به.
إنّ الجمهورية العربية السورية ضاربة جذورها في التاريخ، وهي دولةٌ لها قدراتها وإمكانياتها ومواردها التي أثبتت صلابتها رغم كل محاولات الأعداء إضعافها وإبعادها عن محيطها العربي والقومي والدولي، وبقيت صامدة ومحوراً رئيساً في النظام الدولي، بحكمة قيادتها السياسية التي جمعت بين حنكة الشباب وحكمة الشيوخ، واستندت لمبادئ وثوابت، وجيشها البطل الذي أثبت قوّته في وجه أعتى عتاة الحرب والإرهاب وعدم السماح بجرّه لحرب استنزاف وإضعاف رغم ما جرى، فهل عجزت المؤسسات التنفيذية عن اكتساب القوّة المعرفية والمعلوماتية لموازاة ذلك.