حفنة من بهجات عابرة..بقلم: موسى برهومة

حفنة من بهجات عابرة..بقلم: موسى برهومة

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٥ أغسطس ٢٠٢٠

ما السعادة، وكيف الوصول إليها وما هي تمثّلاتها؟. أسئلة رافقت الوعي الإنساني منذ انبثاق فجره. ولم يزاحم تلك الأسئلة إلا سؤالُ الخلود الذي جعل جلجامش ينهمك في البحث عن عشبته المقدّسة.
ثمة من يربط السعادة بالبساطة والرضى. وهناك من يقرنها بالمال أو بالسلطة أو بكليهما. والعاجزون عن امتلاك هاتين الهِبتين يلوذون بالصحة كموئل للسعادة. وكان أرسطو قد رأى أنّ السعادة هي سد الثّغرات والنواقص في حياة الإنسان؛ فسعادة الفقير في المال، وسعادة المريض في الصحة، وسعادة العاطل عن العمل في الحصول على وظيفة.
ويسأل أحدهم الآخر أحياناً: هل أنت سعيد، فيحار في الإجابة، وتلك حيرة مستحقَة؛ فبأي مقياس تتجلى السعادة، وما الذي يجعل الإنسان سعيداً، وهل السعادة ممتدة، أم هي محضُ ومضات من بهجات عابرة، وربما آفلة؟
السعادة، بلا ريب، مرتبطة بالوعي، الذي كلما زاد تعقيده زادت المتطلبات العقلية التي تسوغ حالة السعادة، وربما جاء في هذا السياق قول المتنبي: «ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم». والجهالة هاهنا مقصدها التخفّف من الاشتراطات العقلية المقيدة لبساطة الفعل الإنساني. ألم يقل همنغواي إنّ السعادة عند الأذكياء هي أندر شيء على الإطلاق، وقيل أيضاً في السياق ذاته: الأحمق يبحث عن السعادة في الأماكن البعيدة، والحكيم يصنعها تحت أقدامه.
وللعمر أحياناً دور في تمثّل السعادة؛ فما كان يسعدك وأنت في العشرين من عمرك ليس هو ذاته ما يسعدك في الخمسين، ومع التقدم في العمر يغدو القبض على السعادة أوهن من خيوط العنكبوت، أو ربما تبدو السعادة كامنة في أبسط تجلياتها: طاولة، كرسي، وعاء من الفاكهة، والكمان؛ ويسأل أينشتاين ماذا يحتاج الرجل، علاوة على ذلك، لكي يكون سعيداً؟
ولأنّ السعادة لا تتحقق إلا بعد هزيمة الآلام وتجاوز الخيبات، فهذا يجعلها عسيرة المنال، لدى السواد الأعظم من البشر المأهولين بنكد العيش، وقساوة الأقدار. لذا تتبدّى السعادة كومضات متقطعة وخاطفة، ما يجعل عمرها قصيراً، كعُمر وردة قُطفت واعتقلت في مزهرية، إذ سرعان ما تتغضن أوراقها، ويتبدّد عطرها.
العمر الافتراضي لسعادة الكائن، إذاً، يُعد بالأيام أو بالأشهر أو السنوات القليلة، ومَن بلغ المرتبة الأخيرة (أي السنوات القليلة) فإنه أسعد الناس وأشدهم حبوراً.
وقد سألت صديقاً لي، في غمرة بحثي في هذا الأمر، فرد عليّ إنّ آخر مرة شعر فيها بالسعادة الغامرة والخالصة، كانت قبل نحو خمس عشرة سنة، مع أنه صاحب مزاج عال وكثير الترحال وميسور الحال.
أدهشني جواب الصديق، لأنني ظننت، في الحالات التي كنا نلتقي وأصدقاءنا الآخرين، أنه قبض على السعادة وأثخنها فرحاً، فإذا به يضحك لتزجية الوقت وطرد الملل.
لقد كان يحنّ إلى السعادة في زمن ماضٍ، والحنين إلى الماضي فيه ملاذ لاستجلاب السعادة، لاسيما إذا كان الواقع مخيبّاً للآمال، أو إذا جرت مقارنة الأحوال الراهنة بالزمن الهارب الذي يتفلّت كالرمل من الأصابع، مع أنّ الماضي، ليس كله سمناً وعسلاً، بل أغلبه مغرورق بالذكريات الصعبة والخشنة لدى أكثر أهل الهوى المأخوذين بفتنة النوستالجيا.
قالت صديقة لي، معلّقة على مقالات سابقة: اكتب لنا عن الفرح، فلقد أرهقت قلبنا بالمآسي، فشعرت كأنّ الكاتب مطرب في عرس شعبي يؤدي ما يطلبه المستمعون. ومع ذلك وكيلا نقع في فخاخ التراجيديا، نشير إلى نصائح خمس لتحقيق السعادة، قدّمتها لوري سانتوس، أستاذة علم النفس والعلوم الإدراكية في جامعة ييل بالولايات المتحدة، حيث تعتقد أنّ بمقدور الإنسان أن يتدرّب على أن يكون سعيداً، تماماً كما يفعل الرياضيون والموسيقيون.
وتؤكد سانتوس أنّ العلم أثبت أنّ «السعادة تتطلب جهداً واعياً. وهذا ليس بالأمر السهل، وإنما يستغرق وقتاً»، ولكن يمكن تحقيقه، وفق تقرير نشرته «بي بي سي»، في اليوم العالمي للسعادة الذي يصادف في العشرين من مارس كلّ عام.
وتتلخص النصائح الخمس التي تقدمها سانتوس، كي يصبح الإنسان سعيداً، في الخطوات التالية: ابدأ بأن تكون أكثر امتناناً بأن تكتب قائمة كلّ أسبوع بالأشياء والأشخاص الذين تشعر بالامتنان نحوهم، ونمْ ساعات أطول ليلاً، وصفّ ذهنك، وامضِ وقتاً مع الأشخاص الذين تحبهم، وخذْ فترات راحة من مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها تمنحنا إحساساً كاذباً بالسعادة.
*أستاذ الإعلام في الجامعة الأمريكية بدبي