كيف نجحت الصين؟.. بقلم: محمد عارف

كيف نجحت الصين؟.. بقلم: محمد عارف

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ أغسطس ٢٠٢٠

«الإصلاح: كيف نجحت الصين» عنوان محاضرة العالم الأميركي «جوزيف ستجليتز» الحائز على نوبل في الاقتصاد عام 2001، حيث ذكر في محاضرته، التي ألقاها بـ«كلية الأعمال» في النرويج، أن الصين حققت نجاحات لا مثيل لها في تاريخ العالم، حيث ازداد بشكل هائل «إجمالي المنتوج المحلي» من حوالي 264 مليار دولار عام 1976 إلى نحو عشرة تريليونات دولار عام 2016. وعرض بالأرقام نجاحها الخارق، خلال أربعين عاماً الماضية، في انتشال 740 مليون صيني من وهدة الفقر، ويعتبر «ستجليتز» ذلك أكبر نجاح من نوعه في التاريخ، ضاعفت الصين خلاله «إجمالي الناتج المحلي» أربعين ضعفاً، مقارناً ذلك بما يعتبره فشل النظام الاقتصادي الليبرالي في الولايات المتحدة، حيث ازداد إجمالي الناتج المحلي، لكن معدل أجور عامة السكان بقي كما كان عليه قبل ما بين أربعين وستين عاماً، وقال: «على الرغم مما تحقق في أميركا من تقدم مرموق في العلوم والطب، تدّنت معدلات حياة عامة السكان، الذين يعيشون نمط حياة انتحارية، أو يصبحون مدمنين على المخدرات والكحول. ويفتقر 13 مليون أميركي إلى التأمين الصحي. وعلّق «ستجليتز» على كتاب «فوكوياما» المشهور «نهاية التاريخ»، الذي اعتبر النظام الليبرالي الغربي انتصر على النظام الشيوعي، قائلاً: «ذلك لم يكن انتصار ليبراليتنا الغربية، بل فشل النظام الشيوعي». 
وعواقب الانتصار وخيمة على النظام الليبرالي الغربي، الذي استسلم لوهم الانتصار، فيما أصبحت الصين أكبر اقتصاد في العالم، يزيد 15 في المائة عن الاقتصاد الأميركي، ويحتل الاقتصاد الصناعي للصين المرتبة العالمية الأولى، حيث يشكل 27 في المائة من الاقتصاد الصناعي العالمي، وتتبعه إندونيسيا، ويبلغ 22 في المائة، واليابان 19 في المائة، ثم الهند 16 في المائة. ويصعب تحديد هوية النظام السياسي، والاقتصادي للصين، ما إذا كان رأسمالياً أو اشتراكياً، ذكر ذلك «ستجليتز»، الذي يدهش لقلق الصين من نجاحاتها الخارقة، التي تدفعها دائماً للمراجعة، والعمل على تعديل معدل الدخل فيها، والذي يبلغ سدس معدله في الولايات المتحدة، ومعالجة مشاكل البيئة، وعدم المساواة، خصوصاً في فرص التعليم. وأثار«ستجليتز» مرح جمهور محاضرته حول اختلاف ردود أفعال الصين والولايات المتحدة على الأولوية في «تكافؤ القوة الشرائية»، حيث انزعجت الولايات المتحدة من تراجعها إلى المرتبة الثانية، فيما انزعجت الصين من احتلالها المرتبة الأولى، خشية أن تُستهدف بسبب ذلك! 
وإذا كان هناك من طريق محدد لاقتصاد الصين البراغماتي، فهو رفضها نصائح «البنك الدولي» و«صندوق النقد الدولي»، والتي تركز على فتح الأسواق، ونأي الصين عن النظام الاقتصادي الليبرالي الغربي، وإنشائها ما تسمى «مؤسسات المدينة والقرية»، والتي تمثل الشراكة بين الحكومات المحلية، ورأس المال الخاص، والجمعيات التعاونية المحلية، وهي استمرار لـ«القفزة العظمى إلى الأمام» العتيدة في ستينيات القرن الماضي. وحققت الصين بواسطتها نسبة نمو اقتصادي بلغت 25 في المئة سنوياً للفترة ما بين منتصف الثمانينيات، ومنتصف التسعينيات. وفي كل الأحوال بقيت ملكية الأرض بيد الدولة، والتي تسمى «رقبة الدولة» في العقيدة الإسلامية. وقد أدى التفريط بذلك في روسيا إلى «أكبر عملية نهب في التاريخ»، حسب «ستجليتز» الذي يذكر أن الأموال المتحققة من ذلك هرّبها «الأوليغارشيون» خارج روسيا، ولم يجر توظيفها في الداخل.
ويشارك في السخرية من الأداء الاقتصادي الليبرالي الغربي العالم الأميركي «بول كروجمان»، الحاصل أيضاً على «نوبل» في الاقتصاد. «سوق الأسهم تُحَّلق كذلك البؤس» عنوان مقالته الأخيرة في «نيويورك تايمز»، وعلق فيها على أكبر قفزة في الأسواق المالية حققتها «آبل» وبلغت تريليوني دولار. ويروي «كروجمان» في مقالته نكتة شائعة تقول: «الاقتصاديون تنبؤوا بتسع أزمات اقتصادية من الأزمات الخمس التي وقعت»! 
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا