إنسان النصف...!..بقلم: سامر يحيى

إنسان النصف...!..بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٥ أغسطس ٢٠٢٠

يقول المفكر الجزائري "مالك بن نبي": "إنسان النصف هو الإنسان الشديد الإلحاح بطلب حقوقه، ولكنّه لا يقوم بالحد الأدنى من واجباته، أو من ثقافة المتاح المتوفرة بين يديه... يذهب للمدرسة ليمضي الساعات فقط، وهمّه الأكبر الحصول على تلخيص أستاذه أو المادة المطلوبة للامتحان دون أن يكون هدفه التعلم، يذهب للعمل ويقضي ساعاته بأي طريقة المهم بالنهاية أن ينقضي الوقت ويعود لحياته ويحصل على معاشه...لا يدرس كطالب ولا يعمل كموظف ولا يبدع في معمل ولا يبتكر في متجر ولا ينجز في مشروع...هو باستمرار إنسان النصف.. يطالب بحقوقه و لا يقوم بواجباته...".
الشائع لدينا هو تفكير انسان النصف، الحصول على المال فقط، الحصول على العلامة فقط، أعمل على قدر الراتب، من يعمل يخطئ فيعاقب، ومن لا يعمل لا يخطئ ولا يعاقب بل يكافئ، عوجة ولا يمكن إصلاحها ... إلى ما هنالك من عبارات تثبّط الهمم وتبثّ اليأس وجعل الشخص يعزف عن القيام بأدائه ودوره المنوط به، أحوج ما يكون مجتمعنا لإزالتها وبث روح التفاؤل والعمل والإبداع بحبٍ وإتقان، وإيقاظ الروح الإنسانية النقية لخلق جيل متعلّم مثقّف، يعرف ما يريد، ما دام الغالبية يستطيع أن ينظّر ويحلّل ويقترح الحلول ويطالب؟ وكون الشعب السوري حيوي وحيٍ متجذّر في التاريخ، قادرٌ على العطاء والإبداع في شتّى المجالات، ويتأقلم مع أعتى الظروف، وصمد في وجه آفتي الإرهاب والحصار، فهو ليس بعصيّ عن أن يكون مثالياً صانعاً للتطوّر والتفوّق، إن وُجٍدَ التوجيه السليم، والاستثمار الأمثل والاستنهاض الإيجابي، والرؤية الواضحة، والمعلومة الصائبة. فهل نتجاهل أن موظّفي المؤسسات الحكومية جزءٌ هام من الرأي العام المفترض التركيز عليه، ضمن نهجٍ توعوي تشاركي فكلّ مؤسسة لديها نهجٌ وتخصصً ضمن المهام الموكلة إليها، وكلٌ منها لديها مديريات وأقسام لإنجاز الأعمال الموكلة إليها على أكمل وجه، وقد أثبتت كوادرها قدرتها على الإبداع مهما كانت الظروف، وبالتالي نحتاج لاستثمار الجهود والتأهيل والتدريب والاستفادة من الخبرات والمهارات، وتوزيعها بالشكل السليم، فلا يعد أحد يشكو من قلّة الكفاءة ـ المفترض أن يتحمّل مسؤولية وجودها المدير لا الموظّف، لأنّه فشل في استثمارها وتأهيلها بالشكل الأمثل لا سيّما لا يوجد عمل مؤسساتي دون قواعد وثوابت أساسية ثابتةٌ وواضحة وهيكل تنظيمي كان سبباً رئيساً لإنشاء تلك المؤسسة، ودور المدير إقناع العامل أنّ دوره أساسٌ في العمل، وإنتاجيته تساهم في زيادة الدخل القومي الذي سينعكس على الدخل الفردي تلقائياً، وأن النظريات والدراسة الأكاديمية على صفوف الجامعة والمدرسة، في المؤسسات تأهيل وتدريب وأبحاث وأفكار، فكم نرى من مهامٍ وعناوين لمسمّى وظيفي يحتاج عدد من العاملين، لكنّه على أرض الواقع يمكن إنجازه من عامل  خلال نصف يوم عملٍ بدقّة وإتقان، فاليد الواحدة لا تصفّق لكن تحرّك ساكن، والعامل لوحده ليس بديلاً عن فريق عملٍ لكنّه يحقّق إنجازاً، لا سيّما أن مفهومنا لفريق العمل، خاطئ يعتمد على تهرّب من المسؤولية وتحميلها للآخر، بدلاً من مضاعفة الكادر الإنتاجي، لأن زيادة الكادر الإداري تسبّب الضعف والترهّل في الأداء المؤسساتي. وهل يدرك كلّ عاملٍ ضرورة أن يبدأ بنفسه، وأنّ أي تخفيض في النفقات يؤدي لوفرٍ كبيرٍ لصالح المؤسسة، ضمن الأداء الأمثل وحسن الاستثمار للموارد المتاحة المادية والمكانية، وهل نعجز بكل الوسائل المتاحة لنا أن نقنع الطالب بأنّ كلّ معلومةٍ بين دفّتي الكتاب المدرسي، وأي مادّة في المنهاج هي رئيسةٍ وتساهم في تزويد ثقافته وعلمه وإبداعه المستقبلي، ويجب ألا يستهين بها، وأن يدرسها وفق منهجٍ زمنيٍ مدروسٍ مخطط له في نهاية كلّ كتاب، وإن وجدت تكرار أو حشو أو ما شابه، فيمكن رفع مقترح للجهات المتخصصة لمعالجته، بدلاً من الحصول على جزءٍ من معلومة.
