"قسد" في ارجوحة الشيطان.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٠

بات من الواضح أن حقيقة التكليف الأمريكي لما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية يتخطى حدود مناطق سيطرتها، وحدود الدولة السورية، والمربع الحيوي للدول الأربعة ( إيران , العراق , تركيا ، سورية )، ويتعداها ليكون جزءا ًرئيسيا ً لحدود الصراع الجيو- سياسي في سورية والإقليم .. ومع استراتيجية الفوضى الأمريكية العارمة وربط الصراعات المحلية بالإقليمية والدولية .. اختارت الولايات المتحدة سياسة الأرجحة ما بين الفعل ونقيضه، فإنسحبت من بعض الإتفاقات والمعاهدات الدولية والثنائية، وعرضت شروطها الجديدة للتفاوض مع ذات الجهات، بعد تطبيق الضغوط والحصار والترهيب والقوة العسكرية عليها، كذلك كإعلانها إنسحاب قواتها من سورية وتعزيز أدوات بقائها فيها , حتى في كلام ترامب "أنا أكره الكرد"، " أنا أحب الكرد فهم شجعان"، وحديثه عن "حماية اّبار وحقول النفط في سورية" من تنظيم "داعش" إلى تسليمها للأكراد، ولاحقا ً إعلانه "استحواذ قواته وسيطرتها على النفط السوري" و"استعداده للقتال" من أجلها ... يبدو أن واشنطن قد وجدت في أرجحتها تعويضا ً لهزائمها العسكرية والسياسية في سورية، وأقله أوقفت مدّ خصومها وأعدائها وتقدم الدولة السورية نحو كسب المعركة وإنهائها .. فعممت سياسة الأرجحة على كافة أدواتها من تنظيمات إرهابية وميليشيات إنفصالية – إرهابية، وعلى الدول التابعة المنخرطة في مشروعها كتركيا والأنظمة الخليجية. ماذا عن أرجحة "قسد" ... منذ أن سلّمت "قسد" نفسها للأمريكيين وهي تنفذ ما يطلب منها، وذهبت بعيدا ًبتبنيها المشروع الأمريكي وباتت تغطي أجندته التقسيمية بجسدها وبأحلامها وأوهامها، واندفعت تحت التعميم والقيادة الأمريكية للأرجحة على ثلاثة "حبال" ومحاور، بما يكفل إخفاء نواياها ويبرر سلوكها وتصرفاتها: المحور الأول ... وهو محور إعلامي لفظي يروج لنفي الغايات والممارسات الإنفصالية, والإدعاء بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية, ومحاربة الإرهاب, وإعتماد الحل السياسي الداخلي ولغة الحوار مع الدولة السورية. المحور الثاني ... وهو محور إنفصالي تقسيمي بإمتياز، قامت من خلاله بسلسلة من الإجراءات والمواقف، أولها رفض عودة سيطرة الدولة ومؤسساتها في شمال وشرق البلاد حتى بعد كسر شوكة تنظيم "داعش" الإرهابي، ولجأت إلى التمرد المطلق، ونسفت النظام السياسي والإداري في مناطقها، وأعلنت تأسيس "الإدارة الذاتية"، وأنشأت مجلسي "قسد و مسد" ، ولم تتوان عن تهميش غالبية شخصيات ومكونات التركيبة الديموغرافية والسياسية للمنطقة، واعتمدت السلب والنهب وحرق المحاصيل الزراعية والسطو على الثروات النفطية وتحكمت بمصادر مياه الشرب ، وحرمت الشعب السوري من سلته الغذائية والنفطية، وكانت جزءا ً رئيسيا ًمن قانون قيصر لحصار الشعب السوري، وساقت بالعنف أولاد تلك المناطق نحو السجون والمعتقلات أو نحو الإنضمام لصفوف ميليشياتها، واعتمدت سياسة التكريد وإحتلال المدارس، وسعت لإقصاء الحضور الرسمي للدولة ومؤسساتها المختلفة بالقوة المسلحة واستولت على عديد المباني الرسمية وحولتها إلى مقار حزبية أو إلى مستودعات ذخيرة أونقاط تمركز لميليشياتها...أما مجلسها السياسي فجاب العالم بحثا ًعن حصد تأييدٍ دولي لمشروع تقسيم سورية عبر سلسلة من الأكاذيب والأوهام التاريخية من خلال إدعائها حقوقا ًتبرر تصرفاتها. المحور الثالث ... تمثل بالهرولة نحو دمشق عند كل إعلان أمريكي للإنسحاب من سورية، وإظهرت - بعد رفض ٍ- اهتمامها بالإنخراط في صفوف المعارضة وبالمشاركة الفعالة في اللجنة الدستورية بشروط . لم تخرج "قسد" عن الطاعة الأمريكية منذ نشؤها الأول على اليد الأمريكية – الصهيونية، واستعملت حبالها الثلاث في تحركاتها السياسية والعسكرية، ولم تتخل عن حقيقة نواياها وأهدافها رغم ما دعته مرارا ً بـ "الطعنة الأمريكية في الظهر"، ولا زالت تكرر مواقفها، ووقعت مؤخرا ًعلى مذكرة التفاهم المشتركة مع حزب الإرادة الشعبية المعارض. حيث ورد في بيان المذكرة