التحوُّل...بقلم:الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

التحوُّل...بقلم:الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

تحليل وآراء

الأحد، ١٦ أغسطس ٢٠٢٠

رياح الموت بدأت تنحسر بعد أن اجتاحت وجودنا.... هزت كياننا ولوثت أنفاسنا.. واغتالت الكثير من حولنا.

أي مصاب هذا الذي حل بنا وطال الإنسانية جمعاء؟

هل تعود رياح الشؤم تهبُّ من جديد؟

هل ستكون في قوة سابقتها وعلى شاكلتها أم إنها ستأتي في حلةٍ جديدة؟

كيف سنواجهها؟ هل أعددنا العدة لذلك، أم إننا سنقف عُراة في وجهها ننتظر رحمة تنزل علينا من السماء؟

يُخيّل إلينا أن الموت بعيدٌ عنا وأنه يُصيب الآخرين فقط، فهو ليس حاضراً في أذهاننا ولكن سكرات الحياة تُعيده إلى الواجهة لنكتشف أنه قابع في أعماقنا يتربص بنا.. نخاف منه ونتوجس ذكره فيتجسد في منامنا كابوساً مُزعجاً نتساءل هل نحن بمنأى عنه!

الموت يحيط بنا.. يفاجئنا.. إنه أشبه بالصاعقة يحترق معها وجود الإنسان لندرك أن الحياة ومضة.. إذا لم نشعلها بالحب تحولت إلى رماد..

فما هي إلا سراب!

ثنائية الوجود: الحياة والموت والصراع من أجل البقاء والبقاء لمن؟ وكيف يكون  الخلود ؟

لا يندثر شيء يستحق الحياة، ولكن أين نحن من ثقافة الحياة؟

أسئلة كثيرة تثيرها هذه المرحلة الحرجة و المفصلية من حياتنا.. تطرح الوجود برمته للمساءلة، ألا يكون الموت الحقيقي عندما تموت الإنسانية؟

أليست في عُمقها دعوة للجميع لإرساء نظامٍ عالمي يكون الإنسان هو محوره؟

ألا تكون رياح الموتِ هذه بمثابة إنذار لنا يُخلق حالة يقظة تبث الحياة في عقولنا والأغلبية العظمى تعيش في سُبات عميق!

نسيرُ هائمين على وجوهنا.. تأخذنا الحياة في صخبها وضجرها.. تدور بنا الأيام وتتوالى الليالي، ومازلنا نسيرُ في المسار ذاته دون أن تتوقف ونتساءل إلى أين تحملنا خطانا ولماذا سلكنا هذا المسار؟

ما هو الهدف المرجو؟  والأهم أي معنى نريد أن نُجسد لحياتنا ؟

فأي مصاب أبشع من أن يعيش الإنسان بعبثية تغدو حياته مثل مماته!

الأرض ضاقت ذرعاً بإنسانها بما اقترفت يداه من تشويه لقوامها، ففرضت عليه التزام جدران منزله، فرضت حالة توقف.. العالم أجمع قد شُلت حركته وتوقف..

المدن الكبرى صارت كالأشباح.

مرحلة حرجة.. خطرة ومفاجئة تثير الكثير من التساؤلات، وتدعو الإنسان للتفكر الكل يبحث عن الحقيقة وأهم حقيقة تطرحها هي علاقة الإنسان بالزمن!

الإنسان والزمن أيهما أسبق؟ وهل هما في حالة سباق أم إنهما وجدا معاً.

العرب قالوا (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) فكيف هذا ؟ ؟

لكل إنسان زمن خاص به، فالزمن بالنسبة للإنسان نفسي!

يتمثل في ذاكرته نتيجة إدراكه وخبراته عبر مسيرة الحياة, طفولته.. مراهقته.. شبابه.. حبه الأول.. القبلة الأولى. .علاقاته مع الجنس الأخر و حب حياته نجاحاته.. عمله....خبرات مختلفة تتشكل من خلالها شخصية الإنسان , ذاكرته دليل وجوده فالإنسان بلا ذاكرة ذكرى إنسان.

حياة الإنسان مليئة بالأحداث الفرحة والحزينة، ينتاب الكثير منها النسيان ويبقى بعضها منقوشاً في الذاكرة وخاصة ذاكرة الألم تبقى ماثلة في أذهاننا، فحياة الإنسان وإنجازه مرهونة بعلاقته مع الزمن، فالبعض يعيش سجين آلام الماضي، فيغدو الماضي حاضراً دائماً وأبداً.. ذكريات مؤلمة تعصف به، تحول وجوده إلى جحيم، يموت حاضره ويتلاشى عنده المستقبل.

والبعض الآخر لا يستطيع أن يعيش اللحظة الراهنة ويستمتع بها ويشعر باللذة بل يؤجلها إلى غدٍ مشرق رسمه في خياله يحقق فيه رغباته، ولكن ربما لا يأتي هذا الغد، والأمثلة كثيرة من حولنا وخاصة هنا في بلد المهجر، حيث يكرر فلان من الناس قائلاً: «عندما أصل إلى سن التقاعد وأتوقف عن العمل سأسافر وأكتشف العالم.. أو سأتجه إلى تحقيق هوايتي الرسم أو السينما.. الخ».

والكثير عندما يبلغ سن التقاعد يباغته المرض أو الموت وتغدو حياته حلماً لم يتحقق!

أين نحنُ من الحاضر؟

كيف نستثمر فيه لتحقيق مستقبل واعد؟

من دلالات الصحة النفسية هو القدرة على التنبؤ والتخطيط للمستقبل،  فالإنسان الذي لا يرسم هدفاً لحياته ويسعى بالعمل جاهداً لا يستطيع تحقيق وجوده .

وهذا لا يعني أن أنكر وجود الماضي ومدى تأثيره في حياتنا، ولكن يجب العمل على أن يكون هذا التأثر إيجابياً، أي نخلّص ذاتنا من الشوائب ونستفيد من أخطاء الماضي بهدف السير إلى الأمام لا التوقف عند عثرات الماضي وأحزانه.

 لا يمتلك الإنسان السيادة على ذاته إلا إذا كان مدركا لعلاقته بثلاثية الزمن : الماضي الحاضر و المستقبل

اليوم الجميع توقف .....العالم توقف..... نحن على مفترق الطرق، وبالتالي تقتضي هذه المرحلة التحول!

 نحتاج الحكمة والبصيرة ..نحتاج إعادة النظر بالمسار  بهدف التماس مسار جديد ورؤية تواكب العصر والتطور العلمي.. تواكب الزمن.

ولكن كيف لنا أن نواكب التطور ونحن ندور منهكين وراء رغيف الخبز؟

ألا تكون الحروب الموجهة ضدنا تهدف إلى إيقاف الزمن لدينا، فنغدو كعجلة تدور حول نفسها علّها تلتقط قوتها اليومي؟

سنوات عجاف مرت علينا ...خناجر سامة طعنتنا في ظهورنا ومازلنا أحياء صامدون !

لا أحد يستطيع المساس بوجودنا! ولكن هذه المرحلة تقتضي منا رسم خطة تسارعية تجعلنا نخرج من هذه الحرب المفروضة علينا لنلحق ونلتمس المسار الذي أُخرجنا  منه.

المرحلة خطرة تقتضي منا التحول السريع، تقتضي منا تجاوز أخطاء الماضي كي نستثمر الحاضر بهدف تحقيق المستقبل

نحتاج النهوض معاً والعمل يداً بيد بقوة تسارعية علنا نلتحق بالمسار قبل أن يفوتنا الزمن.

nadaaljendi@hotmail.fr