نظام النهب العالمي: أميركا الإمبراطورية!.. بقلم: علي نذر

نظام النهب العالمي: أميركا الإمبراطورية!.. بقلم: علي نذر

تحليل وآراء

السبت، ١٠ أكتوبر ٢٠٢٠

يعزو الكثير من الاقتصاديين الليبراليين أسباب أزمة الغذاء العالمية إلى ارتفاع عدد السكان في البلدان الفقيرة. لكن هل هذا صحيح؟
حقيقة، وبالاطّلاع على أرقام الإحصاءات التي سنذكرها، يمكن اكتشاف أنّ السبب الأول خلف الأزمة هو الثقافة الانتهازية السائدة، ونمط العيش المتّبع في الدول الاستكبارية. إذ تشير معدلات استهلاك الموارد الطبيعية في البلدان المتقدّمة، كالغذاء والزيوت والحديد وإنتاج المخلّفات ـــــــ كالبلاستيك والغازات ـــــــ إلى أنّها تفوق بحوالى 32 مرة تلك المسجّلة في البلدان النامية. وهذا يعني أنّ مليار شخص يعيشون في البلدان المتقدّمة، يستهلكون من الموارد الطبيعية ما قد يستهلكه 32 مليار شخص يعيشون في البلدان النامية، رغم أنّه لا يعيش في تلك البلدان سوى 5.5 مليارات شخص.
ولكي تؤمّن حاجياتها، هذه الدول التي تسمى متقدّمة، فإنّها تحتكر الكثير من الموارد الطبيعية الموجودة، وتُحرِق ملايين الأطنان من الغذاء في العالم لحسابات اقتصادية، بينما يموت طفل كلّ خمس ثوانٍ في العالم من نقص الغذاء. فالشركات الأميركية، وبدعمٍ من الخزينة العامّة للولايات المتحدة، أحرقت عام 2011 مقدار 38.3% من محاصيل الذرة، فرفعت أسعاره في العالم 48%! وفي عام 2016، قامت بإحراق 138 ألف مليون طنّ من الذرة، أي ثلث الإنتاج من الذُرة، لإنتاج الوقود الحيوي واستخدامه في السيارات.
فلِكَي توفِّر 50 ليتراً من الوقود الحيوي للسيارة، هي تُدمِّر 358 كيلوغراماً من الذرة، مع العلم أنّه يُمكن لهذه الكمية من الذرة أن تؤمِّن حياة لسنة كاملة لطفل في المكسيك أو زامبيا، كما يقول الدكتور جان زيغلير (هو المُقرِّر الخاص السابق للجنة الحق في الغذاء التابع للأمم المتحدة).
هذا الأمر واقعاً، يشير إلى النظرة الفوقية التي تتبعها حكومات تلك الدول، فتأمين بعض مصادر الطاقة أهمّ من حياة كثيرٍ من الأطفال في «العالم الثالث» ـــــــ بحسب تعبيرهم الفوقي. في هذا السياق، يلفت الدكتور عبد الوهاب المسيري، في كتابه «العلمانية الشاملة والجزئية» ـــــــ وهو كتاب جدير جداً بالقراءة ـــــــ إلى أنّ الإمبريالية العالمية، تسمّى عالمية؛ لأنّها حوّلت العالم بأسره إلى مادة استعمالية، فاستغلّت الموارد الطبيعية والبشرية في كلّ بقاع الأرض، بشكل مباشر من خلال الجيوش النظامية، أو بشكل غير مباشر من خلال «الجيوب الاستيطانية المختلفة» لأجل مصالحها، ولو كلّف ذلك ما كلّف!
ويؤكّد ذلك ما ذكره سفير أفريقيا الجنوبية المُكلَّف ملفّ حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، آنذاك، بيتزو موفيدي، «في السابق كانوا يأخذون الرجال، والآن يسرقون الأرض».
حقيقةً، إننا نعيش استعماراً جديداً للعالم، فبين عامَي 2002 و2007، قُتل أو اختفى أكثر من 13645 شخصاً، بينهم أكثر من 1300 امرأة وأكثر من 700 طفل، على يد ميليشيات مدعومه من الدول الغربية، من أجل السيطرة على الأراضي في كولومبيا.
