تجاذبات أمريكية – صينية.. بقلم: د. ناصر زيدان

تجاذبات أمريكية – صينية.. بقلم: د. ناصر زيدان

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٢٠

لا يمكن تصنيف ما يجري بين الولايات المتحدة والصين بالتنافس العادي بين دولتين كبيرتين لهما مصالح جيوسياسية وتجارية متضاربة؛ ذلك أن ما يحصل ينمُّ عن توجهات استراتيجية جديدة للدولتين؛ لأن منسوب التوتر زاد على الوتيرة المعروفة؛ ولأن عناوين الصراع تبدَّلت، وبدأت تشمل ملفات لم تكُن في السابق من العناوين الخلافية الرئيسية.
فبعد التعارض في التعاطي مع الملف النووي لكوريا الشمالية، والخلاف على مقاربة ملف العقوبات على إيران؛ برزت التباينات الواسعة حول هونج كونج، ومن ثم حول تصنيف مياه الممرات المائية في بحر الصين الجنوبي، وملكية بعض الجزر فيه، وتفاقمت مؤخراً التجاذبات حول تايوان، إلى أن وصل الاختلاف على الملف التجاري إلى الواجهة، وتجاوزت الإجراءات العقابية المتبادلة بين البلدين حدود التنافس الطبيعي، لتصبح عناوين بارزة لخلاف واسع، اختلطت فيه المصالح المالية مع التوجهات العقدية، وبينهما اندفاعات ذات أبعاد انتخابية تحمل شعارات تتعلَّق بالأمن القومي الأمريكي من جهة، وبالحصار لشركات التكنولوجيا المتقدمة للصين من جهة ثانية.
من أبرز معالم التجاذبات غير العادية التي تحصل بين الصين والولايات المتحدة ؛ توقيع الرئيس دونالد ترامب على مرسوم يعطي منصتي «تيك توك» و «دي تشات» الشركتين اللتين تملكهما الصين مهلة 45 يوماً؛ لتصفية أعمالهما في الولايات المتحدة، وعلَّل القرار أسباب اتخاذ تلك الإجراءات؛ لأن المنصتين المتطورتين بإمكانهما اختراق الأمن القومي الأمريكي؛ من خلال تجميع معلومات شخصية عن المشاركين في المنصتين، يمكن أن تصل إلى الأجهزة الأمنية الصينية. وسبق قرار الرئيس ترامب، إقرار الكونجرس لقانون منع بموجبه كل أعضائه إلى جانب العاملين في الدوائرالحكومية كافة من استخدام المنصتين المذكورتين؛ لأن التواصل معهما، قد يؤدي إلى وصول معلومات حساسة للصين عن عمل السلطات الأمريكية.
الصين قالت عن الإجراءات الأمريكية بأنها تعد «قمعاً وتلاعباً»؛ حيث تتجاوز تلك الإجراءات قواعد التبادل التجاري الدولية لمصلحة أنانيات ذاتية، وهو«ترهيب تجاري»؛ هدفه محاصرة الشركات الصينية، على الرغم من أن شركة «هواوي» للهواتف الذكية الصينية، وشركة «بايتدانس» التي تملك منصة «تيك توك» التزمتا بكل الشروط التي وضعتها الإدارة الأمريكية على عملهما، بما في ذلك قيامهما بتعيين أشخاص أمريكيين في أغلب المواقع الإدارية للشركتين في الوكالات التي تتولَّى تسويق منتجاتهما في الولايات المتحدة، كما أن منصتي «تيك توك» و«دي تشات» فاوضتا شركة مايكروسفت على استلام أعمال المنصتين في الولايات المتحدة وفي الدول التي تعمل فيهما المنصتان خارج الصين؛ لكن الدوائر التجارية الأمريكية تعدّ أن شركة «هواوي» تتحايل؛ للحصول على رقائق إلكترونية مُصنعة في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في دول حليفة لها.
الرئيس دونالد ترامب قرر في 18 أغسطس/آب 2020 توقيف المفاوضات التجارية التي كانت تحصل بين البلدين بشكل نهائي، معللاً أسباب القرار بعدم اتخاذ الصين لأي تدابير سريعة، كان يمكن أن تحدّ من انتشار جائحة «كورونا» قبل انتقالها إلى خارج مدينة ووهان، وتفشيها في العالم. والمباحثات التي تمَّ توقيفها كانت تناقش عناوين خلافية؛ مثل: الملكية الفكرية؛ ومنع التجسس الصناعي؛ والقيود التي يمكن وضعها على شركات الهاتف الخليوي الذكية، لاسيما على شركة «هواوي» الصينية. ومما لا شك فيه؛ فإن القرار الأمريكي ستكون له تأثيرات سلبية واسعة على العلاقات المتوترة أصلاً بين البلدين الكبيرين اللدودين.
من القضايا الخلافية الكبيرة التي تفاقمت بين البلدين؛ ملف تايوان؛ حيث أبرمت واشنطن، مؤخراً، صفقة دفاعية جديدة مع تايوان، تحصل بموجبها الأخيرة على 66 طائرة حربية أمريكية متطورة من نوع «إف-16»، ومعها صواريخ دفاع جوي متطورة. ومن المؤكد أن تلك الصفقة؛ ستثير غضب الصين التي تحاول استعادة نفوذها على الجزيرة.
هل يعود جزء أساسي من التوتر المتفاقم بين الصين والولايات المتحدة لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحامية بين ترامب ومنافسة الديمقراطي بايدن؟ أم أن منحى التوتر الذي تسير فيه العلاقات بين البلدين نابع من استراتيجية أمريكية بعيدة المدى، تحاول من خلالها واشنطن الحدّ من النمو المتسارع للصين في المجالات التقنية والصناعية وحتى العسكرية؟
سؤالان ينتظران الإجابة بعد إقفال صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة الأمريكية مساء 3 نوفمبر المقبل.