الحوافز والمكافآت بأيدينا.. بقلم: سامر يحيى

الحوافز والمكافآت بأيدينا.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ١ أكتوبر ٢٠٢٠

 كان الطيران السويسري "البنك الطائر" الأكثر استقراراً مالياً وانضباطاً بالمواعيد ومستوى الرفاهية التي تقدّم للمسافرين، إلى أن وصلت رغبته بالتوسّع عالمياً، باعتماده على مؤسسة استثمارية خارجية، وضعت له خطّة "استراتيجية"، وأعادت هيكليته واشترت بعض شركات الطيران، لكنّ مديري الطيران السويسري كانوا مستائين لما لذلك من مخاطر مستقبلية لم يضعها الاستشاريون بالحسبان، إلا أنّهم آثروا الصمت لاعتقادهم أنّ شركتهم تتعامل مع أهم مركز استشارات في العالم، ليعلن "الطيران السويسري" في الثاني من تشرين الأول 2001 إفلاسه بعد سبعين عاماً من التفوّق...
العبرة من هذه القصة الموجزة، أن ليس كل خبيرٍ خارجيٍ أو منظّرٍ لديه المعرفة الكاملة  والقرار الصائب لإعادة تأهيل المؤسسة وهيكليتها بالشكل السليم، إنّما المنطق أن يكون لهذا المستشار الخارجي والاكاديمي والمنظّر رؤية وأفكارٍ تساهم في توسيع المدارك وتصويب خطّة الأداء العملية، وفتح أبوابٍ جديدة للإبداع والاستثمار، بالتعاون مع العاملين الذين هم على احتكاك مباشرٍ بالعمل وإدراك لطبيعة الأداء، بما يؤدي لاستنهاض جهود المؤسسة واستثمار مواردها بالشكل الأمثل، إذ أنّ لكل مؤسسة خصوصيتها، فما ينطبق على وزارة الكهرباء قد لا ينطبق على وزارة النفط وكلاهما متخصّص بالطاقة....
فالحجر الأساس لإنجاح عملية الإصلاح الإداري أخذ رأي العاملين مباشرةً وأفكارهم وما يتعرّضون له أثناء عملهم، وهذا ينطبق أيضاً على الحوافز والمكافآت، فمن المنطقي ألا يحصل الإداري على مكافأةٍ أكثر مما يحصل عليه العامل الذي يعمل تحت القرّ والحر، بذريعة أنّ راتبه أعلى، وأنّه صاحب القرار، كما أنّه من غير المنطقي أن نعتبر الوظيفة الحكومية مجرّد جمعية خيرية يجب أن تقدّم الراتب وتضاعفه وتمنح الحوافز والمكافآت، متجاهلةً الأداء والإنجاز، وواجب الدولة في الدستور، تأمين فرص العمل "قطّاع خاص أو عام" لكلّ مواطنٍ من أجل استثمار جهوده وإمكانياته بالشكل الأمثل، وليست جمعية خيرية لتعطيه مرتبّاً دون مقابل وإلا أُطلق عليها "دعم اجتماعي"، وهذا يرتّب أيضاً على العامل مضاعفة الأداء وبذل الجهد ـ لا سيّما في الظروف التي تمر بها سوريتنا ـ الذي تلقائياً سيؤدي لزيادة الإنتاج وتوفير النفقات ومنع الهدر، فيزداد العائد الماديّ والمعنويّ، والمكافآت تلقائياً، وتتم السيطرة على الأسعار ومنع الاحتكار، لأنّ كلٌ سيقوم بواجبه ودوره المنوط به في إطار المهمات الملقاة على كاهل مؤسسته. ورغم أنّ الحوافز والمكافآت قد نراها موجودةٌ بطريقة أو أخرى أو بمكرمة من قائد الوطن، ولكن من المفترض عندما تضاعف المؤسسة أدائها، أن يكون حصّة كل عاملٍ لديها لا تقلّ عن عشرين بالمائة من أرباحها، ولكن ليس بالطريقة الورقية إنّما بشكلٍ واقعيٍ على أرض الواقع والإنجاز الحقيقيّ الفعّال الملموس من المواطن، فمثلاً أيّهما أجدى أن نمنح شرطيّ المرور مكافأة استناداً للمخالفات التي يكتبها، أم بقدرته على تنظيم حركة المرور واحترام السائق لإشارات المرور وندرة الحوادث، وتقديم التقارير التي تساهم في تصحيح الأخطاء كطريقٍ أو رصيفٍ يحتاج لصيانة، أو تحويل طريقٍ وتوسعته أو ما شابه .... إضافةً لوقوفه تحت أشعّة الشمس وقساوة البرد... مقابل الآخر الذي يجلس وراء المكيّفات ويطلق الأحكام والتنظير دون عملٍ فعليٍ، أو يحقّق وفراً لصالح الموازنة لأنّه لم يقم بكافّة المهام الملقاة على كاهله ولم يستثمر المبالغ المرصودة لهذه المهمّة بالشكل الأمثل.  
