التقنية المالية.. بقلم: سامر يحيى

التقنية المالية.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

لا يغيب عن بالي ـ وأظنّ أبناء جيلي ـ عندما كنّا في المرحلة الابتدائية، ويأتي مدير المدرسة ليطلب منا المساهمة في دفع التعاون والنشاط، ويشرح لنا أنّ هذا المبلغ مساهمةً من التلاميذ لدعم العملية التربوية والمساهمة في توفير مستلزماتها وتعزيز التعاون المجتمعي، مما جعلنا نشعر بأهميتنا وعزّز الشعور بالانتماء الوطني، وينطبق ذلك على حملات التبرّع ولو بدفترٍ أو قلمٍ أو مبلغٍ لا يتجاوز الليرة سورية الواحدة، للأشقاء العرب المتضررين من الحروب والكوارث ... إلى ما هنالك..
أليس الأجدى في ظل انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وسرعة إيصال المعلومة، أن نكون أكثر قدرةً لتوليد أفكارٍ تساهم في تطوير ذلك بشكلٍ إيجابيٍ بنّاء، وتفعيل دور كل فردٍ للنهوض بالمجتمع بشكلٍ أسرع، وأن يشعر المواطن أن المؤسسات موجودة لتلبية احتياجاته وحقوقه، وأنّ عليه التزامات وواجبات ودورٌ مجتمعي يجب أن يقوم به...
وأن تدرك المؤسسات بأنّ إيلاء الجانب المالي الأهمية القصوى يساهم في ضبط حركة المجتمع وتأطيرها بشكلٍ فاعلٍ مساهمٍ في بناء الوطن، ونوفّر الوقت والجهد والمال والقضاء على الطوابير، وبدلاً من فرض رسومٍ ورفع أسعار، والدعوة لجمع تبرّعات، بأنّ نشجّع على قيام كلٍ منا بدوره، فهل يعقل أنّنا رغم الحصار والإرهاب لم نتعلّم الدرس، وبدلاً من أن يتحوّل نقاش التلميذ أو المواطن بأنّ ما يدفعه من مال القسم الأكبر يذهب لصالح مجموعةٍ متنفّذة والسوق السوداء، بأنّه يعود لمصلحة الوطن ككل، وهذا تماماً ينطبق على الكثير من أفراد وجمعيات وجماعات تعمل على جباية أموالٍ وموادٍ عينية تحت ستار الدعم الاجتماعي والمشاركة الوطنية، والتي قد تكون صادقةً، وبنفس الوقت قد تخفي في طيّاتها الكثير من المخاوف الظاهرة والمخفية، الآنية والمستقبلية، وطالما لدينا فريقاً اقتصادياً، واجتماعاً دورياً للمؤسسات المسؤولة عن إدارة موارد الوطن، ولدينا لجانٌ بكلّ تخصصٍ، دورها استبدال هذا المفهوم الخاطئ، والتأكيد بأنّ كل ما يتم جمعه يذهب لمستحقيه بشكلٍ فعلي، وأن النشاط والتعاون المجتمعي ليس تسوّلاً ولا شحاذة مؤطّرة، أو فرض رسم وجباية أموال وزيادة أسعارٍ توسّع الفجوة بين المجتمع ومؤسساته، بتعزيز الثقة، وتأطير التعامل المالي بشكلٍ حقيقيٍ وفاعل، عبر تعزيز التعاون والتكافل بين كافّة القطاعات العام والخاص والمشترك والأفراد، وتوجيه المصارف وصناديق الدعم لتقوم بدورها المنوط بها لاستثمار الموارد، وضمن القوانين والأنظمة الحالية، وتلقائياً سنجد أنفسنا قد فتحنا الباب للتحديث والتطوير بالقوانين والوسائل والأدوات ومواكبة التطوّر العلمي والتقني وتلبية احتياجات أبناء الوطن، فهل توجد أيّة قيودٍ على أن تقوم المصارف والجمعيات الخيرية والأفراد الذين يجمعون المال، بأن يكون بهدف تأمين مصادر دخلٍ إيجابية لهذا المواطن أو ذاك، لهذه المنطقة أو تلك ضمن احتياجاتها وإمكانياتها ومواردها، وبالتالي بدلاً من انتظار مكافأةٍ وظيفة حكومية الكل يشكو أنّ راتبها لا يكفي لأول أسبوعٍ من الشهر، أو منح مساعدةٍ لدفع إيجار منزلٍ، أو معالجة مريضٍ، أو تأمين مادّة معيّنة يحتاجها المواطن، بل أن نحوّلها لأن يشعر هذا الجريح أو المسرّح، أو ذوي الشهيد أو المواطن العادي، فاعلاً بناء في استثمار قدراته وتفعيل انتاجه وله دوره في عملية إعادة الإعمار، لا أن نشعره بأنّنا نشحذ باسمه، أو نتصدّق عليه، ونمّننه، وتلقائياً نقطع الطريق على الانتهازيين والمتنفذين والسوق السوداء، ونحقق العدالة المجتمعية ومضاعفة الإنتاج، وتحقيق العاضد المؤسساتي المجتمعي، ونستطيع التخفيف أو القضاء على كل الأزمات التي قد تحصل، سواءً كانت طبيعية أو مصطنعة أو نتيجة الأعمال الإرهابية، والحصار الظالم، ونعالج الضرر الذي أصيب به وطننا.