كلاما ًإعلاميا ًحول وحدة سورية أرضا ًوشعبا ً، ما لبث أن تم نسفه بالمطالبة بالتعدد الهوياتي لمكونات الشعب على حساب الهوية السورية الواحدة، وعلى أسس قومية وعرقية صريحة للأقليات والمكونات .. وأيُّ حقٍ لتقرير مصير ملايين الشعب السوري ذاك الذي يكون على قياس الأقليات فقط !. كما أتى فيه تأكيد الطرفين دعمهما وسعيهما لتنفيذ القرار 2254 كاملا ً بما في ذلك تنفيذ بيان جنيف البائد وبضم كافة منصات المعارضة بما يعني تسليم السلطة لمعارضات كانت ولا تزال تشكل جزءا ً من الحرب على سورية، وبما يشير أيضا ً إلى ضم "قسد" وإشاركها بالعملية السياسية واللجنة الدستورية، تنفيذا ًمنها لأجندة واشنطن في تعطيل عمل هذه اللجنة وتفخيخها من داخلها. كما نسف البيان النظام الإداري والسياسي المركزي للدولة السورية، عبر المطالبة بنظام لامركزي، وبالمحافظة على ما تسمى "الإدارة الذاتية" بما يعني شرعنة التمرد الكردي وغيره, والإعتداء على السيادة الوطنية للدولة والشعب السوري، والإعتراف بنواة التقسيم والفدرلة... ولم يفت البيان أن قدم دعمه لبروباغاندا المظلومية والحقوق القومية والعرقية للأكراد والأقليات في أكبر عملية تزييف لواقع الحياة السياسية والإجتماعية في سورية. ويبقى من أهم ما جاء في البيان الحديث عن منع الجيش من ممارسة دوره السياسي، بما يعني عزل الجيش ومنع رئيس الجمهورية من قيادته، والمطالبة بخروج كافة القوات الأجنبية في تجاهل تام للإتفاقيات العسكرية التي وقعتها الدولة السورية مع حلفائها، ومساواة القوات الشرعية بـ اللاشرعية، بالإضافة إلى ضم "قسد" إلى صفوف الجيش السوري بشروط ووفق إتفاقٍ ثنائي، بما يعني تغييرا ًجذريا ًفي عقيدة الجيش السوري ومبادئه، ودفعه لقبول إنضمام العصابات والميليشيات المأجورة في صفوفه، وجعل شمال شرق سورية مرتعا ً للإستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي. لن تحظى المذكرة بقبول الدولة والشعب السوري، بل على العكس تماما ً، وستبقى مذكرة عارٍ وإدانة على جبين موقعيها، ودليلا ً قاطعا ًعلى حقيقتهم وولائهم الخارجي لأعداء سورية أرضا ً وشعبا ً، وستكون عاملا ً إضافيا ً للغضب الشعبي بما سيضاعف أعداد السوريين المقاومين المتطوعين للدفاع عن وحدة وسيادة وكرامة وعنفوان وطنهم إلى جانب الجيش العربي السوري، وعليهم يعلق السوريون اّمالهم بالإنتصار، وليس على من باعوا أنفسهم وتأرجحوا في أرجوحة الشيطان. إن ركوب "قسد" أرجوحة الشيطان الأمريكي, رفع منسوب هواجس القيادة الروسية، التي تبدو حتى اللحظة عاجزة عن احتوائها واستمالتها لقبول الحل السياسي ولتنقية نفسها من "الشوائب" الإرهابية الغريبة التي سخرت نفسها لخدمة المشروع الصهيوني في سورية والمنطقة... وباتت موسكو تتوجس الصدام المباشر بين "قسد" والقبائل العربية أو المقاومة الشعبية والجيش العربي السوري. كما باتت موسكو تعاني أرقا ًإضافيا ًحيال الأرجحة التركية، ومستقبل الوجود العسكري التركي اللاشرعي في سورية ، واستمرارها بقيادة للمجاميع والتنظيمات الإرهابية، وعدم إلتزامها بالإتفاق مع موسكو بسحب الأسلحة الثقيلة من محافظة إدلب وخروج الإرهابيين الأجانب، وفتح طريق M4... وباتت موسكو تؤمن أكثر فأكثر مدى الإرتباط والتعقيد ما بين ملفات شرقي الفرات وغربه ، حيث يشكل التواجد التركي والأمريكي والروسي عاملا ً مشتركا ًفي بقعة ٍجغرافية ضيقة ، ما يرفع إحتمالية أن تتسبب شرارة صغيرة بإندلاع حريق كبير، خصوصا ً بين القوات الأمريكية والروسية على غرار ما حدث في 24 اّب الماضي. ومع إهتمام إدارة ترامب بالإنتخابات الرئاسية، تسعى إلى تجميد الأوضاع في سورية، خشية تعرضها لهزيمة مفاجئة سياسية أو عسكرية تصيب النفوذ الأمريكي وتصب في صالح النفوذ الروسي والإيراني، وتطيح بطموحات الرئيس ترامب الرئاسية القادمة وسط غياب إنجازاته، وعليه يزداد تمسكه بأدواته الكردية والتركية والإرهابية، وبإطالة أمد الحرب ومنع دمشق من تحقيق نصرٍ عسكري، وبالإستمرار بسياسة حصار الإقتصاد السوري والعقوبات، وبالحفاظ على حياة الجنود الأمريكيين المتواجدين بصورة لا شرعية في سورية .