أيضاً أليس المكافأة التي تقدّم للعاملين في المخابز استناداً لقدرتهم على استثمار كلّ ذرّة طحينٍ والطاقة والنظافة ونوعية الخبز وجودته، وتوسيع منافذ البيع التي تؤدي للقضاء على الازدحام والهدر ومنتهزي الفرص ونشر ثقافة الوعي الاستهلاكي لدى المواطن.... وبالتالي تلقائياً يستحق العاملون لديها حوافز أضعاف مما هو متوقّع.
وهذا ينطبق بكلّ تأكيد على كافّة المؤسسات باختلاف المهام الملقاة على كاهلها، فشتان بين تقديم الحوافز لعاملٍ لا يعمل في مؤسسته لمدّة ساعة طوال يوم عمل، وينظّر ويشكو قلّة المرتّب ويتشدّق بالوطنية، مقابل آخرٍ يعمل على مدار ساعات العمل بكلّ جديّة وإتقانٍ ويبذل كل ما يمكنه لإنجاز مهامه رغم العوائق النفسية والتحديّات التي تصادفه أثناء عمله.... وهذا يرتبّ إعادة توزيع العمالة وتفعيل روح العمل الجماعي الحقيقي، لا سيّما عندما نقيّم العمل المؤسساتي وفقاً للخدمات المقدّمة استناداً للموارد والأدوات المتاحة، فالقطاع الاستثماري والانتاجي والخدمي والنفقات، كلّ منها له دور في تحقيق عائدٍ لصالح المؤسسة إن استثمرت بالشكل الأمثل، فحتى النفقات هدفها تطوير العمل وإنتاجه بدقّة وإتقان وسرعة إنجاز... وبالتالي نستطيع الموازنة بين المكافآت والحوافز التي يستحقها العامل المنتج، والمحاسبة للعامل المتقاعس المتواكل على الأخر...
لا بدّ من الإشارة أنه صحيحاً أن المسؤول يسير وفق خطّة عملٍ وقواعد مؤسساتية، وأوامر وقرارات تحكم عمله، لكنّ في نفس الوقت عليه أن يستفيد مما يكتبه الآخرون سواءً من خارج المؤسسة أو داخلها، فمهما كان المدير قادراً على معرفة خبايا المؤسسة وأسرارها يحتاج إلى مساعدةٍ من العاملين لديه، وبالتالي يعمل على تقييم الأداء وتقويمه بشكلٍ متسمر وآني، وتظهر النتائج بشكلٍ فوريٍ، ويختصر الطريق والوقت والجهد، وتلقائياً يتفادى الوقوع في الأزمات والمطبّات والعوائق والتحديّات، التي يصنع العدو جزءاً منها بحصاره وأدواته، والجزء الباقي نتيجة سوء تقديرنا وإهمالنا وغرورنا وقبولنا بالأمر الواقع والنجاح الروتيني اليومي.