في أفريقيا، حيث يتجلّى الانتهاز بشكل أوضح، يذكر البنك الدولي، عام 2017، أنّ البنوك الكبرى والشركات المتعدّدة الجنسيات حصلت على 41 مليون هكتار من الأراضي القابلة للزراعة، وقد تمّ طرد الفلاحين إلى مدنٍ الصفيح حول المُدن الكُبرى، وهذه الصناديق أيّ صناديق التحوّط والشركات المتعدّدة الجنسيات قامت في الواقع بتحويل هذه الأراضي القابلة للزراعة، إلى أراضٍ لإنتاج قصب السُكّر وزيت النخيل، وهما المادّتان الأساسيتان لإنتاج الإيثانول الحيوي والديزل الحيوي أو المازوت الحيوي.
وكنتيجة لذلك، فإنّ 37.2% من السُكّان في القارة الأفريقية يعيشون، حالياً، حال نقص مُزمِن في التغذية، والأسوأ من ذلك أنّ الدول الأفريقية الـ54 تستورد الأغذية لقاء 24 مليار دولار سنوياً.
في السودان، بعد ستةٍ وعشرين عاماً من الحرب ومليون قتيل ومعوّق، وُلِدت دولة جنوب السودان، عام 2011، لكن قبل ولادتها، فإنّ الشركة الأميركية للغذاء Nile Trading and Development، اشترت 600 ألف هكتار من الأراضي، أي واحِد في المئة من كلّ أراضي جنوب السودان، وهي أكبر من نصف مساحة لبنان! اشترتها فقط بـ25 ألف دولار! يعني 4 سنتات مقابل الهكتار الواحد!
والأسوأ أنّ مثل هذه الأفعال كان يتمّ تبريرها، في ما مضى، بسيطرة الإمبريالية الغربية على شعوب العالم، وذلك من خلال اللجوء إلى شعارات مثل «عبء الرجل الأبيض» (نظرية تبرّر الهيمنة للرجل الأبيض) و«الرسالة الحضارية» و«القدر المحتوم». ثمّ بدأت، بعد حين، تظهر ملامح ما يسمى بـ«العولمة» globalization، أو تحويل العالم إلى وحدات متجانسة لا تتمتّع بأية خصوصية (وهو الاتجاه الذي أدى في نهاية الأمر، إلى ظهور النظام العالمي الجديد)، وما سرّع هذا الاتجاه، أنّ الاستعمار الغربي، والأميركي خاصةً، اكتشف أنّ المواجهة مع الشعوب أمر مكلف جداً، وأنّ الحروب الاستعمارية لا تأتي بعائد كبير، ولذا قرّر التراجع عن الغزو العسكري المباشر والبحث عن أشكال أكثر مراوغة ودهاءً.
في عام 1914، صدرت مذكّرة رسميّة، تحذّر من أيّ استعمال لعبارة «مستعمرات»، واستعمال كلمة «أراضٍ» بدلاً منها، كما يذكر المؤرّخ دانيال إميرفاهر ــــــ وهو أستاذ في جامعة نورث وسترن ـــــــ في كتابه «كيفَ تخفي إمبراطوريّة: تاريخ للولايات المتحدة الكبرى».
وأميركا، إلى سنوات متأخّرة، نجحت في تصوير نفسها على أنها مناصرة ـــــــ في القرن العشرين ـــــــ لحقّ تقرير المصير، فيما كانت، ومن دون حياء، تستعمل العنف لفرض سيطرتها على شعوبٍ في أنحاء مختلفة.
واقعاً، ومع مرور الوقت، تتكشّف حقيقة أميركا كإمبراطورية، خصوصاً مع وجود رئيسها الحالي دونالد ترامب، وقد عبّر عن ذلك، بصراحة، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، السيد علي خامنئي، بالقول: «نحن ممتنّون للسيد ترامب... لقد أظهر وجه أميركا الحقيقي». وتكفي مراقبة خطاباته وتصريحاته، لبيان مدى غطرسة وفظاظة النظام الأميركي في الاستغلال والابتزاز ــــــ فنزويلا والأنظمة العربية كنموذج ـــــــ وهو لا ينفكّ يستخدم بصراحة، مصطلح «حلب الدولارات»، أو «البقرة الحلوب»، أو «جلب الدولارات»... فإلى متى الغفلة والغياب؟