إن تفعيل الجانب المالي بشكلٍ مدروس، هو من أهم أسس مواكبة العملية التطويرية، مستفيدين من انتشار المصارف وتنوّعها، وتعدّد صناديق الدعم، وتعدّد البطاقات الالكترونية سواءً الذكية للمواد التموينية والمحروقات، أو المصرفية، أو البطاقة الشخصية المستندة إلى الرقم الالكتروني، ومستفيدين من قارئ البطاقة الذكية، وتعديل برمجته، وبرمجة البطاقات المصرفية، لتصبح هي الدفع الالكتروني الحقيقي، فهل عجز الفريق الاقتصادي والمؤسسات المتخصصة في تفعيل هذا البند، فمضاعفة توزيع الصرّافات الآلية، لا سيّما أمام المباني الحكومية، بما يساهم بحمايتها وسرعة معالجة أعطالها، ووصلها بالصرّاف المركزي لهذه الصرّفات من أجل إعلامها الكترونياً بمقدار ما تبقى لديها من أموالٍ، وبالتالي يساهم بالسماح للمواطن بسحب المبلغ الذي يريد ويحتاجه، في الوقت الذي يريد ويحتاج، ويتفاعل بأنّ يوطّن أمواله ومدّخراته من عملاتٍ وطنية وأجنبية وذهب وغيره في البنوك عندما يؤمن ويثق بأنّه يستطيع سحبها في أي وقت يرغب ويريد، ويحوّلها لأيٍ شخصٍ يرغب ويريد، بل ويوفّر على الجهات المختصة لا سيّما الأمنية متابعة الخطوات المشبوهة، والمساهمة بتحديد الضرائب الحقيقية، ومعرفة سير الأموال بشكلٍ دقيق، والقضاء على السوق السوداء، والسرقات، وتخفيف الضغوطات على المؤسسات الوطنية، بأن يستطيع المواطن دفع ما يريد عبر قارئ البطاقة المصرفية المفترض توفّره لدى المؤسسات الحكومية، وكذلك في العديد من أماكن الحاجة لها لا سيّما في المحال التجارية الكبيرة، تلقائياً ليتوسع ويشمل كافّة مناحي الحياة المجتمعية، فهل يعقل أنّ آلية بملايين الليرات، أو منزل بمئات الملايين، يضع المواطن سعره بحدود المائة أو المائتي ألف ليرة سورية، فهل هذا يقتنع به المسؤول، وهل هذه الحركة تحتاج لتشريعات جديدة، أم مجرّد التعامل بإيجابية مع القوانين والأنظمة الموجودة، عندما يجد المواطن أنّه قادرٌ على سحب أمواله بأي وقتٍ لن نجد هناك الحاجة لازدحامٍ على الصرافات، وعندما يدرك أنّه عندما يضع مبلغاً من المال يستطيع سحب ما يريد عند حاجته إليه، ألا يجد الثقة الحقيقية في تلك المصارف، وكلّه يساهم بعملية ضبط سير الأموال، واسترداد الضرائب وتحقيق عائد للمصارف، لا سيّما إن تم التفاعل والتواصل بين الجميع، ومن ثم تبدأ بعملية التقاص بين المصارف، وهذا لا يحتاج سوى لتعاونٍ وطني بنّاء، وتطوير برمجة الأجهزة القائمة، وزيادة سعة تخزين البيانات وسرعة التعامل مع البيانات المدخلة إليها، وبرامج سد الثغرات والهجمات الالكترونية، وتوفير قارئ البطاقة المصرفية بشكلٍ كبير، لا سيّما أن الشبكة العنكبوتية باتت منتشرة على كافّة أصقاع تراب الوطن المقدّس، بغض النظر عن بطئه..
في هذه الظروف، ورغم كل الشكاوى، عندما نراجع المصارف نسمع عن عددٌ لا بأس به من المواطنين يقوم بإيداع أموالاً في البنوك، وأنه تم وضع مبالغ كبيرة جداً عن طريق عمليات الدفع الالكتروني وسداد الرسوم، فكيف إذا تم تحرير هذه العملية المالية وجعلها متاحةً وبسهولة، ضمن الإجراءات الأمنية والثقة، مما يؤدي لحصول معجزاتٍ في ضبط العملية المالية والمصرفية والضريبية ومتابعة التحرّكات المشبوهة، وتفعيل المشروعات واستثمار الأراضي والمزروعات والثروة الحيوانية، وإعادة الإعمار للمباني المتضررة، وتحريك العملية الإنتاجية من كلّ النواحي دون استثناء، وسدّ الثغرات بين المواطن ومؤسساته الوطنية.