أليس منذ تأسيس المؤسسة التربوية تم تقسيمها بشكلٍ يجعلها جميعها متميّزة في حال توفّرت الإرادة الوطنية، وكان الدور المفترض أن يقوم به الكادر الإداري في هذه المؤسسة مواكبة التطوّرات العلمية والتقنية لا السير وفق الحياة الروتينية، أليس لدى المؤسسة التربوية دائرة متخصصة بالصحة المدرسية؟! ألا توجد بكلّ مدرسةٍ مختبر وقاعة حاسبٍ آلي، ومكتبةٍ ووسائل إيضاح تعليمية، ومرشدٌ نفسي، وموجّه تربوي، ومديرٌ ومعاون مدير ....، اليس هؤلاء المفترض أن يكونوا قدوة لإقناع الطالب أن يكون قدوةٌ في مجتمعه وأهله، ومؤهلاً لبناء المستقبل الذي ننشده جميعاً، وهذا النقاش والحوار ليس محصوراً بالطبقة المثقفة ويكاد كلّ مواطنٍ يتكلّم به... اليس الأسئلة المفترض أن تكون بين القائمين على العملية التربوية الآن هي الاستثمار الأمثل لما هو قائم على ارض الواقع، ومن ثم التفكير بحلولٍ جديدة، مثل التوسّع في استثمار الشعب الصفية من أجل ألا يزيد عدد طلابها عن عشرين طالباً، والتنسيق مع المؤسسات المتخصصة، من أجل توفير البنية التحتية من كهرباء واتصالات ومبرمجين ومختصّي الشبكة العنكبوتية في استثمارها بالشكل الأمثل لاستثمارها من جميع الطلبة دون استثناء، مستفيدين من الكوادر التدريسية والمباني الموجودة، والأفكار للتوسّع والاستزادة لا سيّما نجد مدارس لديها فائض وأخرى لديها عجز، عدا عن الدوام الإداري الخلّبي، إذ يمضي الاسبوعين الأولين من العام الدراسي في توزيع البرنامج الدرسي والكتب وما شابه، والمفترض أن يحلّ من اليوم الأول للعام الدراسي بشكلٍ نهائي، وما هي الإمكانية لإقناع المدرّس بإيصال المعلومة للطالب وتزويده بالفكرة الرئيسية خلال النصف ساعةٍ من الحصة الدرسية، بدلاً من إضاعتها بالتفقد وحججٌ أخرى يشكو منها الطلبة سنوياً؛ وهل من الصعوبة بمكان خلق مناخٍ صحي مدرسي إيجابي من خلال الاعتناء بالحدائق وساحات المدارس، وزراعتها بشجيراتٍ توفّر الاكسجين وتنقّي الهواء والحفاظ على البيئة المدرسية.
أفكارٌ كثيرة تحتاج لأبحاث ولكن علينا أن ندرك أن النجاح والتكامل المؤسساتي هو الأساس، ولنقتدِ بمؤسسة الجيش العربي السوري والقوى الرديفة الذي يحقق الانتصار على الإرهاب ويده على الزناد لتطهير الأرض من دنس المحتل وأدواته، مستنداً لخططٍ وأفكارٍ وخرائط وتوزيعٍ سليمٍ للمهام، انطلاقاً من أرض المعركة وتجهيزات العدوّ، وفقاً لخطط استراتيجية وتكتيكية بآنٍ معاً.