الانفلاش التركي إلى أين؟.. بقلم: د. ناصر زيدان

الانفلاش التركي إلى أين؟.. بقلم: د. ناصر زيدان

تحليل وآراء

الخميس، ٣ سبتمبر ٢٠٢٠

منذ الاستفتاء الذي حصل على تعديل الدستور في 16 نيسان/إبريل 2017، يعتمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نموذجاً خاصاً من المقاربات السياسية والأمنية، غالبيتها تحمل أفكاراً متطرفة، وتقود إلى التوتر، رغم أن نتيجة هذا الاستفتاء لم تكُن مريحة له، بحيث أن عدد الذين صوتوا مع التعديلات التي أعطت الرئيس صلاحيات إضافية؛ لا يتجاوز 24,7 مليون مقترع، بينما عارض هذه التعديلات ما يزيد على 23,52 مليون، وفي هذه النتيجة المتقاربة دلالة على أن الشعب التركي لم يُعط الرئيس أردوغان تفويضاً مطلقاً، لكن هذا الأخير يتصرف كمنتصر، أو كأنه يمثل الأمة التركية برمتها.
ومن خطة «صفر مشاكل» التي عمل لها وزير خارجيته السابق - وخصمه الحالي - أحمد داوود أوغلو، إلى غرق كامل في مشاكل مع هذا المحيط، بحيث لم يبق لأردوغان من صديق في محيط تركيا، وربما على المستوى الدولي أيضاً، باستثناء القمم التي تجمعه بين الحين والآخر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني، والحليفان اللدودان يظهران امتعاضاً واضحاً من سياسة تركيا الحالية في أكثر من مجال، برغم أنهما يستفيدان أحياناً من خلط الأوراق التي تعتمدها أنقرة، خصوصاً لناحية الإزعاج الذي تسببه للأوروبيين، وفي تعميم سياسة التدخل في شؤون الدول المحيطة.
برنامج أردوغان الذي وضعه قبل سنوات تحت اسم «تركيا 2023» فيه الكثير من الطموحات غير الواقعية، بل إنه يحمل جنوحاً له تبعاته السياسية والأمنية والاقتصادية المُخيفة، ذلك أن البرنامج يحمل دلالة واضحة على مرور مئة عام على توقيع اتفاقية لوزان بين تركيا والدول الأوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وقد حددت الاتفاقية المذكورة المساحة الجغرافية الحالية للبلاد، واعترف الأوروبيون بالنظام العلماني التركي ضمن هذه الحدود، مقابل تخلي تركيا عن احتلالها لدول مجاورة لها، خصوصاً في سوريا والعراق وقبرص، وإنهاء نفوذها في مصر وفلسطين ولبنان. وقد كشف ناشطون يدورون في فلك النظام التركي من جماعة «الأخوان» عن شريط فيديو يظهر فيه أردوغان وهو يتحدث عن رغبة تركيا بإعادة توسيع نفوذها إلى كامل الشرق الأوسط قائلاً: «هناك مَن ينتظر عودتنا منذ مئة عام».
يغرق أردوغان في بحر واسع من المشكلات الاستراتيجية، وهذه المشكلات مرشحة لأن تتطور إلى صراعات جيوسياسية وقد تؤدي إلى حروب. ومن أبرز الملفات الساخنة التي تواجه أردوغان؛ التوتر القائم بينه وبين فرنسا واليونان وقبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط على خلفية التنقيب عن النفط والغاز، وقد نقل ممثل سياسة الأمن والدفاع في المفوضية الأوروبية جوزيت بوريل تحذيراً إلى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عبر الهاتف يتضمن الطلب من تركيا وقف كل عمليات التنقيب والمناورات في شرق المتوسط، تحت طائلة فرض عقوبات أوروبية عليها في المرحلة الأولى، وقد يصل الأمر مع المجموعة الأوروبية إلى اتخاذ تدابير أخرى، في إشارة واضحة للاستعراضات العسكرية.
ويمكن إدراج إرسال أردوغان للمرتزقة إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق التي فقدت ثقة البرلمان الليبي بها؛ من ضمن سياسة الجنوح والانفلاش، والتي قد تؤدي إلى حروب قاسية. وهذه الخطوة التركية الغريبة؛ تُهدد الأمن القومي العربي، والمصري على وجه التحديد، وهي أعطت فرصة ذهبية لتزايد التدخلات الدولية في شمال إفريقيا والبحر المتوسط، لاسيما بعد أن وقَّع أردوغان معاهدة مع حكومة فايز السراج الليبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تتضمن تقاسم مياه البحر المتوسط بين ليبيا وتركيا، بينما لا تعترف الأمم المتحدة بهذه الاتفاقية، ولم تسجلها وفقاً لما تفرضه المادة 102 من ميثاق المنظمة الدولية، لأنها لم تحصل على مصادقة البرلمان الليبي المنتخب وفقاً للأصول، ولأنها لا تلتزم بمندرجات القانون الدولي، لاسيما بما تفرضه معاهدة أعالي البحار والجرف القاري للعام 1977.
أحلام أردوغان بإلغاء معاهدة لوزان للعام 1923 بعد مئة؛ يمكن أن تُدخل المنطقة في صراعات إضافية قاسية في غاية الخطورة.